ثم أعلم الله - عز وجل - رسوله أنه يأتي من الآيات بما أحب؛ وأنه - صلى الله عليه وسلم - بشر لا يقدر على الإتيان بآية؛ إلا بما شاء الله من الآيات؛ فقال :
وإن كان كبر عليك إعراضهم ؛ أي : إن كان عظم عليك أن أعرضوا إذ طلبوا منك أن تنزل عليهم ملكا؛ لأنهم قالوا :
لولا أنـزل عليه ملك ؛ ثم أعلم الله - جل وعز - أنهم لو نزلت عليهم الملائكة وأتاهم عظيم من الآيات؛ ما آمنوا؛ وقوله :
فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض ؛
[ ص: 244 ] و " النفق " : الطريق النافذ في الأرض؛ و " النافقاء " - " ممدود " - : أحد جحرة اليربوع؛ يخرقه من باطن الأرض إلى جلدة الأرض؛ فإذا بلغ الجلدة أرقها؛ حتى إن رابه دبيب رفع برأسه هذا المكان وخرج منه؛ ومن هذا سمي " المنافق " ؛ " منافقا " ؛ لأنه أبطن غير ما أظهر؛ كـ " النافقاء " ؛ الذي ظاهره غير بين؛ وباطنه حفر في الأرض؛ وقوله :
أو سلما في السماء ؛ و " السلم " : مشتق من " السلامة " ؛ وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك؛ المعنى : " فإن استطعت هذا فافعل " ؛ وليس في القرآن " فافعل " ؛ لأنه قد يحذف ما في الكلام دليل عليه؛ ومثل ذلك قولك : " إن رأيت أن تمضي معنا إلى فلان ولا تذكر فافعل " ؛ فأعلم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه لا يستطيع أن يأتي بآية إلا بإذن الله؛ وإعلامه النبي هذا؛ هو إعلام الخلق أنهم إنما اقترحوا هم الآيات؛ وأعلم الله - جل وعز - أنه قادر على أن ينزل آية آية؛ وأنه لو أنزلت الملائكة؛ وكلمهم الموتى؛ ما كانوا ليؤمنوا؛ إلا أن يشاء الله.
وقوله :
ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ؛ فيه غير قول؛ فأحدها أنه لو شاء الله أن يطبعهم على الهدى لفعل ذلك؛ وقول آخر : " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى " ؛ أي : لو شاء لأنزل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان؛ كقوله - جل وعز - :
إن نشأ ننـزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ؛
[ ص: 245 ] فإنما أنزل الله الآيات التي يفكر الناس معها؛ فيؤجر ذو البصر؛ ويثاب على الإيمان بالآيات؛ ولو كانت نار تنزل على من يكفر؛ أو يرمى بحجر من السماء؛ لآمن كل واحد.