وقوله :
وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ؛ أي : الذين يصدقون بحججنا؛ وبراهيننا؛
فقل سلام عليكم ؛ سمعت
أبا العباس محمد بن يزيد يذكر أن
السلام في اللغة أربعة أشياء؛ فمنها : " سلمت سلاما " ؛ مصدر " سلمت " ؛ ومنها : " السلام " : جمع " سلامة " ؛ ومنها : " السلام " : اسم من أسماء الله (تعالى)؛ ومنها : " السلام " : شجر؛ ومنه قوله :
إلا سلام وحرمل
ومعنى " السلام " ؛ الذي هو مصدر " سلمت " ؛ أنه دعاء للإنسان أن يسلم من
[ ص: 253 ] الآفات في دينه؛ ونفسه؛ وتأويله " التخلص " ؛ و " السلام " - اسم من أسماء الله - تأويله - والله أعلم - : ذو السلام؛ أي : هو الذي يملك السلام؛ الذي هو تخليص من المكروه؛ فأما " السلام " ؛ الشجر؛ فهو شجر عظام؛ قوي؛ أحسبه سمي بذلك لسلامته من الآفات؛ و " السلام " : الحجارة الصلبة؛ سميت بذلك لسلامتها من الرخاوة؛ والصلح يسمى " السلم " ؛ و " السلم " ؛ و " السلم " ؛ سمي بهذا لأن معناه : السلامة من الشر؛ و " السلم " : دلو لها عروة واحدة؛ نحو دلو السقائين؛ سميت " الدلو " ؛ " سلما " ؛ لأنها أقل عرى من سائر الدلاء؛ فهي أسلمها من الآفات؛ و " السلم " : الذي يرتقى عليه؛ سمي بهذا لأنه يسلمك إلى حيث تريد؛ و " السلم " : السبب إلى الشيء؛ سمي بهذا لأنه يؤدي إلى غيره؛ كما يؤدي السلم الذي يرتقى عليه. وقوله :
كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ؛ بفتحهما جميعا؛ ويجوز أن يكون " إنه... فإنه " ؛ بكسرهما جميعا؛ ويجوز فتح الأولى؛ وكسر الثانية؛ ويجوز كسر الأولى؛ وفتح الثانية؛ فأما فتح الأولى والثانية فعلى أن موضع " أن " ؛ الأولى نصب؛ المعنى : " كتب ربكم على نفسه المغفرة " ؛ وهي بدل من " الرحمة " ؛ كأنه قال : " كتب ربكم على نفسه الرحمة؛ وهي المغفرة؛ للمذنبين التائبين " ؛ لأن معنى أنه " غفور رحيم " : المغفرة منه؛ ويجوز أن تكون الثانية وقعت مؤكدة للأولى؛ لأن المعنى : " كتب ربكم أنه غفور رحيم " ؛ فلما طال الكلام أعيد ذكر " إن " ؛ فأما كسرهما جميعا فعلى مذهب الحكاية؛ كأنه لما قال : " كتب ربكم على نفسه الرحمة قال : إنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فإنه غفور رحيم " ؛ بالكسر.
[ ص: 254 ] وجعلت الفاء جوابا للجزاء؛ وكسرت " إن " ؛ دخلت على ابتداء وخبر؛ كأنك قلت : " فهو غفور رحيم " ؛ إلا أن الكلام بـ " إن " ؛ أوكد؛ ومن كسر الأولى فعلى ما ذكرنا من الحكاية؛ وإذا فتح الثانية مع كسر الأولى؛ لأن معناها المصدر؛ والخبر محذوف؛ المعنى : " إنه من عمل كذا وكذا فمغفرة الله له " ؛ ومن فتح الأولى؛ وكسر الثانية؛ فالمعنى راجع إلى المصدر؛ وكأنك لم تذكر " إن " ؛ الثانية؛ المعنى : " كتب ربكم على نفسه أنه غفور رحيم " ؛ ومعنى " كتب " : أوجب ذلك إيجابا مؤكدا؛ وجائز أن يكون كتب ذلك في اللوح المحفوظ؛ وإنما خوطب الخلق بما يعقلون؛ فهم يعقلون أن توكيد الشيء المؤخر إنما يحفظ بالكتاب؛ ونحن نشرح ذلك في موضعه شرحا أوكد من هذا؛ إن شاء الله؛ ومعنى :
يعملون السوء بجهالة ؛ أي : ليس بأنهم يجهلون أنه سوء؛ لو أتى المسلم ما يجهل أنه سوء لكان كمن لم يتعمد سوءا؛ ولم يوقع سوءا؛ وقولك : " عمل فلان كذا وكذا؛ بجهالة " ؛ يحتمل أمرين؛ فأحدهما أنه عمله وهو جاهل بالمكروه فيه؛ أي : لم يعرف أن فيه مكروها؛ والآخر : أقدم عليه على بصيرة؛ وعلم أن عاقبته مكروهة؛ فآثر العاجل؛ فجعل جاهلا؛ فإنه آثر القليل على الراحة الكثيرة؛ والعافية الدائمة؛ فهذا معنى : " من عمل منكم سوءا بجهالة " .