معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - جل وعز - : وكم من قرية أهلكناها ؛ المعنى : وكم من أهل قرية أهلكناهم! إلا أن " أهل " ؛ حذف؛ لأن في الكلام دليلا عليه؛ وقوله : فجاءها بأسنا بياتا ؛ محمول على لفظ القرية؛ ولو قيل : " فجاءهم " ؛ لكان صوابا؛ وقوله : أو هم قائلون ؛ قال بعض النحويين : المعنى : " وهم قائلون " ؛ والواو فيما ذكر محذوفة؛ وهذا لا يحتاج إلى ضمير الواو؛ ولو قلت : " جاءني زيد راجلا؛ أو وهو فارس " ؛ أو : " جاءني زيد هو فارس " ؛ لم تحتج إلى واو؛ لأن الذكر قد عاد إلى الأول؛ ومعنى " بياتا " : ليلا؛ يقال : " بات بياتا حسنا " ؛ و " بيتة حسنة " ؛ والمصدر في الإصابات " بيتا " ؛ و " البيت " : بيت الشعر؛ وكذلك بيت المدر؛ وإنما أصل تسميته من أنه يصلح للمبيت؛ ويقال : " لفلان بيتة وليلة " ؛ و " بيت ليلة " ؛ أي : ما يكفيه من القوت في ليلة؛ ومعنى " أو هم قائلون " : أي : " أو جاءهم بأسنا نهارا في وقت القائلة " ؛ يقال : " قلت " ؛ من " القائلة " ؛ [ ص: 318 ] فالمعنى : " إنهم جاءهم بأسنا غفلة؛ وهم غير متوقعين له " ؛ إما ليلا وهم نائمون؛ أو نهارا وهم قائلون " ؛ كأنهم غافلون؛ و " أو " ؛ ههنا؛ دخلت على جهة تصرف الشيء؛ ووقوعه؛ إما مرة كذا؛ وإما مرة كذا؛ فهي في الخبر ههنا بمنزلة " أو " ؛ في الإباحة؛ تقول : " جالس زيدا أو عمرا " ؛ أي : " كل واحد منهما أهل أن يجالس " ؛ و " أو " ؛ ههنا؛ أحسن من الواو؛ لأن الواو تتضمن اجتماع الشيئين؛ لو قلت : " ضربت القوم قياما وقعودا " ؛ لأوجبت الواو أنك ضربتهم وهم على هاتين الحالتين؛ وإذا قلت : " ضربتهم قياما أو ضربتهم قعودا " ؛ ولم تكن شاكا؛ فإنما المعنى أنك ضربتهم مرة على هذه الحال؛ ومرة على هذه الحال؛ وموضع " كم " : رفع بالابتداء؛ وخبرها " أهلكناها " ؛ وهو أحسن من أن تكون في موضع نصب؛ لأن قولك : " زيد ضربته " ؛ أجود من " زيدا ضربته " ؛ والنصب جيد عربي أيضا؛ مثله قوله - جل وعز - : إنا كل شيء خلقناه بقدر

التالي السابق


الخدمات العلمية