وقوله - جل ثناؤه - :
واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت ؛
[ ص: 384 ] السؤال على ضربين؛ فأحد الضربين أن تسأل لتستخبر عما لا تعلم لتعلم؛ والضرب الثاني أن تسأل مستخبرا على وجه التقرير؛ فتقول للرجل : " أنا فعلت كذا؟ " ; وأنت تعلم أنك لم تفعل؛ فإنما تسأله لتقرره؛ وتوبخه؛ فمعنى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل أهل الكتاب عن أهل هذه القرية - وقد أخبر الله - جل ثناؤه - بقصتها - ليقررهم بقديم كفرهم؛ وأن يعلمهم ما لا يعلم إلا بكتاب؛ أو وحي؛
إذ يعدون في السبت ؛ أي : إذ يظلمون في السبت؛ يقال : " عدا فلان؛ يعدو؛ عدوانا؛ وعداء؛ وعدوا؛ وعدوا " ؛ إذا ظلم؛ وقوله :
إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم ؛ " حيتان " : جمع " حوت " ؛ وأكثر ما تسمي
العرب السمك " الحيتان " ؛ و " النينان " .
إذ يعدون في السبت ؛ موضع " إذ " ؛ نصب؛ المعنى : " سلهم عن عدوهم في السبت؛ أي : سلهم عن وقت ذلك؛ " إذ تأتيهم " ؛ في موضع نصب أيضا بـ " يعدون " ؛ المعنى : سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان؛
شرعا ؛ أي : ظاهرة؛ وكانت الحيتان تأتي ظاهرة؛ فكانوا يحتالون بحبسها في يوم السبت؛ ثم يأخذونها في يوم الأحد؛ ويقال : إنهم جاهروا بأخذها في يوم السبت.
[ ص: 385 ] وقوله :
كذلك نبلوهم ؛ أي : مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم؛ وموضع الكاف نصب بقوله :
نبلوهم بما كانوا يفسقون ؛ أي : شددت عليهم المحنة بفسقهم؛ ويحتمل - على بعد - أن يكون :
ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك ؛ أي : لا تأتيهم شرعا؛ ويكون " نبلوهم " ؛ مستأنفة؛ وذلك القول الأول قول الناس؛ وهو الجيد.