معاني القرآن وإعرابه للزجاج

الزجاج - أبو إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج

صفحة جزء
وقوله - جل وعز - : وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر ؛ أي : " رؤساء الكافرين " ؛ وقادتهم؛ لأن الإمام متبع؛ وهذه الآية توجب قتل الذمي إذا أظهر الطعن في الإسلام؛ لأن العهد معقود عليه بألا يطعن؛ فإذا طعن فقد نكث؛ وقوله : أئمة الكفر ؛ فيها عند النحويين لغة واحدة : " أيمة " ؛ بهمزة وياء؛ والقراء يقرؤون : " أئمة " ؛ بهمزتين؛ و " أيمة " ؛ بهمزة؛ وياء؛ فأما النحويون فلا يجيزون اجتماع الهمزتين ههنا؛ لأنهما لا تجتمعان في كلمة؛ ومن قرأ : " أئمة " ؛ بهمزتين؛ فينبغي أن يقرأ : " يا بني أأدم " ؛ والاجتماع أن " آدم " ؛ فيه همزة واحدة؛ فالاختلاف راجع إلى الإجماع؛ إلا أن النحويين يستصعبون هذه المسألة؛ ولهم فيها غير قول؛ يقولون - إذا فضلنا رجلا في الإمامة - : " هذا أوم من هذا " ؛ ويقول بعضهم : " أيم من هذا " ؛ فالأصل في اللغة : " أأممة " ؛ لأنه جمع " إمام " ؛ مثل " مثال " ؛ و " أمثلة " ؛ ولكن [ ص: 435 ] الميمين لما اجتمعتا أدغمت الأولى في الثانية؛ وألغيت حركتها على الهمزة؛ فصار " أئمة " ؛ فأبدل النحويون من الهمزة الياء؛ ومن قال : " هذا أيم من هذا " ؛ جعل هذه الهمزة كلما تحركت أبدل منها ياء؛ قال أبو إسحاق : والذي قال : " هذا أوم من هذا " ؛ كانت عنده أصلها " أأم " ؛ فلم يمكنه أن يبدل منها ألفا؛ لاجتماع الساكنين؛ فجعلها واوا مفتوحة؛ لأنه قال : إذا جمعت " آدم " ؛ قلت : " أوادم " ؛ وهذا هو القياس الذي جعلها ياء؛ قال : قد صارت الياء في " أئمة " ؛ بدلا لازما؛ وهذا مذهب الأخفش؛ والأول مذهب المازني؛ قال أبو إسحاق : وأظنه أقيس الوجهين؛ أعني : " هذا أوم من هذا " ؛ فأما " أئمة " ؛ باجتماع الهمزتين؛ فليس من مذاهب أصحابنا؛ إلا ما يحكى عن ابن إسحاق؛ فإنه كان يحب اجتماعهما؛ وليس ذلك عندي جائزا؛ لأن هذا الحرف في " أئمة " ؛ قد وقع فيه التضعيف؛ والإدغام؛ فلما أدغم وقعت علة في الحرف؛ وطرحت حركته على الهمزة؛ فكان تركها دليلا على أنها همزة قد وقع عليها حركة ما بعدها؛ وعلى هذا القياس يجوز : " هذا أأم من هذا " ؛ والذي بدأنا به هو الاختيار من ألا تجتمع همزتان. وقوله : إنهم لا أيمان لهم ؛ وتقرأ : " لا إيمان لهم " ؛ فمن قرأ : " لا أيمان لهم " ؛ بالفتح؛ فقد وصفهم بالنكث في العهد؛ وهو أجود القراءتين؛ ومن قرأ : " لا إيمان لهم " ؛ فقد وصفهم بالردة؛ أي : " لا إسلام لهم " ؛ ويجوز أن يكون نفى عنهم الإيمان؛ لأنهم لم يؤمنوا؛ كما تقول : " لا علم لفلان " . [ ص: 436 ] ويجوز أن يكون " لا أيمان لهم " ؛ إذا كنتم أنتم آمنتموهم؛ فنقضوا هم عهدكم؛ فقد بطل الأمان الذي أعطيتموهم؛ أي : " لا إيمان لهم " ؛ على " آمنت إيمانا " ؛ على المصدر؛ لعلهم ينتهون ؛ أي : ليرجى منهم الانتهاء والنكث : النقض في كل شيء.

التالي السابق


الخدمات العلمية