وقوله :
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ؛ هذا وعيد شديد في التخلف عن الجهاد؛ وأعلم أنه يستبدل لنصر دينه ونبيه قوما غير مثاقلين عن النصر إلى أعدائه؛ إذ أعلمهم الله - عز وجل - أنهم إن تركوا نصره فلن يضره ذلك شيئا؛ كما لم يضرره إذ كان
بمكة لا ناصرين له؛ فقال - عز وجل - :
إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ؛
وكان المشركون قد أجمعوا على قتله - صلى الله عليه وسلم -؛ فمضى هو وأبو بكر الصديق هاربا منهم في الليل؛ وترك nindex.php?page=showalam&ids=8عليا على فراشه ليروا شخصه على الفراش؛ فلا يعلموا وقت مضيه؛ وأطلعا nindex.php?page=showalam&ids=64أسماء بنت أبي بكر على مكانهما في الغار؛ ومر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ثمامة؛ وهي شجرة صغيرة ضعيفة؛ فأمر nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر أن يأخذها معه؛ فلما صارا إلى الغار؛ أمر nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر فجعلها على باب الغار؛ ثم سبق nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر إلى دخول الغار فانبطح فيه؛ وألقى نفسه؛ فقال رسول الله : " لم فعلت ذلك؟ " ؛ فقال : " لأن هذه الغيران تكون فيها الهوام المؤذية؛ والسباع؛ فأحببت إن كان فيها شيء أن أقيك بنفسي يا رسول الله " ؛ ونظر nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر إلى جحر في الغار فسده برجله؛ وقال : " إن خرج منه ما يؤذي وقيتك منه " ؛ فلما أصبح المشركون اجتازوا بالغار؛ فبكى nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما يبكيك؟ " ؛ فقال : " أخاف أن تقتل فلا يعبد الله بعد اليوم " ؛ فقال له رسول الله : " لا تحزن إن الله معنا " ؛ أي : إن الله (تعالى) يمنعهم منا؛ وينصرنا؛ [ ص: 449 ] فقال : " أهكذا يا رسول الله؟ " ؛ قال : " نعم " ؛ فرقأ دمع nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر؛ وسكن؛ وقال المشركون - حين اجتازوا بالغار - : لو كان فيه أحد لم تكن ببابه هذه الثمامة؛
فأنـزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها ؛ أيده بملائكة يصرفون وجوه الكفار وأبصارهم عن أن يروه؛ وقوله : " سكينته عليه " ؛ يجوز أن تكون الهاء التي في عليه لأبي بكر؛ وجائز أن تكون ترجع على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله - جل ثناؤه - ألقى في قلبه ما سكن به؛ وعلم أنهم غير واصلين إليه؛ فأعلم الله أنهم إن تركوا نصره؛ نصره كما نصره في هذه الحال؛ و " ثاني اثنين " ؛ منصوب على الحال؛ المعنى : " فقد نصره الله أحد اثنين " ؛ أي : نصره منفردا؛ إلا من
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر - رضي الله عنه.