[ ص: 196 ] مثل الإيمان وصحته وسقمه
مثل الإيمان وصحته وسقمه مثل رجل يريد أن يشتري عبدا فيتخير من بين العبيد من له زيادة بسطة في الجسم غليظ الرقبة يقدر بالأحمال الثقيلة على رقبته وسبق على العبيد بالشخص والبطش فاشتراه بالثمن الغالي وأقامه بالخدمة بين يديه وصير له مقاما معلوما فإذا يكون قد سقم فما زال السقم حتى أثر في بدنه فزال عنه قوة البطش والحمل ورق عظمه وصارت قدماه من الرعشة والرجفة حتى عجز عن القيام بين يدي سيده وعجز عن الخدمة فتراجعت قيمته وصار أمره على خطر الموت
فالمؤمن لما جاءه نور الهداية استقام قلبه لله عبودة مؤمنا بقلبه مسلما بأركانه فقد استقرت قدما قلبه بين يدي الله تعالى للخدمة فإذا جاءته الشهوات مع هبوب ريحها فرجفت بقلبه ومازجت حلاوة الشهوات ولذات الهوى حلاوة الحب الذي في إيمانه وضعف قلبه وصارت تلك الحلاوة واللذة التي
[ ص: 197 ] جاءت من قبل الشهوة مرضا للقلب فضعف القلب لأن قوته كانت من حرارة ذلك الحب وحلاوته وقوة 73 الفرح الذي في ذلك الحب فرجفت قدماه وارتعشت فإذا جاءته المكروهات ضعف قدمه عن احتمالها ودقت رقبته وذهبت قوة بطشه بقلبه وعجز عن القيام بين يدي الله تعالى لأن هواه وشهواته تردانه إلى المنى فالإيمان هو استقرار القلب بين يدي الله تعالى وطمأنينة النفس بين يدي الله تعالى بالعبودة فإنما دخل عليه السقم من مخالطة حلاوة الشهوات ولذة الهوى فذهبت قوته فلذلك
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإيمان حلو نزه فنزهوه
فحلاوته من الحب الذي تضمنه ونزاهته من نور التوحيد فإذا مازجته حلاوة الشهوات مررته وإذا خالطته .أسباب الهوى ذهبت نزاهته فتكدر الإيمان وتدنس ومن كدورته ودنسه سقم القلب
قال له قائل وكيف يتدنس الإيمان ويتكدر
[ ص: 198 ] قال إن الإيمان عطاء الله تعالى وهو استقرار قلب العبد به فإذا استقر قلبه بربه صار عارفا له مطمئنا إليه فذاك منه إيمان بالله تعالى وهو عطاؤه للعبد يقال آمن يؤمن إيمانا
وأما النور الذي منه استقرار القلب فهو نور الإيمان فيجوز أن يسمى إيمانا في اللغة كما نسبت البيت إلى الدار والدار إلى البيت فالدار تسمى دارا لتدوير الخطة والبيت يسمى بيتا لأنه نبيت فيه مثل الإيمان