[ ص: 240 ] مثل المدعو إلى دار السلام
مثل المدعو إلى دار السلام فأجاب مثل رجل دعي إلى عرس فأجاب فلما نظر إلى نفسه رأى في نفسه هيئة فعلم أن ليس له مع هذه الهيئة مكان في ذلك العرس ولا يترك للدخول ثمة لأنه نظر إلى شعر وسخ ملتف برأسه ولحيته غيرها الدخان حتى اصفرت وإلى أظافير قد طالت وبراجم قد توسخت ودرنت وثياب دنسة وخلقان ورائحة منكرة ومع هذا كله قد بات في المزابل فانقطع طمعه من أن يترك للدخول في تلك الدار بهذه الهيئة فكيف يطمع أن يدخل دار السلام ودار الجلال مع أوساخ الذنوب وأدناس العيوب ودرن الخطايا
[ ص: 241 ] ونتن 80 المعاصي وأقذار السيئات وهو يعلم أنه حين يدعى إلى عرس الدنيا أنه يأخذ من شعره وينقي من درنه ويغسل رأسه ولحيته ويقلم أظافيره ويغسل ثيابه ويتطيب ويتزين فإذا نظروا إليه مع هذه الهيئة أخذوا بيده وأدخلوه وأجلسوه على الصدر ورقوا به على معالي الوسائد وصاحب العرس عالم بما كان فيه من هيئة بالأمس فيعلم أن هذا إنما هيأ لعرسه فيكرمه غاية الكرامة
فهذا مثل عبد تائب قد أزال عن نفسه الفضول من كل شيء لم يطلق له الشرع وهي المعاصي وتأدب بأدب الإسلام وتزين بالزهادة والتقوى وتطيب بصدق الباطن من صحة النية وإخلاص العبودية وبذل النفس لله ومحاسن الأخلاق وكان وليا من أولياء الله تعالى على ربه وقد سبقت هذه المحامد مذموماته فغفر له مغفرة لا يبدي له شيئا من سالف
[ ص: 242 ] سيئاته وجاد عليه بفضله الذي سهل له سبيل الشفاعة في عدد كثير من خلقه
فالذي صار إلى ذلك العرس بتلك الهيئة القبيحة منع في الطريق عن أن يأتي الباب وجلس هنالك ليأخذ من شعره ونشره وكل فضول أتي به فإذا أزال من نفسه تلك الفضول أتي به بعده في المجلس والمائدة فالذي صار إلى العرضة مع هذه الهيئة السيئة منع عن دار السلام وبقي في مجلس الصراط حتى تأخذ النار من شعره ونشره أكلا أكلا وحرقا حرقا كلما احترق عاد كما يرى له حتى يأخذ الحق منه ما وجب له عليه ثم تدركه الرحمة من أرحم الراحمين فيتخلص فيكسى ويطيب فيذهب إلى دار السلام مثل الذي ينطق بأسماء الله ويدعوه بها ويتلو كتاب الله وليس له نور تلك الأشياء