مثل العامل الذي يعمل أعمال البر على طريق الثواب والعقاب مثل نهر اجتمع في موضع فيه من البردي والحطب وأصول الأباء ونحوها فخاض فيه إنسان ففي كل موضع وصلت
[ ص: 304 ] يده يقع في يده شيء من تلك الأشياء وبعضها على ظهره ورأسه وبطنه فيخرج من النهر متلوثا بها
فأهل الغفلة يجمعون حركات الجوارح بأعمال البر وليس لهم من ذلك إلا الظاهر في مقاصدهم ونياتهم إلا الثواب الذي وعد الله لعماله بذلك فعلى قدر طهارتهم وصدقهم يثابون من الجنة أجور عمالتهم وتعب أجسادهم وتلك الطاعة تنال من أنوار الإيمان وتلك نيات أنوار الإيمان الذي اعتقدوه فقط
فأما أهل الانتباه فيعملون الأعمال عبودة لله عارفين موقنين عالمين بالله فمثلهم كمثل من يغوص في البحر والأنهار فيضرب بيده في غوصه فبلغ في يده جوهرة لا يحيط بثمنها علم من نفاستها وصفائها فهم يدخلون في الطاعات بحركات الجوارح ولكن في قلوبهم من العجائب ما تعجب الملائكة إذا رفعت إلى الله تلك الحركات في حشوها من الأنوار ما يملأ الأفق الأعلى
وأهل الغفلة حشو حركاتهم في الطاعات أنوار نياتهم ومقاصدهم وتلك من نور الإيمان الذي اعتقدوه
وأهل الانتباه حشو حركاتهم في الطاعات لأن في حركات جوارحهم نور الحب ونور الحياء ونور الشوق والحنين
[ ص: 305 ] والتضرع والقلق والسرور والبهجة والشكر والذكر الصافي 90 والإقبال على الله والإنابة والخشية والخضوع والتسليم ورؤية المنة والتبري من الحول والقوة فهؤلاء غواصون يغوصون في كل حركة في بحور المعرفة في وقت مرورهم في استعمال الجوارح ومضيهم فيها بقلوبهم ويستخرجون من غوصهم الدر اليتيم والجوهر النفيس لأن القلب خزانة الله تعالى وفيها نوره فإذا طهر العبد ساحة الخزانة وهي الصدر ظهرت في تلك الساحة من باب الخزائن في وقت عمل يعمله عجائب لا توصف من هذه الجواهر والدرر وحركات الطاعات ذات صور فكل طاعة لها صورة ومثال وفي كل صورة يعملها ثواب فيرائي بها ربه ويتزين العبد بتلك الصورة لما فيها من الجواهر لمعبوده فهذا عبد يتزين بجواهره من كنوزه حتى إذا جاز هذه الخطة ووصل إلى فرديته فكان هذا عبدا تزين لله بالله وكان الله مستعمله في قبضته وهي دعوة أجل العباد
[ ص: 306 ] واحد من السبعة الذين لقيهم
يونس صلوات الله عليه وكان يدعو ويقول اللهم بك أتزين فاجعل اليقين شعاري والصبر دثاري فهذا عبد تزين بالله لله