مثل القلب والنفس
مثل القلب والنفس مثل أمير ولي بلدة وولي بندرتها آخر فالأمير يصلي بالناس وتتحول الناس بالمواعظ في الخطب ويقيم الحدود ويؤدب الرعية ويقيم أودهم بالتعليم مرة وبالتعزيز والحبس مرة ومرة بالجوائز والخلع والحملان والطعام
[ ص: 123 ] على موائده والبندار يجمع المال والخراج والعشور والصدقات وهو موكل بأرزاق الجند فالسلطان للأمير وبيت المال للبندار
فالقلب أمير وله سلطان المعرفة بمطالعة الملكوت ومقامه من الجلال والعظمة وملك الهيبة فهو الذي يقف في مقامه بين يدي الله تعالى في الملكوت ويقيم أود الجوارح ويؤدبهم ويسير بهم بسيرة الطاعة والنفس بندار يجمع الأموال كلها بباب الشكر وباب الصبر وتقوم بجميع الفرائض فتؤديها إلى الحق وتمنع عن أدناس الآثام تورعا وتقدسا وتتمسكن وتتخشع لربها فما دام الأمير محافظا على إمرته ضابطا لها مشرفا على أدب الرعية واقفا بين يدي الملك الأجل في مقامه يراقب أموره وما يخرج له من التوقيع له بالباب وصائنا لسلطانه وفي رعيته مهيبا فأمره مستو وولايته عزيزة وما دام البندار مشرفا على أمور ديوانه محصنا لأبواب الأموال مستقصيا في جمعه ضابطا له فأمره قوي وخزائنه محشوة بالأموال فمتى
[ ص: 124 ] دعاهما الملك فوجدهما على هذه الصفة أكرمهما وقربهما ورضي عنهما وحلا محل الخاصة في جواز الأمر ونفاذ القول فإذا ذهب البندار يختان ويحجز من الأموال لنفسه الذخائر وأشغل نفسه بالملاهي وملاذ النعم وترك الإشراف على أموره والاستقصاء في اقتضاء حق بيت المال حتى ضاع كثير من المال وما صار بيده من ذلك سرق بعضا فاحتجنه لنفسه ثم لم يقنعه هذا الذي فعل حتى قصد لخدع الأمير واستمالته إلى نفسه ليشاركه في أموره وليأمن ناحيته وطمع أن يجعله عونا لنفسه وتحت يده حتى لا يكون لأحد في هذه البلدة سلطان ولا أمر ولا نهي إلا له فصير الأمير تابعا له في لهوه ولعبه وفساده كبعض عبيده حتى قوي عليه قوة أخذ منه إمرته وولايته فمتى ما دعا بهما الملك وجدهما بهذه الصفة ما يقول لهذا الأمير كيف يعاقبه وماذا يقول للبندار وبأية عقوبة يعاقبه فإن عقوبة الأمير حيث انخدع للبندار أعظم فعقوبة الأمير أن يعزله ثم يقتضيه الأموال ويخاف ألا يوليه أبدا وعقوبة البندار أن يحبسه ثم يقتضيه الأموال ورفع الحساب محكما فالبندار مسجون بالأموال إذا جاء بها خلى عنه والأمير
[ ص: 125 ] معزول مطرود مهان مسلوب مشرف على ضرب العنق فكذلك النفس ضيعت الفرائض وتوثبت في المحارم وخانت الأمانة والوفاء بالعهد الذي رفع إليه يوم الميثاق فضيع البندكية وحل وثاق الجوارح الذي أوثق يوم الميثاق وأخلى بيت المال من الأموال وأجاع الجند وأظمأهم وأعراهم وسلكهم في البوادي بلا ماء حتى عطشوا شغل جوارحه عن الطاعات في ارتكاب المحرمات وشغل سمعه عن المواعظ باللغو والأباطيل وبصره عن الاعتبار بالملاهي واللذات والزينة ونسي المقابر والبلى ولها عن ذكر المعاد وسها عن المبدإ والمنتهى من أين وإلى أين ثم لم يقنعها ذلك حتى استمالت القلب فلم تزل تخادعه حتى أسرته وصيرته تابعا لها وتحت يدها مقهورا ذليلا تقود بخطامه حيث شاءت وذهب سلطان المعرفة ووقعت الغارة في كنوز القلب فإذا قدما على الله طولبت النفس بالفرائض والغرامات والجنايات وما ضيعت من الأمانات واشتملت عليه من الظلم للعبيد وسجنت وطولب القلب بالعهد
[ ص: 126 ] واللواء فإذا لم يوجد معه ضربت عنقه فصار مع الأعداء وخرج اسمه من الأولياء والعهد في باطن إيمانه واللواء على طرف لسانه وهي الكلمة العليا