فرح الله بتوبة العبد
ألا ترى إلى ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=944061 (لله أفرح بتوبة العبد من أحدكم ضلت راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه في فلاة من الأرض فضرب يمينا وشمالا في طلبها فلم يجدها فوطن نفسه على الموت وقال أذهب [ ص: 146 ] إلى ذلك المكان الذي ضلت فيه راحلتي فرجع إليها فوجدها قائمة هناك
ومن السرور بعباده يباهي بعمل الآدمي للملائكة ويفتخر به فيهم فيقول يا ملائكتي انظروا إلى عبدي فهو لفرحه بتوبة العبد وبأعماله يباهي به الملائكة
وما جاء أنه يباهي بأهل
عرفات ويقول عبادي جاءوني شعثا غبرا من كل فج عميق
فحق على من عقل هذا أن يطلب في الأمور بجهده مسراته فيطلب زينة الأمور فإن لكل شيء زينة وكسوة وقد يرى الأشياء العارف كيف يتضاعف حسنها إذا كسيت وزينت وطيبت والمحب لربه لا يرضى أن يعمل له على خبث النفس والكراهة والعسر والتثاقل والنكر والعبوس بل يتوخى في كل أمر التسارع والخفة والسبق والهشاشة والسماحة والانطلاق واليسر
[ ص: 147 ] فإن لم يجد هذا في وقت عظمت عليه المصيبة في ذلك الوقت وعده نقصا عظيما دخل عليه فينظر من أين جاء هذا فيحتال أن ينحيه وينفيه
ألا ترى إلى قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما حيث جاء المؤذن فقال الصلاة فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما إن لنا شواء في التنور فإن تنتظر لنا وإلا فاذهب فصل
فهذا عين ما قلنا كره
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وعظم عليه أن يجيب المؤذن إلى الصلاة ومعه شهوة الشواء فيدخل في الصلاة ومعه شهوة الشواء فتخبث عليه نفسه في حال القيام بين يدي الله تعالى ومناجاته والعرض عليه وتسليم النفس إليه والاعتذار إليه من التقصير والهفوات فعظم عنده أن تكون نفسه في ذلك الوقت تزاحمه في شهواتها التي قد أحست بنوالها وأشرفت عليها فكان الأمر عنده أن يسكنها بما استشرفت له من الأكل حتى يقوم بين يدي الله تعالى وليس هناك منازع ولا مدعى شغله عن أمره فهذه صدمة النفس
[ ص: 148 ] وكذلك روي لنا عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يتعشى في ربض قبل المغرب فإنما حمله على ذلك فيما نرى ما وصفنا لئلا يدخل الصلاة ونفسه تنازعه إلى العشاء
وكذلك الذي فعل
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما حيث اشترى رداء بألف درهم فكان يصلي فيه توخيا بذلك 65 أن يخف عليه الولاء كي لا تعجز النفس عن الحمل الثقيل على النفس
وكذلك
قيل nindex.php?page=showalam&ids=15للزبير رضي الله عنه ما بالكم يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أخف الناس صلاة قال إنا نبادر الوسواس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوجز الناس صلاة في تمام حدثنا بذلك
صالح بن محمد أخبرنا
أبو عوانة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا شأن أعمال المحبين لله تعالى في كل أمر مع الزينة والبهاء يطلب فيه محاب الله تعالى في كل وقت من ذلك الفعل لأنه في كل أمر له حقوق كثيرة فهو إنما يشفق على تلك الحقوق لئلا يستخف بها فيعمله على التعظيم له وعلى السماحة بنفسه
[ ص: 149 ] وعلى السعة وعلى توقي دخول الخلل وعلى الوفارة وتلكئ الإتمام ومع هذا كله قلبه إلى موافقته هل وافق مسرته وهل رضي بذلك ومع ذلك يعلم إن وافق ورضي به أنه مع التقصير جدا يستحي منه جدا وأنه عاجز أن يبلغ مدى ما هو أهله من ذلك ولا يلتفت إلى ثواب في ذلك أبدا وربما فتح عليه باب محبته لا أعني محبة العبد ولكن محبة الله تعالى فإذا فتح لك ذلك الباب كان في ذلك العمل كالسابح في البحر الذي قد تراءى له الساحل وقرت عينه فهو يسبح في نشاط وسرور بالساحل .وهو يضطرب في ذلك الماء الصافي
فهذا العبد إذا هاجت منه تلك المحبة التي فتح له بابها صار يتقد كالنار جوفه فصب عليه الرحمة صبا فهو يتقلب في برد الرحمة قد أصابه روحها ورطوبتها ولينها وهو يسبح فيها وقد شم رياحين الياسمين والبساتين التي على الساحل لأنه يسبح إليها فيتلقاها فيشمها