[ ص: 9 ] 3- وأما قوله:
(الحمد لله) فرفعه على الابتداء، وذلك أن كل اسم ابتدأته لم توقع عليه فعلا من بعده فهو مرفوع، وخبره إن كان هو هو فهو أيضا مرفوع، نحو قوله:
(محمد رسول الله) وما أشبه ذلك. وهذه الجملة تأتي على جميع ما في القرآن من المبتدأ فافهمها.
فإنما رفع المبتدأ ابتداؤك إياه، والابتداء هو الذي رفع الخبر في قول بعضهم. كما كانت "إن" تنصب الاسم وترفع الخبر، فكذلك رفع الابتداء الاسم والخبر. وقال بعضهم: "رفع المبتدأ خبره" وكل حسن، والأول أقيس.
وبعض العرب يقول: (الحمد لله) فينصب على المصدر؛ وذلك أن أصل الكلام عنده على قوله: "حمدا لله" يجعله بدلا من اللفظ بالفعل، كأنه جعله مكان " أحمد " ونصبه على "
أحمد " حتى كأنه قال: " أحمد حمدا" ثم أدخل "الألف واللام" على هذه.
وقد قال بعض العرب: (الحمد لله) فكسره، وذلك أنه جعله بمنزلة الأسماء التي ليست بمتمكنة.
وذلك أن الأسماء التي ليست بمتمكنة تحرك أواخرها حركة واحدة؛ لا تزول علتها نحو: "حيث"؛ جعلها بعض العرب مضمومة على كل حال، وبعضهم يقول: "حيث" و"حوث"؛ ضم وفتح.
[ ص: 10 ] ونحو "قبل" و "بعد"؛ جعلتا مضمومتين على كل حال. وقال الله تبارك وتعالى
(لله الأمر من قبل ومن بعد) فهما مضمومتان إلا أن تضيفهما، فإذا أضفتهما صرفتهما. قال:
(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل) و
(كالذين من قبلكم) و
(والذين جاءوا من بعدهم) وقال:
(من قبل أن نبرأها) وذلك أن قوله:
(أن نبرأها) اسم أضاف إليه (قبل) وقال:
(من بعد أن نزغ الشيطان) . وذلك أن قوله:
(أن نزغ) اسم هو بمنزلة "النزغ"، لأن "أن" الخفيفة وما عملت فيه بمنزلة اسم، فأضاف إليها" بعد". وهذا في القرآن كثير.
ومن الأسماء التي ليست بمتمكنة قال الله عز وجل:
(إن هؤلاء ضيفي) و
(أولاء تحبونهم) مكسورة على كل حال.
فشبهوا "الحمد"؛ وهو اسم متمكن في هذه اللغة بهذه الأسماء التي ليست بمتمكنة، كما قالوا: "يا زيد"، وفي كتاب الله:
(يا هامان ابن لي صرحا) هو في موضع النصب؛ لأن الدعاء كله في موضع نصب، ولكن شبه بالأسماء التي ليست بمتمكنة، فترك على لفظ واحد.
يقولون: "ذهب أمس بما فيه" و "لقيته أمس يا فتى"، فيكسرونه في كل
[ ص: 11 ] موضع في بعض اللغات. وقد قال بعضهم: "لقيته الأمس الأحدث" فجر أيضا وفيه ألف ولام، وذلك لا يكاد يعرف.
وسمعنا من العرب من يقول:
(أفرأيتم اللات والعزى) ، ويقول: "هي اللات قالت ذاك"، فجعلها تاء في السكوت، و "هي اللات فاعلم" جر في موضع الرفع والنصب. وقال بعضهم: "من الآن إلى غد" فنصب لأنه اسم غير متمكن. وأما قوله: "اللات فاعلم" فهذه مثل "أمس" وأجود، لأن "الألف واللام" التي في "اللات" لا تسقطان وإن كانتا زائدتين. وأما ما سمعنا في "اللات والعزى"، في السكت عليها؛ فـ "اللاه"؛ لأنها "هاء" فصارت "تاء" في الوصل؛ وهي في تلك اللغة؛ مثل "كان من الأمر كيت وكيت"، وكذلك: "هيهات" في لغة من كسر.
[ ص: 12 ] إلا أنه يجوز في "هيهات" أن تكون جماعة؛ فتكون "التاء" التي فيها "تاء" الجميع التي للتأنيث. ولا يجوز ذلك في "اللات"، لأن "اللات" و "كيت" لا يكون مثلهما جماعة، لأن "التاء" لا تزاد في الجماعة إلا مع "الألف" فإن جعلت "الألف" و"التاء" زائدتين بقي الاسم على حرف واحد.
وزعموا أن من العرب من يقطع "ألف" الوصل. أخبرني من أثق به أنه سمع من يقول: "يا إبني" فقطع، وقال
قيس بن الخطيم :.
(1) إذا جاوز الإثنين سر فإنه بنشر وتكثير الوشاة قمين
وقال جميل:
(2) ألا لا أرى إثنين أكرم شيمة على حدثان الدهر مني ومن جمل
وقال الراجز:
(3) يا نفس صبرا كل حي لاق وكل إثنين إلى افتراق
وهذا لا يكاد يعرف.