[ ص: 13 ] 4- وأما قوله:
مالك يوم الدين
فإنه جر؛ لأنه من صفة الله عز وجل. وقولك:
(لله) جر باللام كما انجر قولك:
(رب العالمين الرحمن الرحيم) لأنه من صفة قوله:
(لله) . فإن قيل: "وكيف يكون جرا وقد قال:
(إياك نعبد ) [5] .
فلأنه إذا قال: الحمد لمالك يوم الدين؛ فإنه ينبغي أن يقول: إياه نعبد.
فإنما هذا على الوحي. وذلك أن الله تبارك وتعالى خاطب النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: قل يا
محمد : الحمد لله، وقل: الحمد لمالك يوم الدين، وقل يا
محمد : إياك نعبد وإياك نستعين.
وقد قرأها قوم: " مالك "؛ نصب على الدعاء، وذلك جائز؛ يجوز فيه: النصب والجر؛ إلا أن "الملك" اسم، ليس بمشتق من فعل نحو قولك: "ملك" و"ملوك"، وأما "المالك" فهو الفاعل؛ كما تقول: "ملك فهو مالك "، مثل: "قهر فهو قاهر".
وأما فتح نون
(العالمين) فإنها نون جماعة، وكذلك كل نون جماعة على حد التثنية فهي مفتوحة؛ وهي النون الزائدة التي لا تغير الاسم عما كان عليه: نحو نون "مسلمين" و "صالحين"
[ ص: 14 ] و "مؤمنين" فهذه النون زائدة؛ لأنه يقول: " مسلم " و "صالح" فتذهب النون ، وكذلك "مؤمن" قد ذهبت النون الآخرة، وهي المفتوحة، وكذلك "بنون". ألا ترى إنما زدت على "مؤمن" واوا ونونا، أو ياء ونونا؛ وهو على حاله لم يتغير لفظه، كما لم يتغير في التثنية حين قلت "مؤمنان" و "مؤمنين". إلا أنك زدت ألفا ونونا، أو ياء ونونا للتثنية.
وإنما صارت هذه مفتوحة؛ ليفرق بينها وبين نون الاثنين. وذلك أن نون الاثنين مكسورة أبدا. قال:
(قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله) وقال:
(أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما) والنون مكسورة.
وجعلت الياء للنصب والجر نحو "العالمين" و "المتقين"، فنصبهما وجرهما سواء، كما جعلت نصب "الاثنين" وجرهما سواء. ولكن كسر ما قبل ياء الجميع، وفتح ما قبل ياء الاثنين ليفرق ما بين الاثنين والجميع. وجعل الرفع بالواو؛ ليكون علامة للرفع، وجعل رفع الاثنين بالألف.
وهذه النون تسقط في الإضافة كما تسقط نون الاثنين، نحو قولك: "بنوك" و"رأيت مسلميك".
فليست هذه النون كنون "الشياطين" و "الدهاقين" و "المساكين"؛ لأن "المساكين" و "الشياطين" و "الدهاقين" نونها من الأصل ألا ترى أنك تقول: "مسكين" و "مسيكين" و "دهقان" "دهيقين"، فلا تسقط النون.
فأما "الذين" فنونها مفتوحة، لأنك تقول: "الذي" فتسقط النون لأنها زائدة، ولا تقول في رفعها: "اللذون" لأن هذا اسم ليس بمتمكن مثل
[ ص: 15 ] "الذي". ألا ترى أن "الذي" على حال واحدة. إلا أن ناسا من العرب يقولون: "هم اللذون يقولون كذا وكذا". جعلوا له في الجمع علامة للرفع؛ لأن الجمع لا بد له من علامة واو في الرفع، وياء في النصب والجر وهي ساكنة، فأذهبت الياء الساكنة التي كانت في "الذي"؛ لأنه لا يجتمع ساكنان، كذهاب ياء "الذي" إذا أدخلت الياء التي للنصب، ولأنهما علامتان للإعراب. والياء في قول من قال: "هم الذين" مثل حرف مفتوح أو مكسور بني عليه الاسم وليس فيه إعراب؛ ولكن يدلك على أنه مثل المفتوح أو المكسور في الرفع والنصب والجر الياء التي للنصب والجر لأنها علامة للإعراب.
وقد قال ناس من العرب "الشياطون" لأنهم شبهوا هذه الياء التي كانت في "شياطين"؛ إذا كانت بعدها نون، وكانت في جمع وقبلها كسرة بياء الإعراب التي في الجمع. فلما صاروا إلى الرفع أدخلوا الواو. وهذا يشبه "هذا جحر ضب خرب".
وأما قوله:
(إياك نعبد) ولم يقل: "أنت نعبد"؛ لأن هذا موضع نصب. وإذا لم يقدر في موضع النصب على الكاف أو الهاء وما أشبه ذلك من الإضمار الذي يكون للنصب جعل "إياك" أو "إياه" أو نحو ذلك مما يكون في موضع نصب.
قال:
[ ص: 16 ] قال:
(وإنا أو إياكم لعلى هدى) لأن هذا موضع نصب، تقول: "إني أو زيدا منطلق". و قال:
(ضل من تدعون إلا إياه) . هذا في موضع نصب. كقولك: "ذهب القوم إلا زيدا". [و] إنما صارت
إياك نعبد في موضع نصب من أجل
(نعبد) وكذلك:
(إياك نستعين) أيضا. وإذا كان موضع رفع جعلت فيه "أنت" و "أنتما" و "أنتم"، و "هو" و "هي" وأشباه ذلك.