7- ثم قال:
(صراط الذين أنعمت عليهم)
نصب على البدل. و
(أنعمت) مقطوع "الألف" لأنك تقول: "ينعم" فالياء مضمومة فافهم.
وقوله:
(غير المغضوب عليهم) هؤلاء صفة
(الذين أنعمت عليهم)؛ لأن "الصراط" مضاف إليهم، فهم جر للإضافة وأجريت عليهم "غير" صفة أو بدلا. و "غير" و "مثل" قد تكونان من صفة المعرفة التي بالألف واللام، نحو قولك: "إني لأمر بالرجل غيرك"، و"بالرجل مثلك فما يشتمني". و "غير" و "مثل" إنما تكونان صفة للنكرة، ولكنهما قد احتيج إليهما في هذا الموضع فأجريتا صفة لما فيه "الألف واللام".
[ ص: 17 ] والبدل في "غير" أجود من الصفة؛ لأن "الذي" و "الذين" لا تفارقهما "الألف واللام"، وهما أشبه بالاسم المخصوص من "الرجل" وما أشبهه.
و"الصراط" فيه لغتان: "السين" و"الصاد"، إلا أنا نختار الصاد؛ لأن كتابها على ذلك في جميع القرآن.
وقد قالت العرب: "هم فيها الجماء الغفير"؛ فنصبوا، كأنهم لم يدخلوا "الألف واللام"، وإن كانوا قد أظهروهما كما أجروا "مثلك" و "غيرك" كمجرى ما فيه "الألف واللام" وإن لم يكونا في اللفظ. وإنما يكون هذا وصفا للمعرفة التي تجوز في معنى النكرة. ألا ترى أنك إذا قلت: "إني لأمر بالرجل مثلك" فإنما تريد: "برجل مثلك". لأنك لا تحد له رجلا بعينه، ولا يجوز إذا حددت له ذلك، إلا أن تجعله بدلا، ولا يكون على الصفة. ألا ترى أنه لا يجوز: مررت بزيد مثلك؛ إلا على البدل. ومثل ذلك: "إني لأمر بالرجل من أهل البصرة" أو قلت: "إني لأمر بزيد من أهل البصرة"؛ لم يجز إلا أن تجعله في موضع حال؛ فكذلك
(غير المغضوب عليهم) .
وقد قرأ قوم
(غير المغضوب عليهم) جعلوه على الاستثناء الخارج من أول الكلام. ولذلك تفسير سنذكره إن شاء الله.
وذلك أنه إذا استثنى شيئا ليس من أول الكلام في لغة أهل
الحجاز فإنه
[ ص: 18 ] ينصب؛ يقول: "ما فيها أحد إلا حمارا". وغيرهم يقول: "هذا بمنزلة ما هو من الأول؛ فيرفع. فذا يجر
(غير المغضوب) في لغته.
وإن شئت جعلت "غير" نصبا على الحال؛ لأنها نكرة والأول معرفة، وإنما جر لتشبيه "الذي" بـ "الرجل". وليس هو على الصفة بحسن، ولكن على البدل نحو:
(بالناصية ناصية كاذبة) .
ومن العرب من يقول: "هياك" بالهاء ويجعل "الألف" من "إياك" هاء فيقول: "هياك نعبد" كما تقول: "إيه" و "هيه" وكما تقول: "هرقت" و "أرقت".
وأهل الحجاز يؤنثون "الصراط" كما يؤنثون "الطريق" و "السبيل" و "الزقاق" و "السوق" و "الكلاء"، وبنو تميم يذكرون هذا كله، وبنو أسد يؤنثون "الهدى".