[ ص: 199 ] الفروق في الخبر -
التعريف بالذي
هذا فصل
في " الذي " خصوصا
الذي ومجيئه لوصف المعارف بالجمل وما تحتها من الأسرار
221- اعلم أن لك في " الذي " علما كثيرا وأسرارا جمة وخفايا إذا بحثت عنها وتصورتها اطلعت على فوائد تؤنس النفس وتثلج الصدر بما يفضي بك إليه من اليقين ويؤديه إليك من حسن التبيين . والوجه في ذلك أن تتأمل عبارات لهم فيه : لم وضع ولأي غرض اجتلب وأشياء وصفوه بها
فمن ذلك قولهم : إن " الذي " اجتلب ليكون وصلة إلى وصف المعارف بالجمل كما اجتلب " ذو " ليتوصل به إلى الوصف بأسماء الأجناس يعنون بذلك أنك تقول : " مررت بزيد الذي أبوه منطلق " و " بالرجل الذي كان عندنا أمس " . فتجدك قد توصلت بـ " الذي " إلى أن أبنت زيدا من غيره بالجملة التي هي قولك : " أبوه منطلق " . ولولا " الذي " لم تصل إلى ذلك كما أنك تقول : مررت برجل ذي مال : فتتوصل بـ " ذي " إلى أن تبين الرجل من غيره بالمال . ولولا " ذو " لم يتأت لك ذلك إذ لا تستطيع أن تقول : " برجل مال " .
222- فهذه جملة مفهومة إلا أن تحتها خبايا تحتاج إلى الكشف عنها . فمن ذلك أن تعلم من أين امتنع أن توصف المعرفة بالجملة، ولم لم يكن حالها في ذلك حال النكرة التي تصفها بها في قولك : " مررت برجل أبوه منطلق " و " رأيت إنسانا تقاد الجنائب بين يديه " .
[ ص: 200 ]
وقالوا : إن السبب في امتناع ذلك أن الجمل نكرات كلها، بدلالة أنها تستفاد وإنما يستفاد المجهول دون المعلوم . قالوا : فلما كانت كذلك كانت وفق النكرة . فجاز وصفها بها ولم يجز أن توصف بها المعرفة إذ لم تكن وفقا لها .
الذي توصل بجملة سبق من السامع العلم بها
223- والقول البين في ذلك أن يقال : إنه إنما اجتلب حتى إذا كان قد عرف رجل بقصة وأمر جرى له فتخصص بتلك القصة وبذلك الأمر عند السامع . ثم أريد القصد إليه ذكر " الذي " .
تفسير هذا أنك لا تصل " الذي " إلا بجملة من الكلام قد سبق من السامع علم بها وأمر قد عرفه له نحو أن ترى عنده رجلا ينشده شعرا فتقول له من غد : ما فعل الرجل الذي كان عندك بالأمس ينشدك الشعر هذا حكم الجملة بعد " الذي " إذا أنت وصفت به شيئا . فكان معنى قولهم : إنه اجتلب ليتوصل به إلى وصف المعارف، بالجمل أنه جيء به ليفصل بين أن يراد ذكر الشيء بجملة قد عرفها السامع له وبين أن لا يكون الأمر كذلك .
الذي تأتي بعدها أيضا جملة غير معلومة للسامع
224- فإن قلت : قد يؤتى بعد " الذي " بالجملة غير المعلومة للسامع وذلك حيث يكون " الذي " خبرا كقولك : هذا الذي كان عندك بالأمس وهذا الذي قدم رسولا من الحضرة . أنت في هذا وشبهه تعلم المخاطب أمرا لم يسبق له به علم وتفيده في المشار إليه شيئا لم يكن عنده . ولو لم يكن كذلك لم يكن " الذي " خبرا، إذ كان لا يكون الشيء خبرا حتى يفاد به .
[ ص: 201 ] فالقول في ذلك : إن الجملة في هذا النحو وإن كان المخاطب لا يعلمها لعين من أشرت إليه فإنه لا بد من أن يكون قد علمها على الجملة وحدث بها . فإنك على كل حال لا تقول : هذا الذي قدم رسولا : لمن لم يعلم أن رسولا قدم ولم يبلغه ذلك في جملة ولا تفصيل . وكذا لا تقول : " هذا الذي كان عندك أمس " لمن قد نسي أنه كان عنده إنسان وذهب عن وهمه وإنما تقوله لمن ذاك على ذكر منه . إلا أنه رأى رجلا يقبل من بعيد فلا يعلم أنه ذاك ويظنه إنسانا غيره .
225- وعلى الجملة فكل عاقل يعلم بون ما بين الخبر بالجملة مع " الذي " وبينها مع غير " الذي " . فليس من أحد به طرق إلا وهو لا يشك أن ليس المعنى في قولك : " هذا الذي قدم رسولا " كالمعنى إذا قلت : هذا قدم رسولا من الحضرة ولا : " الذي يسكن في محلة كذا " كقولك : " هذا يسكن محلة كذا " . وليس ذاك إلا أنك في قولك : " هذا قدم رسولا من الحضرة " مبتدئ خبرا بأمر لم يبلغ السامع ولم يبلغه ولم يعلمه أصلا . وفي قولك : " هذا الذي قدم رسولا " معلم في أمر قد بلغه أن هذا صاحبه، فلم يخل إذن من الذي بدأنا به في أمر الجملة مع " الذي " من أنه ينبغي أن تكون جملة قد سبق من السامع علم بها . فاعرفه، فإنه من المسائل التي من جهلها جهل كثيرا من المعاني، ودخل عليه الغلط في كثير من الأمور . والله الموفق للصواب .