[ ص: 350 ] فصل
في نكتة تتصل بالكلام الذي تضعه بـ " ما " و " إلا "
بيان آخر في " ما " و " إلا "
416- اعلم أن الذي ذكرناه من أنك تقول : “ ما ضرب إلا عمرو زيدا " . فتوقع الفاعل والمفعول جميعا بعد " إلا " ليس بأكثر الكلام " وإنما الأكثر أن تقدم المفعول على " إلا " نحو : " ما ضرب زيدا إلا عمرو " . حتى أنهم ذهبوا فيه أعني في قولك : " ما ضرب إلا عمرو زيدا " إلى أنه على كلامين، وأن " زيدا " منصوب بفعل مضمر، حتى كأن المتكلم بذلك أبهم في أول أمره فقال : " ما ضرب إلا عمرو " . ثم قيل له : " من ضرب؟ " فقال : " ضرب زيدا " .
417- وهاهنا - إذا تأملت - معنى لطيف يوجب ذلك وهو أنك إذا قلت : “ " ما ضرب زيدا إلا عمرو " كان غرضك أن تختص " عمرا " بضرب " زيد " لا بالضرب على الإطلاق . وإذا كان كذلك وجب أن تعدي الفعل إلى المفعول من قبل أن تذكر " عمرا " الذي هو الفاعل، لأن السامع لا يعقل عنك أنك اختصصته بالفعل معدى حتى تكون قد بدأت فعديته ، أعني : لا يفهم عنك أنك أردت أن تختص " عمرا " بضرب " زيد " حتى تذكره له معدى إلى " زيد " . فأما إذا ذكرته غير معدى فقلت : " ما ضرب إلا عمرو " . فإن الذي يقع في نفسه أنك أردت أن تزعم أنه لم يكن من أحد غير " عمرو " ضرب وأنه ليس هاهنا مضروب إلا وضاربه عمرو ، فاعرفه أصلا في شأن التقديم والتأخير .