[ ص: 260 ] فصل
فيما يتعلق به الإعجاز
إن قال قائل : بينوا لنا ما الذي وقع التحدي إليه ؟ أهو الحروف المنظومة ؟ أو الكلام القائم بالذات ؟ أو غير ذلك ؟
قيل : الذي تحداهم به : أن يأتوا بمثل الحروف التي هي نظم القرآن ، منظومة كنظمها ، متتابعة كتتابعها ، مطردة كاطرادها ؛ ولم يتحدهم إلى أن يأتوا بمثل الكلام القديم الذي لا مثل له .
وإن كان كذلك فالتحدي واقع إلى أن يأتوا بمثل الحروف المنظومة ، التي هي عبارة عن كلام الله تعالى في نظمها وتأليفها ، وهي حكاية لكلامه ، ودلالات عليه ، وأمارات له ، على أن يكونوا مستأنفين لذلك ، لا حاكين بما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ولا يجب أن يقدر مقدر أو يظن ظان أنا حين قلنا : إن القرآن معجز ، وإنه تحداهم إلى أن يأتوا بمثله - أردنا غير ما فسرناه ، من العبارات عن الكلام القديم القائم بالذات .
وقد بينا قبل هذا أنه لم يكن ذلك معجزا ، لكونه عبارة عن الكلام القديم ، لأن التوراة والإنجيل عبارة عن الكلام القديم . وليس ذلك بمعجز في النظم والتأليف . وكذلك ما دون الآية - كاللفظة - عبارة عن كلامه ، وليست بمنفردها بمعجزة .
وقد جوز بعض أصحابنا : أن يتحداهم إلى مثل كلامه القديم القائم بنفسه !
والذي عول عليه مشايخنا ما قدمنا ذكره ، وعلى ذلك أكثر مذاهب الناس .
[ ص: 261 ] ولم نحب أن نفسر ونذكر موجب هذا المذهب الذي حكيناه وما يتصل به ؛ لأنه خارج عن غرض كتابنا ، لأن
الإعجاز واقع في نظم الحروف التي هي دلالات وعبارات عن كلامه . وإلى مثل هذا النظم وقع التحدي ، فبينا وجه ذلك ، وكيفية ما نتصور القول فيه ، وأزلنا توهم من يتوهم أن القديم حروف منظومة ، أو حروف غير منظومة ، أو شيء مؤلف ، أو غير ذلك ، مما يصح أن يتوهم على ما سبق من إطلاق القول فيما مضى .