[ ص: 42 ] باب
ذكر
نقط الحركات المشبعات ، ومواضعهن من الحروف
اعلم أن الحركات ثلاث : فتحة ، وكسرة ، وضمة . فموضع الفتحة من الحرف أعلاه ؛ لأن الفتح مستعل . وموضع الكسرة منه أسفله ؛ لأن الكسر مستفل . وموضع الضمة منه وسطه أو أمامه ؛ لأن الفتحة لما حصلت في أعلاه ، والكسرة في أسفله ؛ لأجل استعلاء الفتح وتسفل الكسر ؛ بقي وسطه ، فصار موضعا للضمة . فإذا نقط قوله :
الحمد لله ؛ جعلت الفتحة نقطة بالحمراء فوق الحاء ، وجعلت الضمة نقطة بالحمراء في الدال ، أو أمامها إن شاء الناقط . وجعلت الكسرة نقطة بالحمراء تحت اللام والهاء . وكذلك يفعل بسائر الحروف المتحركة بالحركات الثلاث ، سواء كن إعرابا أو بناء ، أو كن عوارض .
وإنما جعلنا الحركات المشبعات نقطا مدورة على هيئة واحدة وصورة متفقة ، ولم نجعل الفتحة ألفا مضجعة ، والكسرة ياء مردودة ، والضمة واوا صغرى ، على ما ذهب إليه سلف أهل العربية ، إذ كن مأخوذات من هذه الحروف الثلاثة دلالة على ذلك ؛ اقتداء منا بفعل من ابتدأ النقط من علماء السلف ، بحضرة الصحابة - رضي الله عنهم - ، واتباعا له ، واستمساكا بسنته . إذ مخالفته - مع سابقته وتقدمه - لا تسوغ ، وترك اقتفاء أثره في ذلك ،
[ ص: 43 ] مع محله من الدين وموضعه من العلم ، لا يسع أحدا أتى بعده .
حدثنا
محمد بن علي ، قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=12590أبو بكر بن الأنباري ، قال : نا أبي ، قال : نا
أبو عكرمة قال : قال
العتبي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11822أبو الأسود للذي أمسك المصحف : إذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتهما فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتهما فاجعل النقطة في أسفله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : فاتباع هذا أولى ، والعمل به في نقط المصاحف أحق ؛ لأن الذي رآه
nindex.php?page=showalam&ids=11822أبو الأسود ومن بحضرته من الفصحاء والعلماء حين اتفقوا على نقطها - أوجه لا شك من الذي رآه من جاء بعدهم ؛ لتقدمهم ، ونفاذ بصيرتهم ، فوجب المصير إلى قولهم ، ولزم العمل بفعلهم دون ما خالفه وخرج عنه .
على أن اصطلاحهم على جعل الحركات نقطا كنقط الإعجام ، قد يتحقق من حيث كان معنى الإعراب التفريق بالحركات . والإعجام من قولهم : أعجمت الشيء ؛ إذا بينته . وكان الإعجام أيضا يفرق بين الحروف المشتبهة في الرسم ، وكان النقط يفرق بين الحركات المختلفة في اللفظ . فلما اشتركا في المعنى ؛ أشرك بينهما في الصورة . وجعل الإعجام بالسواد ، والإعراب بغيره ؛ فرقا بين إعجام الحروف وبين تحريكها . واقتصر في الإعجام أولا على النقط ، من حيث أريد الإيجاز والتقليل ؛ لأن النقط أقل ما يبين به ، وهذا لطيف جدا . وبالله التوفيق .