[ ص: 174 ] باب
ذكر
نقط ما زيدت الألف في رسمه
اعلم أن كتاب المصاحف زادوا الألف في الرسم بإجماع منهم في أصل مطرد ، وخمسة أحرف مفترقة . فأما الأصل المطرد فهو ما جاء من لفظ
مائة ، و
مائتين . وأما الخمسة الأحرف فأولها في ( التوبة ) : " ولأاوضعوا خلالكم " . وكذا في ( النمل ) : " أو لأاذبحنه " وفي ( يوسف ) : " ولا تايئسوا من روح الله إنه لا يايئس من روح الله " . وفي ( الرعد ) : " أفلم يايئس الذين ءامنوا " .
وحكى
محمد بن عيسى الأصبهاني أن في المصاحف كلها : " ولا تقولن لشايء " في ( الكهف ) بألف بين الشين والياء . قال : وكذلك ذلك في مصاحف
عبد الله في كل القرآن .
وفي مصاحف أهل بلدنا القديمة المتبع في رسمها مصاحف أهل
المدينة : " وجايء بالنبيين " في ( الزمر ) ، و " جايء يومئذ بجهنم " في
[ ص: 175 ] ( والفجر ) بألف زائدة بين الجيم والياء . وفيها أيضا في ( آل عمران ) : " لإالى الله تحشرون " وفي ( والصافات ) : " لإالى الجحيم " بزيادة ألف . ولم أجد أنا ذلك كذلك مرسوما في شيء من مصاحف أهل
العراق القديمة .
* * *
فأما زيادتهم الألف في
مائة فلأحد أمرين : إما للفرق بين
مائة وبين
منه ، من حيث اشتبهت صورتهما . ثم ألحقت التثنية بالواحد فزيدت فيها الألف ، لتأتيا معا على طريقة واحدة من الزيادة . وهو قول عامة النحويين . قال القتبي : زادوا الألف في
مائة ليفصلوا بها بينها وبين
منه ، ألا ترى أنك تقول : " أخذت مائة " ، و " أخذت منه " . فلو لم تكن الألف لالتبس على القارئ . وإما تقوية للهمزة من حيث كانت حرفا خفيا بعيد المخرج ، فقووها بالألف ؛ لتتحقق بذلك نبرتها . وخصت الألف بذلك معها من حيث كانت من مخرجها ، وكانت الهمزة قد تصور بصورتها . وهذا القول عندي أوجه ؛ لأنهم قد زادوا الألف بيانا للهمزة وتقوية لها في كلم لا تشتبه صورهن بصور غيرهن ، فزال بذلك معنى الفرق ، وثبت معنى التقوية والبيان ؛ لأنه مطرد في كل موضع .
فإذا نقط هذا الضرب جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها من فوقها نقطة بالحمراء ، في الياء نفسها . وجعل على الألف دارة صغرى ؛ علامة لزيادتها في الخط وسقوطها من اللفظ ، سواء جعلت فرقا بين مشتبهين في الصورة أو تقوية وبيانا . وصورة نقط ذلك كما ترى :
مائة ،
مائتين .
[ ص: 176 ] وقد غلط بعض أئمتنا في نقط هذا الضرب غلطا فاحشا ، فزعم أن الهمزة تقع فيه على الألف دون الياء ، إذ الألف صورتها من حيث كانت متحركة بالفتح ، والياء هي المزيدة . وهذا ما لم يتقدمه إلى القول به أحد من الناس ممن علم وممن جهل .
هذا مع علم هذا الرجل بأن الألف في ذلك زيدت للفرق ، فكيف تكون مع ذلك صورة للهمزة ، وبأن الهمز إنما ترسم صوره على حسب ما تؤول في التسهيل ؛ دلالة على ذلك . والهمزة في ذلك إذا سهلت أبدلت ياء مفتوحة ؛ لانكسار ما قبلها ؛ فالياء صورتها ، لا شك . ولا تجعل بين الهمزة والألف رأسا ؛ لأن الألف لا يكون ما قبلها مكسورا . فكذلك لا يكون ما قرب بالتسهيل منها . وهذا قول جميع النحويين . والله يغفر له .
* * *
وأما زيادتهم الألف في " ولأاوضعوا " ، و " أو لأاذبحنه " فلمعان أربعة . هذا إذا كانت الزائدة فيهما المنفصلة عن اللام ، وكانت الهمزة المتصلة باللام . وهو قول أصحاب المصاحف .
فأحدها أن تكون صورة لفتحة الهمزة ، من حيث كانت الفتحة مأخوذة منها . فلذلك جعلت صورة لها ، ليدل على أنها مأخوذة من تلك الصورة ، وأن الإعراب قد يكون بهما معا .
والثاني أن تكون الحركة نفسها ، لا صورة لها . وذلك أن العرب لم تكن أصحاب شكل ونقط ، فكانت تصور الحركات حروفا ؛ لأن الإعراب قد يكون بها كما يكون بهن . فتصور الفتحة ألفا ، والكسرة ياء ، والضمة واوا .
[ ص: 177 ] فتدل هذه الأحرف الثلاثة على ما تدل عليه الحركات الثلاث ، من الفتح والكسر والضم .
ومما يدل على أنهم لم يكونوا أصحاب شكل ونقط ، وأنهم كانوا يفرقون بين المشتبهين في الصورة بزيادة الحروف ، إلحاقهم الواو في "عمرو" فرقا بينه وبين "عمر" . وإلحاقهم إياها في "أولئك" فرقا بينه وبين "إليك". وفي "أولي" فرقا بينه وبين
إلى . وإلحاقهم الياء في قوله : " والسماء بنيناها بأييد " فرقا بين "الأيد" الذي معناه القوة ، وبين "الأيدي" التي هي جمع "يد". وإلحاقهم الألف في "مائة" فرقا بينه وبين "منه" و "منة" و "مية" ، من حيث اشتبهت صورة ذلك كله في الكتابة .
وحكى غير واحد من علماء العربية ، منهم
أبو إسحاق إبراهيم بن السري وغيره : أن ذلك كان قبل الكتاب العربي ، ثم ترك استعمال ذلك بعد ، وبقيت منه أشياء لم تغير عما كانت عليه في الرسم قديما ، وتركت على حالها . فما في مرسوم المصحف من نحو " ولأاوضعوا " هو منها .
والثالث أن تكون دليلا على إشباع فتحة الهمزة وتمطيطها في اللفظ ، لخفاء الهمزة وبعد مخرجها ، وفرقا بين ما يحقق من الحركات وبين ما يختلس منهن . وليس ذلك الإشباع والتمطيط بالمؤكد للحروف ، إذ ليس من مذهب أحد من أئمة القراءة ، وإنما هو إتمام الصوت بالحركة لا غير .
والرابع أن تكون تقوية للهمزة وبيانا لها ، ليتأدى بذلك معنى خفائها . والحرف الذي تقوى به قد يتقدمها ، وقد يتأخر بعدها .
[ ص: 178 ] وإذا كانت الزائدة من إحدى الألفين المتصلة في الرسم باللام ، وكانت الهمزة المنفصلة عنها ، وهو قول الفراء وأحمد بن يحيى وغيرهما من النحاة ، فزيادتها لمعنيين :
أحدهما الدلالة على إشباع فتحة اللام وتمطيط اللفظ بها .
والثاني تقوية للهمزة وتأكيدا لبيانها بها . وإنما قويت بزيادة الحرف في الكتابة ، من حيث قويت بزيادة المد في التلاوة ، لخفائها وبعد مخرجها . وخصت الألف بتقويتها وتأكيد بيانها ، دون الياء والواو ، من حيث كانت الألف أغلب على صورتها منهما ، بدليل تصويرها ، بأي حركة تحركت من فتح أو كسر أو ضم ، بها دونهما ، إذا كانت مبتدأة . هذا مع كونها من مخرجها . فوجب تخصيصها بذلك دون أختيها .
فإذا نقط ذلك على المذهب الذي تكون فيه الهمزة المختلطة باللام ، وتكون الألف الزائدة المنفصلة عنها جعلت الهمزة نقطة بالصفراء في الطرف الأول من طرفي اللام ألف ؛ لأنه الألف التي هي صورة الهمزة . وجعلت حركتها نقطة بالحمراء في رأس الألف الزائدة المنفصلة ، إذا جعلت صورة لها .
وإذا جعلت الحركة نفسها لم تجعل النقطة عليها ، ولا على الهمزة . وأعريتا معا منها ، لأن الحرف لا يحرك بحركتين إحداهما نقط والثانية خط .
وإذا جعلت بيانا للهمزة أو علامة لإشباع فتحتها ، جعلت النقطة الحمراء
[ ص: 179 ] التي هي الحركة على الهمزة نفسها ، وجعل على الألف دارة صغرى ، علامة لزيادتها في الخط وسقوطها من اللفظ ، من حيث رسمت لمعنى يتأدى بصورتها فقط .
وصورة نقط ذلك على الأول كما ترى : " ولأاوضعوا " ، " أو لأاذبحنه " . وعلى الثاني : " ولأاوضعوا " ، " أو لأاذبحنه " . وعلى الثالث والرابع : " ولأاوضعوا " ، " أو لأاذبحنه " .
وإذا نقط ذلك على المذهب الذي تكون فيه الهمزة المنفصلة عن اللام ، وتكون الألف الزائدة المختلطة بها ؛ جعلت الهمزة نقطة بالصفراء ، وحركتها عليها نقطة بالحمراء ، على الألف المنفصلة . وجعل على الألف المختلطة باللام دارة صغرى ؛ علامة لزيادتها . سواء جعلت تقوية للهمزة ، أو علامة لإشباع حركتها . وصورة نقط ذلك كما ترى : " ولأاوضعوا " ، " أو لأاذبحنه " ،
[ ص: 180 ]