[ ص: 193 ] باب
ذكر
الدارة التي تجعل على الحروف الزوائد والحروف المخففة ، وأصلها ومعناها
اعلم أن نقاط سلف أهل
المدينة وأهل بلدنا اصطلحوا على جعل دارة صغرى بالحمراء على الحروف الزوائد في الخط ، المعدومة في اللفظ ، وعلى الحروف المخففة باتفاق أو اختلاف ؛ علامة لذلك ، ودلالة على حقيقة النطق به .
فالحروف الزوائد نحو الألف في قوله :
مائة ، و
مائتين ، و " لا تايئسوا " ، و " إنه لا يايئس " ، و " أفلم يايئس " . وكذلك " تفتؤا " ، و " يعبؤا " ، و " يبدؤا " . وكذلك " لن ندعوا " ، و " ليبلوا " . وكذلك :
أنا ومن اتبعني ، و
أنا ورسلي ، و
أنا ربك وشبهه . ونحو الياء في قوله : " من نبإي المرسلين " ،
[ ص: 194 ] و " أفإين مت " ، و " أفإين مات " ، و " ملإيه " ، و " ملإيهم " وشبهه ، على مذهب من جعل الألف قبلها هي الهمزة . ونحو الواو في قوله :
أولئك ، و
أولي ، و " أولوا " ، و "
أولات ، وشبهه .
والحروف المخففة باتفاق نحو قوله :
العادون ، و
من العالين ، و " صدق المرسلون " ، و " قطعنا دابر " ، و
ترى الذين كذبوا ، و " ربت " ، و
مكروا ، و " مكرنا " ، و " من ثلثي اليل " ، و
يا صاحبي السجن ، و " تعيها " ، و " حملناه " ، و " حملت الأرض " وشبهه .
والمخففة باختلاف نحو :
وخرقوا له ، و
أمن هو قانت ،
[ ص: 195 ] و
ما كذب الفؤاد ، و
فقدرنا ، و
عرف بعضه ، و
فقدر عليه ، و " وجمع مالا " ، وشبهه .
وقد كان بعض شيوخنا من أهل النقط لا يجعلون الدارة إلا على الحروف الزوائد لا غير ؛ لعدمها في النطق ، ولا يجعلونها على الحروف المخففة ، من حيث كان عدمها من علامة التشديد دليلا على تخفيفها . فلم تحتج لذلك إلى علامة أخرى . وهو مذهب حسن .
غير أني بقول أهل
المدينة أقول ، وبما جرى عليه استعمالهم أنقط . كما حدثنا
أحمد بن عمر قال : نا
محمد بن أحمد ، قال : نا
عبد الله بن عيسى ، قال : نا
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون قال : في مصاحف أهل
المدينة ، ما كان من حرف مخفف فعليه دارة حمرة .
* * *
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : وهذه الدارة التي تجعل على الحروف الزوائد ، وعلى الحروف المخففة هي الصفر اللطيف الذي يجعله أهل الحساب على العدد المعدوم في حساب
[ ص: 196 ] الغبار ؛ دلالة على عدمه ، لعدم الحرف الزائد في النطق ، وعدم التشديد في الحرف المخفف سواء . فمن الصفر أخذت الدارة ، وهو أصلها .
وليس شيء من الرسم ، ولا من النقط اصطلح عليه السلف - رضوان الله عليهم - إلا وقد حاولوا به وجها من الصحة والصواب ، وقصدوا فيه طريقا من اللغة والقياس ، لموضعهم من العلم ، ومكانهم من الفصاحة . علم ذلك من علمه ، وجهله من جهله . والفضل بيد الله ، يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .