77 - باب
مخارج الحروف وصفاتها التي يحتاج القارئ إليها 1 - وهاك موازين الحروف وما حكى جهابذة النقاد فيها محصلا
(هاك) اسم فعل أمر بمعنى خذ، و(موازين) جمع ميزان، والمراد بالموازين: مخارج الحروف، وأطلق عليها موازين باعتبار أنها تميز الحروف بعضها عن بعض، ويعرف بها مقدار كل حرف من حيث الكمال والزيادة والنقص، كما تفعل الموازين في الأشياء المحسوسة، و(جهابذة) جمع جهبذ بكسر الجيم والباء وسكون الهاء، وهو المتقن الحاذق. و(النقاد) جمع ناقد، وهو العارف الذي يميز بين الجيد والرديء.
والمعنى: خذ مخارج حروف الهجاء التي بها يتميز كل حرف عن الآخر، وخذ القول الذي نقله فيها الشيوخ الحذاق المتضلعون في هذا العلم حال كون هذا القول محصلا مجموعا في كتبهم.
2 - ولا ريبة في عينهن ولا ربا وعند صليل الزيف يصدق الابتلا
(الريبة) الشك، و(الربا) الزيادة، و(الصليل) الصوت، و(زيف الدراهم) رداءتها، و(الابتلاء) الاختبار.
والمعنى: لا شك في أن كل حرف من هذه الحروف متعين بمخرجه وصفته تعينا يميزه عن غيره، فلا يمكن في هذه الحروف الزيادة فيها ولا النقص عنها، وقوله: (وعند صليل الزيف يصدق الابتلاء) معناه: وعند الناطق بالحرف ينكشف للماهر الحاذق بمعرفة المخارج والصفات أن النطق بالحرف نطق مستقيم أو فيه عوج وخلل، كما أن الدرهم تتبين جودته أو رداءته باختباره بصليله وصوته.
3 - ولا بد في تعيينهن من الأولى عنوا بالمعاني عاملين وقولا
[ ص: 388 ] (الألى) اسم موصول بمعنى الذين. و(عنوا) بها: اهتموا بها، و(قولا) جمع قائل.
والمعنى: لا بد في تعيين مخارج الحروف وصفاتها على النحو المأخوذ من الأئمة المتقدمين المعنيين ببيان معاني هذه المخارج والصفات المهتمين بهذا العلم تعلما وتعليما.
4 - فأبدأ منها بالمخارج مردفا لهن بمشهور الصفات مفصلا
(المخارج) جمع مخرج، وهو مكان خروج الحرف وتمييزه عن غيره، و(الإرداف) إتباع شيء لشيء آخر، و(التفصيل) التبيين.
والمعنى: أبتدئ من جملة المذكورات بمخارج الحروف، وأتبعها بالصفات المشهورة حال كوني مبينا كل ذلك.
5 - ثلاث بأقصى الحلق واثنان وسطه وحرفان منها أول الحلق جملا
ذكر الناظم مخارج الحروف كلها من غير تعيين الحروف معها، وبعد ذكر المخارج عد الحروف مرتبة ترتيب المخارج اختصارا، وفي الحلق ثلاثة مخارج: (أقصاه) ويخرج منه ثلاثة أحرف: الهمزة والهاء والألف، و(وسطه) ويخرج منه حرفان: العين والحاء، و(أوله) أي أدناه مما يلي الفم ويخرج منه: الغين والخاء. وجملة (جملا) صفة (لحرفان) فالألف فيه للتثنية.
6 - وحرف له أقصى اللسان وفوقه من الحنك احفظه وحرف بأسفلا
يخرج حرف القاف من أقصى اللسان مع ما فوقه من الحنك الأعلى، ويخرج حرف الكاف من أقصى اللسان أيضا، ولكن مخرجه أسفل من مخرج القاف مع ما يليه من الحنك الأعلى.
7 - ووسطهما منه ثلاث وحافة ال لسان فأقصاها لحرف تطولا
8 - إلى ما يلي الأضراس وهو لديهما يعز وباليمنى يكون مقللا
9 - وحرف بأدناها إلى منتهاه قد يلي الحنك الأعلى ودونه ذو ولا
يخرج من وسط اللسان مع ما يحاذيه من وسط الحنك الأعلى ثلاثة أحرف: الجيم
[ ص: 389 ] والشين والياء، وأقصى حافة اللسان أي أولها يخرج منه الحرف الذي تطول إلى الموضع الذي يلي الأضراس يعني من أقصاها إلى ما يلي الأضراس اليسرى وهو الكثير الغالب، أو اليمنى وهو قليل، أو اليسرى واليمنى معا، وهو صعب نادر، وهذا الحرف هو الضاد المعجمة، ويخرج من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه بين أدنى الحافة وما يليه من الحنك الأعلى حرف اللام.
وقوله: (ودونه ذو ولا) معناه: دون هذا الحرف وهو اللام حرف (ذو ولا) أي متابعة له يعني النون، فمخرجها من طرف اللسان وما يحاذيه من لثة الثنايا العليا، وهو أسفل من مخرج اللام قليلا، وهذا معنى قوله: (ودونه)، والنون يشمل التنوين.
10 - وحرف يدانيه إلى الظهر مدخل وكم حاذق مع سيبويه به اجتلى
11 - ومن طرف هن الثلاث لقطرب ويحيى مع الجرمي معناه قولا
يعني: ومخرج حرف آخر يقارب مخرج النون وهو الراء، يخرج من ظهر اللسان مع ما يحاذيه من لثة الثنايا العليا أسفل من مخرج النون مائلا إلى مخرج اللام قليلا، وهذا مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ومن تبعه من الحذاق، فظهر اللسان غير طرفه، والحافة غيرهما، والضمير في (به) يعود على الظهر، أي أن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وجماعة من الحذاق يجعلون الراء من ظهر اللسان، وأنهم اجتلوه وكشفوه، وقوله: (ومن طرف هن الثلاث) إلخ، معناه: أن هذه الأحرف الثلاثة اللام والنون والراء مخرجها واحد، وهو طرف اللسان، وهذا مذهب
قطرب ويحيى والجرمي، وعلى هذا تكون مخارج الحروف عند هؤلاء أربعة عشر مخرجا،
وقطرب: هو أبو علي محمد بن المستنير البصري أخذ النحو واللغة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه وغيره،
nindex.php?page=showalam&ids=14888ويحيى: هو أبو زكرياء الفراء إمام نحاة
الكوفة بعد
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي، nindex.php?page=showalam&ids=13996والجرمي بفتح الجيم هو أبو عمرو صالح بن إسحاق أحد نحاة
البصرة أخذ عن
nindex.php?page=showalam&ids=13675الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=13721والأصمعي وغيرهما. و(قولا) معناه نسب إليهما
يحيى والجرمي قول بمعنى قول
قطرب، فالألف في (قولا) للتثنية تعود على
يحيى والجرمي. 12 - ومنه ومن عليا الثنايا ثلاثة ومنه ومن أطرافها مثلها انجلى
[ ص: 390 ] 13 - ومنه ومن بين الثنايا ثلاثة وحرف من اطراف الثنايا هي العلا
14 - ومن باطن السفلى من الشفتين قل وللشفتين اجعل ثلاثا لتعدلا
(الثنايا) هي الأسنان الأربع التي في مقدمة الفم اثنان فوق واثنان تحت، (انجلى) انكشف.
المعنى: ومنه أي من طرف اللسان ومن أصول الثنايا العليا تخرج الأحرف الثلاثة الطاء والدال المهملتان والتاء المثناة فوق، ومن طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا تخرج ثلاثة أحرف مثل الثلاثة الأولى في العدد وهي: الظاء والذال المعجمتان والثاء المثلثة، وتخرج من طرف اللسان ومن الثنايا لا أصولها ولا أطرافها ثلاثة أحرف: الصاد والسين المهملتان. والزاي، ويخرج من أطراف الثنايا العليا ومن باطن الشفة السفلى حرف واحد: وهو الفاء، وتخرج من بين الشفتين ثلاثة أحرف الواو والباء والميم، ولكن مع انفتاح الشفتين في الواو وانطباقهما في الميم.
15 - وفي أول من كلم بيتين جمعها سوى أربع فيهن كلمة اولا
16 - أهاع حشا غاو خلا قارئ كما جرى شرط يسرى ضارع لاح نوفلا
17 - رعى طهر دين تمه ظل ذي ثنا صفا سجل زهد في وجوه بني ملا
(أهاع) أفزع، و(الحشا) ما انضمت عليه الضلوع والجمع أحشاء، و(الغاوي) الضال، و(الخلا) الكلأ، وهو الرطب من الحشيش، ويكنى به عن طيب الحديث ولطيف الكلام. و(الضارع) الخاشع، و(النوفل) الكثير الإعطاء. و(تمه) أي أتمه يقال: تم الله عليك نعمه كما يقال: أتم الله عليك نعمه، و(الثناء) بالمد وقصر للضرورة المدح.
و(صفا) فعل متعد لواحد يقال: صفوت القدر إذا أخذ صفوتها، و(السجل) الممتلئة ماء.
و(وجوه القوم): أشرافهم، و(الملأ) أيضا: هم الأشراف.
بين الناظم في البيت الثاني والثالث الحروف التي ذكر مخارجها في الأبيات السابقة مرتبة ترتيب المخارج، ومعنى كلامه: أن الحروف التسعة والعشرين مجموعة في أوائل كلمات البيتين الثاني والثالث إلا الكلمة الواقعة في أول كلماتها، وهي (أهاع) فإنها أربعة أحرف وأخذت
[ ص: 391 ] أحرفها كلها لا الحرف الأول منها.
ومعنى البيتين: أفزع حسن قراءة القارئ وجودتها قلب المذنب المنهمك في الآفات، فألقى ما في باطنه من الأخلاق الذميمة واستبدل بها غيرها، وهكذا جرى شرط قراءة من كان ضارعا خاشعا أن يظهر كثير العطاء واسع الفيض، وأن ييسر من سمع قراءته لليسرى، وكذلك حفظ هذا القارئ طهارة دين، أتم ذلك الدين (ظل) أي إرشاد شيخ ذي ثناء أخذ صفوة وعاء الزهد حال كون هذا الشيخ في جملة أشراف أبناء أشراف.
المعنى: كمل طهارة دين هذا القارئ ونظافة باطنه شيخه المستحق للثناء الذي حصل على خلاصة الزهد واتصف بالحسب الشريف، وفي هذا إيماء إلى الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=939772 (أشراف أمتي حملة القرآن) [رواه
البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني]. 18 - وغنة تنوين ونون وميم ان سكن ولا إظهار في الأنف يجتلى
المعنى: أن مخرج غنة التنوين والنون والميم في الأنف إن كن ساكنات ولم يكن مظهرات بل كن مدغمات أو مخفيات، فإذا كانت هذه الأحرف متحركة أو كانت ساكنة مظهرة، فإن مخرج التنوين والنون منها طرف اللسان، ومخرج الميم الشفتان، والتنوين وإن كان نونا ساكنة، ولكن لما تميز بعدم إثباته خطا ووقفا أفرد بالذكر.
19 - وجهر ورخو وانفتاح صفاتها ومستفل فاجمع بالاضداد أشملا
20 - فمهموسها عشر حثت كسف شخصه أجدت كقطب للشديدة مثلا
21 - وما بين رخو الشديدة عمر ونل وواي حروف المد والرخو كملا
22 - وقظ خص ضغط سبع علو ومطبق هو الضاد والظا أعجما وإن اهملا
صفات الحروف: الجهر، وضده الهمس، والرخاوة وضدها الشدة، والانفتاح وضده الإطباق، والاستفال وضده الاستعلاء، وحروف الجهر تسعة عشر حرفا: وهي ما عدا حروف الهمس العشرة المجموعة في قوله: (حثت كسف شخصه)، وحروف الشدة ثمانية وهي المجموعة في قوله: (أجدت كقطب) وما عداها فهي حروف رخوة، إلا أن الحروف
[ ص: 392 ] الخمسة المجموعة في قوله: (عمر نل) حروف متوسطة بين الشدة والرخاوة، فتكون حروف الشدة ثمانية، وحروف التوسط خمسة، وباقي الحروف للرخاوة وهي ستة عشر حرفا، وحروف الاستعلاء: سبعة جمعت في قوله: (قظ خص ضغط)، وباقي الحروف مستفلة. وحروف الإطباق أربعة: الصاد والضاد والطاء والظاء، وباقي الحروف منفتحة، وكل هذا معلوم ومحله كتب التجويد فلا نطيل القول فيه. و(الأشمل) جمع شمل، وهو الشتات، وقوله (فاجمع بالأضداد أشملا) معناه: اجمع بمعرفة الأضداد شمل جميع الحروف، ومعنى (حثت كسف شخصه) نثرت التراب قطع شخص ذلك الرجل.
ومعنى (أجدت كقطب) صارت تلك المرأة مجدة كقطب يدور عليه الرحى، وسبق بيان معنى (قظ خص ضغط) في باب الراءات. وقوله: (وواي حروف المد) إلخ، معناه أن حروف المد يجمعها قولك: واي، وهو الواو والألف والياء، وقوله: (والرخو كملا) معناه: أن هذا اللفظ الذي هو واي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة.
23 - وصاد وسين مهملان وزايها صفير وشين بالتفشي تعملا
24 - ومنحرف لام وراء وكررت كما المستطيل الضاد ليس بأغفلا
25 - كما الألف الهاوي وآوي لعلة وفي قطب جد خمس قلقلة علا
26 - وأعرفهن القاف كل يعدها فهذا مع التوفيق كاف محصلا
(الصفير): صفة يوصف بها الصاد والسين والزاي، و(التفشي): صفة توصف بها الشين. و(الانحراف): صفة توصف بها اللام والراء، و(التكرير): صفة توصف بها الراء، و(الاستطالة): صفة توصف بها الضاد، و(الهوى): صفة توصف بها الألف.
والحروف الأربعة المجموعة في (آوي) توصف بأنها حروف العلة، ولم يعد المصنفون الهمزة منها، لكن لما دخلها التخفيف بالحذف والتسهيل والقلب عدها الناظم من حروف العلة.
والحروف الخمسة المجموعة في (قطب جد) توصف بالقلقلة، والقاف أعرف حروف القلقلة وأشهرها لشدة الصوت فيها أكثر من غيرها.
[ ص: 393 ] ثم قال الناظم: هذا الذي ذكرته في بيان المخارج والصفات إذا وفق الله الطالب لمعرفته كاف في الإرشاد حال كونه محصلا لغرض الطالب محققا لمقصده أو كاف لكل طالب (محصل) أي مريد للتحصيل والاستفادة، فعلى المعنى الأول: يكون (محصلا) حالا من الضمير في (كاف)، وعلى الثاني: يكون مفعولا به (لكاف).