قوة الأمة الإسلامية هي سبيل انتصار الإسلام وسيادة لغة القرآن
وننتهي من هذا البحث إلى أن
القرآن لا يمكن ولا يجوز أن يترجم ترجمة حرفية ، وأن ترجمة المعاني الأصلية وإن كانت ممكنة في بعض الآيات الواضحة المعنى فإنها
[ ص: 314 ] لا تخلو من فساد . وأن ترجمة المعاني الثانوية غير ممكنة ; لأن وجوه البلاغة القرآنية لا تؤديها ألفاظ بأي لغة أخرى .
بقي أن يفسر القرآن ، وأن يترجم تفسيره لإبلاغ دعوته . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15021القفال -من كبار علماء الشافعية- : " عندي أنه لا يقدر أحد على أن يأتي بالقرآن بالفارسية . قيل له : فإذن لا يقدر أحد أن يفسر القرآن ، قال : ليس كذلك ; لأنه هناك يجوز أن يأتي ببعض مراد الله ويعجز عن بعضه ، أما إذا أراد أن يقرأها بالفارسية فلا يمكن أن يأتي بجميع مراد الله " .
وترجمة التفسير تكون ضرورة بقدر الحاجة إلى إبلاغ دعوة الإسلام إلى الشعوب غير الإسلامية ، قال
الحافظ ابن حجر : " فمن دخل الإسلام أو أراد الدخول فيه فقرئ عليه القرآن فلم يفهمه فلا بأس أن يعرب له لتعريف أحكامه . أو لتقوم عليه الحجة فيدخل فيه “ .
ولقد كان المسلمون فيما سلف يقتحمون للسيادة كل وعر ويركبون لإظهار دين الله كل خطر ، ويلبسون من برود البطولة والعدل وكرم الأخلاق ما يملأ عيون مخالفيهم مهابة وإكبارا ، وكانت اللغة العربية تجر رداءها أينما رفعوا رايتهم ، وتنتشر في كل واد وطئته أقدامهم ، فلم يشعروا في دعوتهم إلى الإسلام بالحاجة إلى نقل معاني القرآن إلى اللغات الأجنبية ، وربما كان عدم نقلها إلى غير العربية وهم في تلك العزة والسلطان من أسباب إقبال غير العرب على معرفة لسان العرب ، حتى صارت أوطان أعجمية إلى النطق بالعربية “ .
والظاهرة التي نشاهدها الآن في ضرورة تعلم اللغات الأجنبية للأمة العربية حتى تتمكن من إرسال بعثاتها العلمية إلى جامعات الدول الأخرى ، أو دراسة أمهات الكتب للعلوم الكونية في جامعاتها ; لأنها بلغة أجنبية لمؤلفين أجانب - هذه الظاهرة دعت إليها الحاجة إلى العلم والثقافة ، ونحن نراها تنشر سيطرتها على تفكير الكثير
[ ص: 315 ] وتحدد اتجاهه في الحياة ، وتصل إلى درجة الولوع بها والشغف والتوسع في فنونها ، وقد كان لها الأثر البالغ في الأخلاق والعادات والتقاليد مما جعل حياتنا العامة في شتى صورها تخرج عن سمت الإسلام وطابع فضائله ، ولم تكن الأمم الأخرى في حاجة إلى ترجمة كتبها إلى اللغة العربية لما لها من المكانة العلمية فلو ظلت دولة الإسلام في طريق نهضتها الأولى علما وثقافة وسياسة وخلقا وقوة وسلطانا ومهابة لرمقها العالم من جميع أطراف المعمورة ، وتطلع إلى دراسة اللغة العربية لينهل من معين نتاج الإسلام الفكري ، ويروي ظمأه من معارفه ، ويستظل بسلطانه ، ويحتمي في سيادته ، ولرأى في هذا حاجته بمثل ما نرى نحن اليوم حاجتنا إلى لغته .
فالحديث عن ترجمة القرآن من مظاهر ضعف دولته ، وحري بنا أن يتجه نظرنا إلى بذل جهودنا في تكوين دولة القرآن وتوطيد دعائم نهضتها على أساس من الإيمان والعلم والمعرفة ، فهي وحدها الكفيلة بالسيطرة الروحية على أجناس البشر وتعريب ألسنتهم . وإذا كان الإسلام هو دين الإنسانية كافة ، فالشأن في لغته حين نعمل على تحقيق ما كتبه الله له ولأمته من العزة أن تكون كذلك .
"