مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
3- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، للزمخشري :

كان الزمخشري عالما عبقريا فذا في النحو واللغة والأدب والتفسير ، وآراؤه في العربية يستشهد علماء اللغة بها لأصالتها ودقتها .

والزمخشري معتزلي الاعتقاد ، حنفي المذهب ، ألف كتاب " الكشاف " بما يدعم عقيدته ومذهبه .

واعتزاليات الزمخشري في تفسيره أمارة على حذقه ودهائه ومهارته ، فهو يأتي بالإشارات البعيدة ليضمنها معنى الآية في الانتصار للمعتزلة والرد على خصومهم . ولكنه في الجانب اللغوي كشف عن جمال القرآن وسحر بلاغته لما له من إحاطة [ ص: 359 ] بعلوم البلاغة والبيان والأدب والنحو والتصريف ، فكان مرجعا لغويا غنيا ، وهو يشير في مقدمته إلى هذا فيذكر أن من يتصدى للتفسير لا يغوص على شيء من حقائقه ، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن ، وهما " علم المعاني " ، و " علم البيان " . وتمهل في ارتيادهما آونة ، وتعب في التنقيب عنهما أزمنة ، وبعثته على تتبع مظانها همة في معرفة لطائف حجة الله ، وحرص على استيضاح معجزة رسول الله ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين : تحقيق وحفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا ورجع إليه . ورد عليه فارس في علم الإعراب ، مقدما في حملة الكتاب . وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مستقل القريحة وقادها " .

ويحلل ابن خلدون كتاب الكشاف للزمخشري في قوله عند الحديث عما يرجع إليه التفسير من معرفة اللغة والإعراب والبلاغة : " ومن أحسن ما اشتمل عليه هذا الفن من التفاسير ، كتاب الكشاف للزمخشري ، من أهل خوارزم العراق ، إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد ، فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة ، حيث تعرض له في آي القرآن من طريق البلاغة ، فصار بذلك للمحققين من أهل السنة انحراف عنه ، وتحذير للجمهور من مكامنه ، مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة ، وإذا كان الناظر فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السنية ، محسنا للحجاج عنها ، فلا جرم أنه مأمون من غوائله ، فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان ، ولقد وصل إلينا في هذه العصور تأليف لبعض العراقيين ، وهو شرف الدين الطيبي من أهل توريز من عراق العجم ، شرح فيه كتاب الزمخشري هذا ، وتتبع ألفاظه ، وتعرض لمذاهبه في الاعتزال بأدلة تزيفها ، وتبين أن البلاغة إنما تقع في الآية على ما يراه أهل السنة ، لا على ما يراه المعتزلة ، فأحسن في ذلك ما شاء ، مع إمتاعه في سائر فنون البلاغة ، وفوق كل ذي علم عليم “ .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية