3- في ظلال القرآن -
لسيد قطب
تعتبر حركة الإخوان المسلمين التي قام بها الشهيد
حسن البنا كبرى الحركات الإسلامية المعاصرة بلا مراء ، ولا يستطيع أحد من خصومها أن ينكر فضلها فيما أحدثته من وعي في العالم الإسلامي كافة ، فجر طاقات الشباب المسلم لخدمة الإسلام ، وإعزاز شريعته ، وإعلاء كلمته ، وبناء مجده ، واستعادة سلطانه .
ومهما قيل في الأحداث التي وقعت على هذه الجماعة فإن أثرها الفكري لا يجحده إنسان .
وبرز من رجال هذه الجماعة العالم الفذ ، والمفكر الألمعي ،
الشهيد سيد قطب ، الذي فلسف الفكر الإسلامي، وكشف عن مفاهيمه الصحيحة في وضوح وجلاء ، وقد لقي الرجل ربه شهيدا في سبيل عقيدته وترك تراثه الفكري ، وفي مقدمته كتابه في تفسير القرآن ، المسمى ( في ظلال القرآن) .
والكتاب تفسير كامل للحياة في ضوء الكتاب وهدي الإسلام . عاش مؤلفه في ظلال الذكر الحكيم ، كما يفهم من تسميته - يتذوق حلاوة القرآن ، ويعبر عن مشاعره تعبيرا صادقا . انتهى فيه إلى أن الإنسانية اليوم في شقائها بالمذاهب الهدامة ، وصراعها الدامي من حين لآخر ، لا خلاص لها إلا بالإسلام : يقول في المقدمة : وانتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن - إلى يقين جازم حاسم .. أنه لا صلاح لهذه الأرض ، ولا راحة لهذه البشرية ، ولا طمأنينة لهذا الإنسان ، ولا رفعة ولا بركة ، ولا طهارة ، ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة ... إلا بالرجوع إلى الله .
والرجوع إلى الله - كما يتجلى في ظلال القرآن - له صورة واحدة ، وطريق واحد ... واحد لا سواه .. إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية في كتابه الكريم ، إنه تحكيم هذا الكتاب وحده في حياتها ، والتحاكم
[ ص: 363 ] إليه وحده في شئونها ، وإلا لهو الفساد في الأرض ، والشقاوة للناس ، والارتكاس في الحمأة ، والجاهلية التي تعبد الهوى من دون الله :
فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ..
إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعا ولا موضع اختيار ، إنما هو الإيمان .. أو .. فلا إيمان .
وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ..
ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين .
ومن هذا المنطلق نهج سيد قطب في تفسيره ، وهو يأتي أولا بظلاله في مقدمة السور، تربط بين أجزائها ، وتوضح أهدافها ومقاصدها ، ثم يشرع بعد ذلك في التفسير ، فيذكر المأثور الصحيح ، ويضرب صفحا عن المباحث اللغوية مكتفيا بالإشارة العابرة ، ويتجه إلى إيقاظ الوعي ، وتصحيح المفاهيم وربط الإسلام بالحياة .
والكتاب يقع في ثماني مجلدات ، وقد طبع عدة مرات ، في سنوات معدودة لما له من رواج كبير لدى المثقفين .
وهو بحق ثروة فكرية اجتماعية هائلة لا يستغني عنها المسلم المعاصر.