3-
جمع القرآن في عهد عثمان رضي الله عنه :
اتسعت الفتوحات الإسلامية ، وتفرق القراء في الأمصار ، وأخذ أهل كل مصر عمن وفد إليهم قراءته ، ووجوه القراءة التي يؤدون بها القرآن مختلفة باختلاف الأحرف التي نزل عليها ، فكانوا إذا ضمهم مجمع أو موطن من مواطن الغزو عجب البعض من وجوه هذا الاختلاف ، وقد يقنع بأنها جميعا مسندة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن هذا لا يحول دون تسرب الشك للناشئة التي لم تدرك الرسول ، فيدور الكلام حول فصيحها وأفصحها ، وذلك يؤدي إلى الملاحاة إن استفاض أمره ومردوا عليه ، ثم إلى اللجاج والتأثيم ، وتلك فتنة لا بد لها من علاج .
[ ص: 124 ] فلما كانت غزوة "
أرمينية " وغزوة "
أذربيجان " من أهل
العراق ، كان فيمن غزاهما "
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان " فرأى اختلافا كثيرا في وجوه القراءة ، وبعض ذلك مشوب باللحن ، مع إلف كل لقراءته ، ووقوفه عندها ، ومماراته مخالفة لغيره ، وتكفير بعضهم الآخر ، حينئذ فزع إلى
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان -رضي الله عنه- وأخبره بما رأى ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان قد نمى إليه أن شيئا من ذلك الخلاف يحدث لمن يقرئون الصبية ، فينشأ هؤلاء وبينهم من الاختلاف ما بينهم ، فأكبر الصحابة هذا الأمر مخافة أن ينجم عنه التحريف والتبديل ، وأجمعوا أمرهم أن ينسخوا الصحف الأولى التي كانت عند أبي بكر ، ويجمعوا الناس عليها بالقراءات الثابتة على حرف واحد ، فأرسل
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان إلى
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، فأرسلت إليه بتلك الصحف ، ثم أرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت الأنصاري ، وإلى
nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير ،
وسعيد بن العاص ،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام القرشيين ، فأمرهم أن ينسخوها في المصاحف ، وأن يكتب ما اختلف فيه زيد مع رهط القرشيين الثلاثة بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم .
عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : " أن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان قدم على
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ، وكان يغازي أهل
الشام في
أرمينية وأذربيجان مع أهل
العراق ، فأفزع
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان ، أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل إلى
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ، فأرسلت بها
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة إلى عثمان ، فأمر
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت ،
nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير ،
وسعيد بن العاص ،
وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، فنسخوها في المصاحف ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان للرهط القرشيين الثلاثة : إذا اختلفتم أنتم
nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم ، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الصحف إلى
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد : آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ بها ، فالتمسناها فوجدناها مع
[ ص: 125 ] خزيمة بن ثابت الأنصاري :
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فألحقناها في سورتها في المصحف .
ودلت الآثار على أن الاختلاف في وجوه القراءة لم يفزع منه
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان وحده ، بل شاركه غيره من الصحابة في ذلك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير قال : " حدثني
يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، قال : حدثنا
أيوب ، عن
أبي قلابة ، قال : لما كان في خلافة
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل . فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون ، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين -قال
أيوب : فلا أعلمه إلا قال- حتى كفر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان . فقام خطيبا فقال : " أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون ، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا ، اجتمعوا يا أصحاب
محمد فاكتبوا للناس إماما " قال
nindex.php?page=showalam&ids=12134أبو قلابة : فحدثني
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك قال : كنت فيمن يملى عليهم ، قال : فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولعله أن يكون غائبا في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها ، حتى يجيء أو يرسل إليه ، فلما فرغ من المصحف كتب عثمان إلى أهل الأمصار : إني قد صنعت كذا وكذا ، ومحوت ما عندي ، فامحو ما عندكم .
وأخرج
ابن أشتة من طريق
أيوب عن
أبي قلابة مثله ، وذكر
ابن حجر في الفتح أن
ابن داود أخرجه في المصاحف من طريق
أبي قلابة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16072سويد بن غفلة قال : " قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي : لا تقولوا في
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان إلا خيرا ، فوالله ما فعل الذي فعل في المصحف إلا عن ملأ منا . قال : ما تقولون في هذه القراءة ؟
[ ص: 126 ] قد بلغني أن بعضهم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد يكون كفرا ، قلنا : فما ترى ؟ قال : أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت “ .
وهذا يدل على أن ما صنعه
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان قد أجمع عليه الصحابة ، كتبت مصاحف على حرف واحد من
الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، ليجتمع الناس على قراءة واحدة ، ورد
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان الصحف إلى
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة ، وبعث إلى كل أفق بمصحف من المصاحف . واحتبس
بالمدينة واحدا هو مصحفه الذي يسمى الإمام . وتسميته بذلك لما جاء في بعض الروايات السابقة من قوله : " اجتمعوا يا أصحاب
محمد فاكتبوا للناس إماما " وأمر أن يحرق ما عدا ذلك من صحيفة أو مصحف ، وتلقت الأمة ذلك بالطاعة ، وتركت القراءة بالأحرف الستة الأخرى ، ولا ضير في ذلك . فإن القراءة بالأحرف السبعة ليست واجبة ، ولو أوجب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الأمة القراءة بها جميعا لوجب نقل كل حرف منها نقلا متواترا تقوم به الحجة ولكنهم لم يفعلوا ذلك فدل هذا على أن القراءة بها من باب الرخصة . وأن الواجب هو تواتر النقل ببعض هذه الأحرف السبعة . وهذا هو ما كان .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير فيما فعله
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان : " وجمعهم على مصحف واحد ، وحرف واحد ، وخرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه ، وعزم على كل من كان عنده مصحف " مخالف " المصحف الذي جمعهم عليه ، أن يحرقه ، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة ، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية ، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها ، طاعة منها له ، نظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها ، وتعفت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها ، لدثورها وعفو آثارها ،
[ ص: 127 ] وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها ، من غير جحود منها صحتها وصحة شيء منها ، ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها ، فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح ، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية .
فإن قال بعض من ضعفت معرفته : وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمرهم بقراءتها ؟
قيل : إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض ، وإنما كان أمر إباحة ورخصة ، لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة ، عند من يقوم بنقله الحجة ، ويقطع خبره العذر ، ويزيل الشك من قرأة الأمة ، وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين ، بعد أن يكون في نقلة القرآن من الأمة من تجب بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة .
وإذ كان ذلك كذلك ، لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع ، تاركين ما كان عليهم نقله ، بل كان الواجب عليهم من الفعل ما فعلوا ، إذ كان الذي فعلوا من ذلك ، كان هو النظر للإسلام وأهله ، فكان القيام بفعل الواجب عليهم ، بهم أولى من فعل ما لو فعلوه ، كانوا إلى الجناية على الإسلام وأهله أقرب منهم إلى السلامة ، من ذلك " .
"