مباحث في علوم القرآن

مناع القطان - مناع خليل القطان

صفحة جزء
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان :

يتبين من النصوص أن جمع أبي بكر يختلف عن جمع عثمان في الباعث والكيفية .

فالباعث لدى أبي بكر -رضي الله عنه- لجمع القرآن خشية ذهابه بذهاب حملته ، حين استحر القتل بالقراء .

[ ص: 128 ] والباعث لدى عثمان -رضي الله عنه- كثرة الاختلاف في وجوه القراءة ، حين شاهد هذا الاختلاف في الأمصار وخطأ بعضهم بعضا .

وجمع أبي بكر للقرآن كان نقلا لما كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب . وجمعا له في مصحف واحد مرتب الآيات والسور . مقتصرا على ما لم تنسخ تلاوته ، مشتملا على الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن .

وجمع عثمان للقرآن كان نسخا له على حرف واحد من الحروف السبعة ، حتى يجمع المسلمين على مصحف واحد . وحرف واحد يقرءون به دون ما عداه من الأحرف الستة الأخرى . قال ابن التين وغيره : " الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان ، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته ، لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف ، مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعضه ، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك ، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره ، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش ، محتجا بأنه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر ، فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت ، فاقتصر على لغة واحدة " وقال الحارث المحاسبي : " المشهور عند الناس أن جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد ، على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار ، لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات ، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي أنزل بها القرآن ، فأما السابق إلى جمع الجملة فهو الصديق “ .

وبهذا قطع عثمان دابر الفتنة ، وحسم مادة الخلاف ، وحصن القرآن من أن يتطرق إليه شيء من الزيادة والتحريف على مر العصور وتعاقب الأزمان .

وقد اختلف العلماء في عدد المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق .

[ ص: 129 ] أ- فقيل : كان عددها سبعة . أرسلت إلى : مكة ، والشام ، والبصرة ، والكوفة ، واليمن ، والبحرين ، والمدينة . قال ابن أبي داود : سمعت أبا حاتم السجستاني يقول : كتب سبعة مصاحف ، فأرسل إلى مكة ، وإلى الشام ، وإلى اليمن ، وإلى البحرين ، وإلى البصرة ، وإلى الكوفة ، وحبس بالمدينة واحدا .

ب- وقيل : كان عددها أربعة ، العراقي ، والشامي ، والمصري ، والمصحف الإمام ، أو الكوفي ، والبصري ، والشامي ، والمصحف الإمام . قال أبو عمرو الداني في المقنع : " أكثر العلماء على أن عثمان لما كتب المصاحف جعلها أربع نسخ ، وبعث إلى كل ناحية واحدة : الكوفة ، والبصرة ، والشام ، وترك واحدا عنده " .

جـ- وقيل : كان عددها خمسة ، وذهب السيوطي إلى أن هذا هو المشهور .

أما الصحف التي ردت إلى حفصة فقد ظلت عندها حتى ماتت . ثم غسلت غسلا وقيل أخذها مروان بن الحكم وأحرقها .

والمصاحف التي كتبها عثمان لا يكاد يوجد منها مصحف واحد اليوم . والذي يروى عن ابن كثير في كتابه " فضائل القرآن " أنه رأى واحدا منها بجامع دمشق بالشام ، في رق يظنه من جلود الإبل ، ويروى أن هذا المصحف الشامي نقل إلى إنجلترا بعد أن ظل في حوزة قياصرة الروس في دار الكتب في لينينجراد فترة ، وقيل إنه احترق في مسجد دمشق سنة . 131 هجرية .

وجمع عثمان للقرآن هو المسمى بالجمع الثالث ، وكان سنة 25 هجرية .

"

التالي السابق


الخدمات العلمية