الإحكام العام والتشابه العام
المحكم لغة : مأخوذ من حكمت الدابة وأحكمت : بمعنى منعت ، والحكم : هو الفصل بين الشيئين ، فالحاكم يمنع الظالم ويفصل بين الخصمين ، ويميز بين الحق والباطل ، والصدق والكذب ، ويقال : حكمت السفيه وأحكمته : إذا أخذت على يديه ، وحكمت الدابة وأحكمتها : إذا جعلت لها حكمة : وهي ما أحاط بالحنك
[ ص: 206 ] من اللجام لأنها تمنع الفرس عن الاضطراب ، ومنه الحكمة : لأنها تمنع صاحبها عما لا يليق ، وإحكام الشيء : إتقانه ، والمحكم : المتقن .
فإحكام الكلام : إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره ، والرشد من الغي في أوامره ، والمحكم منه : ما كان كذلك .
وقد وصف الله القرآن كله بأنه محكم على هذا المعنى فقال :
الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ، وقال :
الر تلك آيات الكتاب الحكيم ، فالقرآن كله محكم : أي إنه كلام متقن فصيح يميز بين الحق والباطل ، والصدق والكذب . وهذا هو الإحكام العام .
والمتشابه لغة : مأخوذ من التشابه : وهو أن يشبه أحد الشيئين الآخر ، والشبهة : هي ألا يتميز أحد الشيئين من الآخر لما بينهما من التشابه عينا كان أو معنى ، قال تعالى :
وأتوا به متشابها ، أي يشبه بعضه بعضا لونا لا طعما وحقيقة ، وقيل : متماثلا في الكلام والجودة .
وتشابه الكلام : هو تماثله وتناسبه بحيث يصدق بعضه بعضا ، وقد وصف الله القرآن كله بأنه متشابه على هذا المعنى فقال :
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ، فالقرآن كله متشابه : أي إنه يشبه بعضه بعضا في الكمال والجودة ، ويصدق بعضه بعضا في المعنى ويماثله ، وهذا هو التشابه العام .
وكل من المحكم والمتشابه بمعناه المطلق المتقدم لا ينافي الآخر ، فالقرآن كله محكم بمعنى الإتقان ، وهو متماثل يصدق بعضه بعضا ، فإن الكلام المحكم المتقن تتفق معانيه وإن اختلفت ألفاظه ، فإذا أمر القرآن بأمر لم يأمر بنقيضه في موضع آخر ، وإنما يأمر به أو بنظيره ، وكذلك الشأن في نواهيه وأخباره ، فلا تضاد فيه ولا اختلاف :
ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .