أقسام المطلق والمقيد وحكم كل منها
وللمطلق والمقيد صور عقلية نذكر منها الأقسام الواقعية فيما يلي :
1- أن يتحد السبب والحكم : كالصيام في كفارة اليمين : جاء مطلقا في
[ ص: 239 ] القراءة المتواترة بالمصحف :
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ، ومقيدا بالتتابع : في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود "فصيام ثلاثة أيام متتابعات". فمثل هذا يحمل المطلق فيه على المقيد; لأن السبب الواحد لا يوجب المتنافيين. ولهذا: قال قوم بالتتابع ، وخالفهم من يرى أن القراءة غير المتواترة وإن كانت مشهورة ، ليست حجة ، فليس هنا مقيد حتى يحمل عليه المطلق.
ب- أن يتحد السبب ويختلف الحكم: كالأيدي في الوضوء والتيمم. قيد غسل الأيدي في الوضوء : بأنه إلى المرافق ، قال تعالى :
يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأطلق المسح في التيمم قال تعالى :
فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه . فقيل لا يحمل المطلق على المقيد لاختلاف الحكم. ونقل
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي عن أكثر الشافعية حمل المطلق على المقيد هنا لاتحاد السبب وإن اختلف الحكم.
3 - أن يختلف السبب ويتحد الحكم: وفي هذا صورتان: الأولى: أن يكون التقييد واحدا ، كعتق الرقبة في الكفارة. ورد اشتراط الإيمان في الرقبة : بتقييدها بالرقبة المؤمنة في كفارة القتل الخطأ ، قال تعالى :
وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة . وأطلقت في كفارة الظهار : قال تعالى :
والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا .
وفي كفارة اليمين : قال تعالى
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة .
فقال جماعة منهم المالكية وكثير من الشافعية : يحمل المطلق على المقيد من غير دليل ، فلا تجزئ الرقبة الكافرة في كفارة الظهار
[ ص: 240 ] واليمين.
وقال آخرون ، وهو مذهب الأحناف : لا يحمل المطلق على المقيد إلا بدليل ، فيجوز إعتاق الكافرة في كفارة الظهار واليمين.
وحجة أصحاب الرأي الأول : أن كلام الله تعالى متحد في ذاته ، لا تعدد فيه ، فإذا نص على اشتراط الإيمان في كفارة القتل : كان ذلك تنصيصا على اشتراطه في كفارة الظهار ، ولهذا حمل قوله تعالى:
والذاكرات على قوله في أول الآية
والذاكرين الله كثيرا من غير دليل خارج ، أي والذاكرات الله كثيرا .
والعرب من مذهبها : استحباب الإطلاق اكتفاء بالقيد وطلبا للإيجاز والاختصار.
وقد قال تعالى:
عن اليمين وعن الشمال قعيد والمراد : "عن اليمين قعيد ، ولكن حذف لدلالة الثاني عليه.
وأما حجة أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة فإنهم قالوا: إن حمل
والذاكرات على
والذاكرين الله كثيرا جاء بدليل ، ودليله أن قوله: ؟ والذاكرات؟ معطوف على قوله ؟والذاكرين الله كثيرا؟ ولا استقلال له بنفسه ، فوجب رده إلى ما هو معطوف عليه ومشارك له في حكمه.
ومثله العطف في قوله تعالى
عن اليمين وعن الشمال قعيد وإذا امتنع التقيد من غير دليل ، فلا بد من دليل ، ولا نص من كتاب أو سنة يدل على ذلك.
والقياس يلزم منه رفع ما اقتضاه المطلق من الخروج عن العهدة بأي شيء كان ، مما هو داخل تحت اللفظ المطلق ، فيكون نسخا: ونسخ النص لا يكون بالقياس.
ويجاب عن ذلك من أصحاب الرأي الأول : بأننا لا نسلم أنه يلزم من قياس المطلق على المقيد ، نسخ النص المطلق. بل تقييده ببعض مسمياته ، فتقيد "الرقبة" بأن تكون مؤمنة ، فيكون الإيمان شرطا في الخروج عن العهدة.
كما أنكم تشترطون فيها صفة السلامة : ولم يدل على ذلك نص من كتاب أو سنة.
[ ص: 241 ] الثانية: أن يكون التقييد مختلفا ، كالكفارة بالصوم ، قيد الصوم بالتتابع في كفارة القتل ، قال تعالى
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وفي كفارة الظهار ، قال تعالى :
فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا ، وجاء تقييده بالتفريق في صوم المتمتع بالحج ، قال تعالى
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم ، ثم جاء الصوم مطلقا دون تقييد بالتتابع أو التفريق : في كفارة اليمين ، قال تعالى :
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وفي قضاء رمضان قال تعالى
فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر .
فالمطلق في هذا : لا يحمل على المقيد ، لأن القيد مختلف ، فحمل المطلق على أحدهما ترجيح بلا مرجح.
3- أن يختلف السبب ويختلف الحكم: كاليد في الوضوء والسرقة ، قيدت في الوضوء : إلى المرافق ، وأطلقت في السرقة ، قال تعالى:
والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ، فلا يحمل المطلق على المقيد : للاختلاف سببا وحكما ، وليس في هذا شيء من التعارض.
قال صاحب البرهان : إن وجد دليل على تقييد المطلق صير إليه ، وإلا فلا والمطلق على إطلاقه ، والمقيد على تقييده ، لأن الله تعالى خاطبنا بلغة العرب ، والضابط : أن الله تعالى إذا حكم في شيء بصفة أو شرط ، ثم ورد حكم آخر مطلقا نظر ، فإن لم يكن له أصل يرد إليه إلا ذلك الحكم المقيد : وجب تقييده به ، وإن كان له أصل غيره : لم يكن رده إلى أحدهما بأولى من الآخر.
"