( الثاني زوال العقل ) أي التمييز بنوم أو غيره كجنون أو إغماء أو سكر أو غير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=14663العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ } والسه الدبر ، ووكاؤه حفاظه عن أن يخرج منه شيء لا يشعر به ، والعينان كناية عن اليقظة . والمعنى فيه : أن اليقظة هي الحافظة لما يخرج ، والنائم قد يخرج منه الشيء ولا يشعر به وإذا ثبت النقض بالنوم ألحق به البواقي ; لأن الذهول معها أبلغ من النوم وقد جعل ذلك [ ص: 114 ] ناقضا ; لأنه مظنة لخروجه ، فأقيم مقام اليقين كما أقيمت الشهادة المفيدة للظن مقام اليقين في شغل الذمة ، ولهذا لم يعولوا على احتمال ريح يخرج من القبل ; لأنه نادر ، وسواء في الإغماء أكان متمكن المقعدة أم لا ; لما تقدم والعقل صفة يميز بها بين الحسن والقبيح ، وقيل غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات ومحله القلب ، ويستثنى من الانتقاض بالنوم مضطجعا النبي صلى الله عليه وسلم كما هو مبين في خصائصه ; وخرج بزوال العقل النعاس وحديث النفس ، وأوائل نشوة السكر فلا نقض بها ; ومن علامات النعاس سماع كلام الحاضرين وإن لم يفهمه .
ومن علامات النوم الرؤيا ، فلو رأى رؤيا وشك هل نام أو نعس انتقض وضوءه ( إلا نوم ممكن مقعده ) من مقره ، [ ص: 115 ] والاستثناء متصل كما عرف من تفسير العقل بما ذكر فلا ينقض لأمن خروج شيء من دبره ، ولا عبرة باحتمال خروج ريح من قبله لندرته كما مر ، ومثله ما لو نام متمكنا بالمنفتح الناقض كما يؤخذ من كلام التنبيه ، وحمل على ذلك نوم الصحابة رضي الله عنهم حيث كانوا ينامون حتى تخفق رءوسهم الأرض ، وشملت عبارة الأرض والدابة وغيرهما ، ولا فرق في المتمكن بين أن ينام مستندا إلى شيء بحيث لو أزيل لسقط أولا ، ودخل فيه ما لو نام محتبيا : أي ضاما ظهره وساقيه بعمامة أو غيرها فلا نقض [ ص: 116 ] به ، ولا تمكين لمن نام قاعدا هزيلا بين بعض مقعده ومقره تجاف كما نقله في الشرح الصغير عن الروياني وأقره ، وما في المجموع وصححه في الروضة من كونه متمكنا محمول على هزيل ليس بين بعض مقعده ومقره تجاف وقد أشار الشارح رحمه الله تعالى لعدم التنافي بينهما بذلك ، ولعل مراد الأول بالتجافي ما لا يمنع خروج شيء لو خرج بلا إحساس عادة ولا تمكين لمن نام على قفاه ملصقا مقعده بمقره ، ولو زلت إحدى أليتي نائم ممكن قبل انتباهه نقض أو بعده أو معه أو شك في تقدمه أو في أنه نائم أو ناعس أو في أنه ممكن أولا أو أن ما خطر بباله رؤيا أو حديث نفس فلا
حاشية الشبراملسي
( قوله : أو غير ذلك ) كأن زال التمييز بمرض قام به ( قوله : وقد جعل ذلك ) أي [ ص: 114 ] زوال العقل ( قوله : ; لأنه مظنة ) عبارة النهاية المظان جمع مظنة بكسر الظاء وهو موضع الشيء ومعدنه مفعلة من الظن بمعنى العلم ، وكان القياس فتح الظاء وإنما كسرت لأجل الهاء ا هـ ( قوله : ريح يخرج من القبل ) ونقل بالدرس عن الدميري أنه يستحب الوضوء لاحتمال خروج شيء منه ا هـ . ومثله في شرح الروض ( قوله : ; لأنه نادر ) قضيته أن من يكثر خروج الريح من قبله ينتقض وضوءه بنومه غير ممكن قبله فليتأمل ا هـ سم على منهج ( قوله : وسواء في الإغماء ) ومثله الجنون والسكر بالأولى ( قوله : لما تقدم ) أي من أنهم أقاموا المظنة مقام اليقين ( قوله : وقيل غريزة ) هو مغاير لما قبله مفهوما ولعل ما صدقهما واحد ( قوله : ومحله القلب ) قال ابن حجر : وهو أفضل من العلم ; لأنه منبعه رأسه ، ولأن العلم يجري منه مجرى النور من الشمس والرؤيا من العين ، ومن عكس أراد من حيث استلزامه له وأنه تعالى يوصف به لا بالعقل ا هـ ( قوله : كما هو مبين في خصائصه ) وكنبينا غيره من الأنبياء كما يفيده قول الزيادي ، أو نوم أو لغير نبي ا هـ .
وصرح بذلك ابن حجر رحمه الله ، ومثل النوم في حقهم الإغماء فلا ينتقض وضوءهم به ، ثم رأيت في حواشي التحرير لشيخنا الشوبري رحمه الله ما نصه : قول أو نوم : أي في غير الأنبياء ، أما هم فلا نقض بنومهم ، وأما إغماؤهم فيظهر أنه كذلك أخذا من قول الجلال السيوطي ، قال الأصحاب : لا يجوز الجنون على الأنبياء ; لأنه نقص ، ويجوز الإغماء ; لأنه مرض ، ونبه السبكي على أن الإغماء الذي يحصل لهم ليس كالإغماء الذي يحصل لآحاد الناس ، وإنما هو غلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط دون القلب ، قال : لأنه قد ورد أنه إنما تنام أعينهم دون قلوبهم ، فإذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذي هو أخف من الإغماء فمن الإغماء بطريق الأولى ا هـ ، وهو كلام نفيس جدا ا هـ بحروفه ومن الناقض أيضا استغراق الأولياء أخذا من إطلاقهم خلافا لما توهمه بعض ضعفة الطلبة ( قوله : وأوائل نشوة ) بفتح الواو بلا همز ( قوله سماع كلام الحاضرين ) خرج به كما قال ابن حجر ما لو تيقن الرؤيا مع عدم تذكر نوم فإنه لا أثر له بخلافه مع الشك فيه ; لأنها مرحجة لأحد طرفيه ا هـ . ونازع في هذه التفرقة سم عليه فليراجع ، ومن جملة كلامه أن قال : وبالجملة فالوجه أنه إن كان متمكنا ولو احتمالا فلا نقض فيهما وإلا حصل النقض فيهما فليتأمل ( قوله : أو نعس ) قال في شرح الروض : بفتح العين ا هـ سم على حج .
وعبارة المختار : نعس ينعس بالضم ومثله في الصحاح ا هـ ( قوله : إلا نوم ممكن مقعده ) عبارة ابن حجر : إلا نوم قاعد ممكن مقعده إلخ ، قال سم عليه : التقييد بالقاعد الذي زاده قد [ ص: 115 ] يرد عليه أن القائم قد يكون ممكنا كما لو انتصب وفرج بين رجليه وألصق المخرج بشيء مرتفع إلى حد المخرج ، ولا يتجه إلا أن هذا تمكن مانع من النقض فينبغي الإطلاق ، ولعل التقييد بالنظر للغالب ا هـ بحروفه ( قوله : لأمن خروج شيء من دبره ) عبارة ابن حجر رحمه الله : ويؤخذ من قولهم لأمن إلخ أنه لو أخبر نائما غير ممكن معصوم كالخضر بناء على الأصح أنه نبي بأنه لم يخرج منه شيء لم ينتقض وضوءه ، واعتمده بعضهم . وقد ينازعه قاعدة أن ما نيط بالمظنة لا فرق بين وجوده وعدمه كالمشقة في السفر ا هـ .
( فرع ) خلقت السرة في محل أعلى من محلها الغالب كصدره ، أو الركبة أسفل من محلها الغالب ، فالوجه اعتبارهما دون محلهما الغالب فيحرم الاستمتاع بما بينهما ، وإن زاد على ما بينهما من محلهما الغالب ، ولو لم يخلق له سرة أو ركبة قدر باعتبار الغالب ا هـ سم على بهجة ( قوله : لندرته ) قضيته أنه لو ابتلي به وكثر نقض وضوءه بنومه غير ممكن ا هـ سم على منهج . والمعتمد عدم النقض به مطلقا كما نقله ابن شرف عن الشارح ا هـ ( قوله : بالمنفتح الناقض ) أي سواء كان الانفتاح أصليا أو عارضا وهو المحتاج للتنبيه عليه ، أما الأصلي فقد علم حكمه من قوله قبل ، أما الخلقي فمنفتحه كالأصلي في سائر الأحكام . هذا ، وقضية ما مر من أن أحكام الأصلي ثابتة له في الانسداد العارض الانتقاض بالنوم حيث لم يكن ممكنا له ، وعليه فإذا مكن المنفتح دون الأصلي ونام انتقض وضوءه .
( فائدة ) لو خلق له فرجان أصليان نقض الخارج من كل منهما ، أو أصلي وزائد واشتبه فلا نقض بخارج من أحدهما للشك ، فلو انسد أحدهما وانفتح ثقبة تحت المعدة فلا نقض بالخارج منها ; لأن انسداد الأصلي لا يتحقق إلا بانسدادهما معا ، وينقض الخارج من الفرج الذي لم ينسد ; لأنه إن كان أصليا فالنقض به ظاهر ، وإن كان زائدا فهو بمنزلة الثقبة المنفتحة مع انسداد الأصلي ، فالنقض به متحقق سواء كان زائدا أو أصليا بخلاف الثقبة .
( فرع ) لو نام ممكنا في الصلاة لم يضر إن قصر ، وكذا إن طال في ركن طويل ، فإن طال في قصير بطلت صلاته . لا يقال كيف تبطل مع أنه غير عامد ; لأنا نقول : لما كانت مقدمات النوم تقع بالاختيار نزل منزلة العامد م ر رحمه الله ا هـ سم على منهج . ومعلوم أن الكلام في النائم قاعدا ; لأن غير القاعد لا تمكين له إلا في الصورة المتقدمة عن سم رحمه الله .
( قوله : حتى تخفق رءوسهم الأرض ) عبارة حج في الاستدلال على أن نوم الممكن لا ينقض ، وعليه حملنا خبر nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا ينامون ثم يصلون ولا يتوضئون . وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998لأبي داود : ينامون حتى تخفق رءوسهم الأرض ا هـ . وقد يشعر قوله ; وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998لأبي داود بأن له رواية أخرى غير هذه الرواية ليس فيها لفظ الأرض وهو الذي رأيناه في سنن nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ، ولم نر لفظ الأرض مذكورا في شيء من الروايات لا في جامع الأصول ولا في المشكاة ولا في تخريج أحاديث الرافعي . وفي النهاية حديث حتى تخفق رءوسهم : أي حتى تسقط أذقانهم على صدورهم وهم قعود ، وقيل هو من الخفوق والاضطراب ا هـ .
واقتصاره في تفسير الحديث على ما ذكره بقوله : أي حتى إلخ مشعر بأنه لم ير لفظ الأرض في رواية ، والله أعلم . [ ص: 116 ] قوله : بين بعض مقعده ) ومثل ذلك المخوف المفرط ( قوله ملصقا مقعده ) أي ولو مستقرا سم على منهج
حاشية المغربي
( قوله : ولهذا ) أي لكون زوال العقل مظنة لخروج شيء من دبره ; لأن معنى كونه مظنة لذلك أنه من شأنه فخرج النادر .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير في النهاية : المظان جمع مظنة بكسر الظاء ، وهو موضع الشيء ومعدنه ( قوله : وسواء في الإغماء ) أي أو غيره ، وإنما خصه ; لأن الغالب في المغمى عليه القرار فيتأتى معه التمكن بخلاف غيره ( قوله : لما تقدم ) أي من أن الذهول معه أي كغيره مما مر أبلغ خلافا لما في حاشية الشيخ ( قوله : وقيل غريزة ) هو مغاير لما قبله مفهوما و ماصدقا كما لا يخفى خلافا لما في حاشية الشيخ [ ص: 115 ] قوله : والاستثناء متصل ) قال الشهاب ابن قاسم لا يخفى : أن النوم المذكور مستثنى من محذوف أي زوال العقل بشيء لا لوم إلى آخره ( قوله : لندرته ) جرى على الغالب فلا نقض بنوم من اعتاد ذلك على الراجح ( قوله : بالمنفتح الناقض ) أي [ ص: 116 ] القائم مقام الدبر كما هو ظاهر