فصل في أحكام الاستنجاء اعلم أن جميع ما هو مذكور في هذا الفصل من الآداب محمول على الاستحباب إلا الاستقبال والاستدبار والاستنجاء بشروطها الآتية يعبر عنه بالاستنجاء و بالاستطابة وبالاستجمار ، والأولان يعمان الماء والحجر ، [ ص: 130 ] والثالث يختص بالحجر ، وهو من نجوت الشجرة إذا قطعتها ، كأن المستنجي يقطع الأذى عن نفسه وقدم هذا الفصل على الوضوء لأنه يسن تقديمه عليه في حق السليم ، وأخره عنه في الروضة إشارة إلى جواز تأخيره عنه في حق من ذكر ( يقدم داخل الخلاء يساره ) عند إرادة قضاء حاجته ولو بمحل من صحراء بوصوله إليه لأنه يصير مستقذرا بإرادة قضاء الحاجة به كالخلاء الجديد ، ومثل الرجل بدلها في حق فاقدها ( والخارج يمينه ) والمسجد بعكس ذلك ، فيقدم يمينه عند دخوله ويساره عند خروجه تكريما لليمين ، إذ اليسرى للأذى واليمين لغيره . وأخذ الزركشي من ذلك أن ما لا تكرمة فيه ولا إهانة يكون باليمين لكن قضية قول المجموع ما كان من باب التكريم [ ص: 131 ] يبدأ فيه باليمين وخلافه باليسار يقتضي أن يكون فيها باليسار ، ولو خرج من مستقذر لمستقذر أو من مسجد لمسجد فالعبرة بما بدأ به في الأوجه ، ولا نظر إلى تفاوت بقاع المحل شرفا وخسة ، نعم في المسجد والبيت يظهر مراعاة الكعبة عند دخولها والمسجد عند خروجه منها لشرفهما ، وقياس ما تقدم أنه يقدم اليمين في الموضع الذي اختاره للصلاة من الصحراء وهو كذلك ، وكالخلاء فيما تقدم الحمام والمستحم والسوق ومكان المعصية ومثله الصاغة [ ص: 132 ] ( ولا يحمل ذكر الله تعالى ) أي مكتوب ذكره من قرآن أو غيره مما يجوز حمله مع الحدث ويلحق بذلك أسماء الله تعالى وأسماء الأنبياء وإن لم يكن رسولا ، والملائكة سواء عامتهم وخاصتهم ، وكل اسم معظم مختص أو مشترك وقصد به التعظيم أو قامت قرينة قوية على أنه المراد به ، والأوجه أن العبرة بقصد كاتبه [ ص: 133 ] لنفسه وإلا فالمكتوب له لما صح من { nindex.php?page=hadith&LINKID=86037أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه وكان نقشه محمد رسول الله محمد سطر ورسول سطر والله سطر } قال في المهمات وفي حفظي أنها كانت تقرأ من أسفل ليكون اسم الله تعالى فوق الجميع وشمل ذلك ما لو حمل معه مصحفا فيه فيكره .
لا يقال : إنه حرام لأنه يلزم منه غالبا حمله مع الحدث .
لأنا نقول : تقدم حكم ذلك وليس الحكم فيه ، نعم يمكن حمل كلام القائل بحرمة ذلك على ما إذا خاف عليه التنجيس ولو لم يغيبه حتى دخل غيبه ندبا بنحو ضم كفه عليه ، ولو تختم في يساره بما عليه معظم وجب نزعه عند الاستنجاء لحرمة تنجيسه كما قاله الإسنوي وغيره ( ويعتمد جالسا يساره ) ناصبا يمناه بأن يضع أصابعها على الأرض ويرفع باقيها تكريما لليمين ولأنه أسهل لخروج الخارج ، ولو بال قائما فرج بينهم واعتمدهما كما قاله الشارح ، خلافا لمن ذهب إلى أنه جرى على الغالب ( ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ) [ ص: 134 ] أدبا في البنيان
حاشية الشبراملسي
فصل في أحكام الاستنجاء ( قوله : في أحكام الاستنجاء ) أي في آداب الخلاء محلى ولو عبر به كان أولى ، ولعله اقتصر على ما ذكره إشارة إلى أنه المقصود ، لأن الاستنجاء مطهر والكلام في الطهارة ، وهو من خصائصنا كما نقل عن ابن سراقة وغيره .
وقال ابن الرفعة : إنه ظاهر كلام الأصحاب ا هـ سم في شرح الغاية .
قلت : المراد بالاستنجاء بالحجر فقط كما نقل عن السيوطي ، وعبارته في الينبوع : قلت ذكر ابن سراقة في الإعداد وغيره أن إجزاء الحجر في الاستنجاء من خصائص هذه الشريعة ا هـ وإن كان ظاهر العبارة يوهم أنه من خصائصنا مطلقا وليس مرادا ، ويدل لما قاله السيوطي ما قاله الإمام الزاهد أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي في بستان العارفين فيما يتعلق بالأنبياء ما نصه : وكان إبراهيم أول من استاك وأول من استنجى بالماء وأول من جز شاربه وأول من رأى الشيب وأول من اختتن وأول من اتخذ السراويل وثرد الثريد ( قوله : من الآداب ) جمع أدب وهو المستحب ، وعليه فليس منها ما يأتي من وجوب عدم الاستقبال والاستدبار للقبلة بالصحراء ، فيكون التعبير بالآداب تغليبا ، ويحتمل أن المراد بالأدب هنا المطلوب شرعا فيشمل المستحب والواجب ، وعليه فلا تغليب في العبارة ( قوله : ويعبر عنه بالاستنجاء ) [ ص: 130 ] الضمير في عنه للاستنجاء بمعنى الإزالة وهو غير لفظ الاستنجاء فلم يتحد المعبر به مع المعبر عنه ( قوله : لأنه يسن تقديمه إلخ ) أي ولأنه ينبغي لمن أراد الوضوء أن يفرغ نفسه أولا مما يمنع الخشوع ، فمن ثم قدم آداب الخلاء ( قوله : في حق السليم ) ويجب في حق صاحب الضرورة ( قوله : من ذكر ) أي السليم ( قوله : عند إرادة قضاء حاجته ) ليس بقيد ، بل لو دخل لوضع متاع أو أخذه كان الحكم كذلك ، ويدل له ما سيأتي في دخول الحمام ونحوه .
وعبارة حج يقدم داخل الخلاء ولو لحاجة أخرى ، وكذا في أكثر الآداب الآتية وعبر به كالخارج للغالب ا هـ ( قوله : ولو بمحل ) كأنه أشار بالغاية إلى أن الخلاء مستعمل في مكان قضاء الحاجة مطلقا مجازا ، وإلا فالخلاء عرفا كما في المحلي البناء المعد لقضاء الحاجة ( قوله : بإرادة قضاء الحاجة ) أي فلا يتوقف استقذاره على قضاء الحاجة فيه ، ومع ذلك لا يصير مأوى للشياطين إلا بخروج الخارج فيه كما في المحلي ، وعليه فلا يلزم من الاستقذار كونه مأوى للشياطين ، وينبغي زوال الاستقذار بزوال عين النجاسة عن المحل ( قوله كالخلاء الجديد ) الظاهر أن المراد بما ذكر أن الخلاء يصير مستقذرا بالإعداد ، لا أنه يتوقف على إرادة قضاء الحاجة ( قوله من ذلك ) أي من قوله إذ اليسرى إلخ ( قوله : لا تكرمة فيه ولا إهانة ) كالبيوت ( قوله : لكن قضية قول المجموع إلخ ) هذا قد يشكل تصوره مع قولهم إذا انتقل من شريف إلى أشرف روعي الأشرف دخولا وخروجا ، ومن مستقذر إلى أقذر روعي الأقذر [ ص: 131 ] كذلك ، وإن انتقل من شريف لشريف أو من مستقذر لمثله تخير ، وأنه إذا انتقل من بيت إلى آخر تخير ، وأن بقاع المكان الواحد لا تفاوت فيها ، فما صورة ما لا تكرمة فيه ولا إهانة من غير ذلك حتى يفرض فيه الخلاف ؟ إلا أن يقال : المراد الفعل الذي لا تكرمة فيه ولا إهانة كأخذ متاع لتحويله من مكان إلى آخر ( قوله : يقتضي أن يكون فيها باليسار ) أي في صورة ما لا تكرمة فيه إلخ ، واعتمده الزيادي ( قوله : فالعبرة بما بدأ به ) أي فيقدم اليمين عند دخول المسجد ويتغير عند دخوله الآخر حج ، وعلى قياسه يقدم اليسار عند دخوله المستقذر ويتخير في الثاني ، وليس من المستقذر فيما يظهر السوق والقهوة بل القهوة أشرف فيقدم يمينه دخولا . [ فائدة ] وقع السؤال عما لو جعل المسجد موضع مكس مثلا ، ويتجه تقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا ، لأن حرمته ذاتية فتقدم على الاستقذار العارض ، ولو أراد أن يدخل من دنيء إلى مكان جهل أنه دنيء أو شريف فينبغي حمله على الشرافة ا هـ سم على بهجة .
قلت : بقي ما لو اضطر لقضاء الحاجة في المسجد ، فهل يقدم اليسار لموضع قضائها أو يتخير لما ذكره من الحرمة الذاتية ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن حرمته ذاتية ، ومعلوم أن الكلام كله حيث علم وقفه مسجدا ، أو شرافته وخسته ، أما لو اعتاد الصلاة فيه من غير وقف ثم اتخذوه زريبة مثلا فينبغي مراعاة حاله وقت الدخول من الشرافة في الأول والخسة في الثاني ( قوله : شرفا ) أي في الحس فإن قريب المنبر مثلا لا يساوي ما قرب من الباب في النظافة ، ومع ذلك لا نظر إلى هذا الشرف فيتخير في مشيه من أول المسجد إلى محل جلوسه ( قوله : وخسة ) قد يقتضي أنه إذا كان للخلاء دهليز طويل ودخله باليسار ثم انتهى الجلوس تخير .
وعبارة ابن حجر : وفيما له دهليز طويل يقدمها عند بابه ووصوله لمحل جلوسه ا هـ .
وكتب عليه ابن قاسم قوله لمحل إلخ : أي ويمشي كيف اتفق في غيرهما لأنه أقذر مما بينه وبين الباب ، ويحتمل أن يتخير عند وصوله لمحل جلوسه أيضا لأن جميع ما بعد أجزاء الباب محل واحد ، ويؤيده التخيير عند وصوله ذلك إذا لم يكن دهليزا وكان قصيرا فليتأمل ، وهو موافق لما اقتضاه كلام الشارح من التخيير ( قوله : في المسجد والبيت ) أي الحرام فيقدم يمينه دخولا وخروجا فيهما خلافا لابن حجر ( قوله : ومثله الصاغة ) وينبغي أن مثل هذه المذكورات المحلات [ ص: 132 ] المغضوب على أهلها ومقابر الكفار ( قوله ولا يحمل ذكر الله ) هو ما تضمن ثناء أو دعاء ، وقد يطلق على كل ما فيه ثواب ، وينبغي أن يلحق بذلك كل محل مستقذر ، وإنما اقتصر على الخلاء لكون الكلام فيه . [ فائدة ] وقع السؤال في الدرس عما لو نقش اسم معظم على خاتم لاثنين قصد أحدهما به نفسه والآخر المعظم ، فهل يكره الدخول به الخلاء أو لا ؟ الأقرب أنه إن استعمله أحدهما عمل بقصده أو غيرهما لا بطريق النيابة عن أحدهما بعينه كره تغليبا للمعظم ( قوله مما يجوز حمله إلخ ) يمكن أنه يبقى على ظاهره ، ويقال الواحد بالشخص له جهتان فهو حرام من جهة الحمل مع الحدث مكروه من جهة الحمل له في المحل المستقذر ، ثم رأيته في ابن قاسم على حج ( قوله : وخاصتهم إلخ ) قضيته أنه لا يلحق بذلك صلحاء المؤمنين ، وعليه فقد يفرق بينهم وبين عوام الملائكة بأن أولئك معصومون ، وقد يوجد في المفضول مزية لا توجد في الفاضل ا هـ سم على حج .
وقد يقال ما ذكره في صلحاء المؤمنين يخالف قوله ، وكل اسم معظم إلخ : أي ولو مغمورا في غيره ا هـ سم على بهجة ( قوله : معظم ) قال في شرح الإرشاد دون التوراة والإنجيل إلا ما علم عدم تبدله أو شك فيه منهما فيما يظهر لأنه كلام الله وإن كان منسوخا ا هـ سم على حج ( قوله : قامت قرينة إلخ ) أي فإن لم تقم قرينة فالأصل الإباحة ، وبقي ما يوجد نظمه في غير القرآن مما يوافق لفظ القرآن كلا ريب مثلا فهل يكره حمله أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ما لم تدل قرينة على إرادة غير القرآن ( قوله : بقصد كاتبه ) أو غيره تبرعا قياسا على ما مر في التميمة ، وإلا فالعبرة بقصد الآمر أو المستأجر لو قصد به كاتبه لنفسه المعظم ثم باعه فقصد به المشتري غير المعظم فهل يؤثر قصد المشتري ؟ فيه نظر .
ثم رأيت في شرح العباب : ألا ترى أن اسم المعظم إذا أريد به غيره صار غير معظم ا هـ سم على حج .
قلت : ويبقى الكلام فيما لو قصد أولا غير المعظم ثم باعه وقصد به المشتري المعظم أو تغير قصده ، وقياس ما ذكروه في الخمرة من أنها تابعة للقصد الكراهة فيما ذكر تأمل ، وينبغي أن ما كتبه للدراسة لا يزول حكمه بتغير قصده لأنه بذلك القصد صارت قرآنيته مقصودة فيثبت له حكم القرآن ، وبعد ثبوت حكمه لا يزول .
وعليه فلو أخذ ورقة من المصحف وقصد جعلها تميمة لا يجوز مسها ولا حملها مع الحدث سيما وفي كلام ابن حجر ما يفيد في : كتب تميمة ثم قصد بها الدراسة لا يزول حكم التميمة ا هـ .
ولو كان صاحب الاسم الذي كتب على الخاتم اسمه وليا ليتميز عن غيره ولم يقصد به معظما فهل يقال يكره له الدخول به نظرا إلى أنه معظم أو لا لأنه لم يقصد به نفسه من حيث التعظيم بل ليتميز عن غيره فيه نظر ، واستقرب سم على حج الكراهة فليراجع ، وهذا محتمل إن قلنا إن صلحاء المؤمنين ملحقون بعوام الملائكة ، وإلا فلا يأتي السؤال من أصله .
وبقي ما لو حمل الولي ودخل به هل يكره أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الكراهة حيث دخل لقضاء الحاجة .
ولا يبعد الكراهة تغليبا للمعظم ويحتمل أن ينظر فيه لقصد المستعمل على ما مر ( قوله لنفسه ) وغيره تبرعا قياسا على ما مر في التميمة ا هـ حج ( قوله : وإلا فالمكتوب له ) وبقي الإطلاق وينبغي عدم الكراهة لما مر من أن الأصل الإباحة ( قوله : قال في المهمات ) أي الإسنوي ( قوله : وفي حفظي أنها كانت تقرأ من أسفل إلخ ) قال ابن حجر : ولم يصح في كيفية وضع ذلك شيء ( قوله : نعم يمكن حمل إلخ ) ويمكن أن يبقى على ظاهره ، ويقال الواحد بالشخص له جهتان : فهو حرام من جهة الحمل مع الحدث ، مكروه من جهة الحمل له في المحل المستقذر ، ثم رأيته في سم على حج ( قوله : غيبه ندبا ) فعلم أنه يطلب باجتنابه ولو محمولا مغيبا ا هـ سم على بهجة ( قوله : وجب نزعه ) ظاهره وإن لم يقصد التبرك باسم الله تعالى بل مجرد التمييز وهو ما اعتمده الشارح آخرا على ما نقله سم عنه في حاشية شرح البهجة ( قوله : لحرمة تنجيسه ) صرح في الإعلام بالكفر بإلقاء ورقة فيها اسم معظم من أسماء الأنبياء والملائكة ا هـ .
ثم أورد أنهم حرموا الاستنجاء بما فيه معظم ولم يجعلوه كفرا ، ثم فرقوا بأن تلك حالة حاجة ، وأيضا فالماء يمنع ملاقاة النجاسة ، فإن فرض أنه قصد تضمخه بالنجاسة يأتي فيه ما هنا على أن الحرمة لا تنافي الكفر ا هـ .
وكلامه في الإيراد والجواب شامل لغير الأنبياء والملائكة ا هـ سم على حج .
ويؤخذ من العلة أن الكلام عند خشية التنجس ، أما عند عدمها كأن استجمر من البول ولم يخش وصوله إلى المكتوب لم يحرم ، ويصرح به قول حج : وجب نزعه عند استنجاء ينجسه ، ويؤخذ من ذلك أيضا حرمة القتال بسيف كتب عليه قرآن لما ذكر ما لم تدع إليه ضرورة بأن لم يجد غيره يدفع به عن نفسه ( قوله : ويعتمد ) ندبا في حال قضاء حاجته ( قوله : كما قاله ) ظاهره سواء خشي التنجس لو اعتمد على اليسرى أم لا وفرق حج بينهما ( قوله : ولو بال قائما ) يخرج التغوط ويؤخذ من كلام حج أنه إن خاف التنجيس اعتمدهما وإلا اعتمد اليسار ( قوله : خلافا لمن ذهب إلخ ) هو شيخ الإسلام في المنهج ( قوله : ولا يستقبل القبلة ) قال في الخادم : من المهم بيان المراد بالقبلة هنا هل هو العين أو الجهة فيحتمل العين لأنه المراد حيث أطلق في غير هذا الباب ، ويحتمل الجهة لقوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=70789ولكن شرقوا أو غربوا } ا هـ ، ولعل المتجه الثاني ، ثم رأيت شيخنا الرملي قاله وكذا م ر اعتمده ثم اعتمد الأول . [ ص: 134 ] فرع ] أشكل على كثير من الطلبة معنى استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط ، ولا إشكال لأن المراد باستقبالها بهما استقبال الشخص لها حال قضاء الحاجة ، وباستدبارها جعل ظهره إليها حال قضاء الحاجة ا هـ سم على منهج . [ تنبيه ] ظاهر كلامهم عدم حرمة استقبال المصحف واستدباره ببول أو غائط وإن كان أعظم حرمة من القبلة .
وقد يوجه بأنه يثبت للمفضول ما لا يثبت للفاضل ، نعم قد يستقبله أو يستدبره على وجه يعد إزراء فيحرم بل قد يكفر به ، وكذا يقال في استقبال القبر المكرم واستدباره ا هـ سم على حج ( قوله : أدبا في البنيان ) أي حيث كان بساتر معتبر كما يعلم من قوله الآتي أو في غير معد بستره فخلاف الأولى
حاشية المغربي
[ ص: 128 - 129 ] فصل في أحكام الاستنجاء ( قوله : في أحكام الاستنجاء ) أي وآداب الخلاء ، ولم يذكرها في الترجمة ; لأنها في الفصل تبع للاستنجاء المقصود منه بالذات ، إذ الكلام في الطهارات ولا يضر تقديمها عليه في الذكر ; لأنه بالنظر لتقدمها في الواقع ( قوله : إلا الاستقبال والاستدبار ) يعني ما يتعلق بهما ، إذ الأدب إنما هو تركهما لا هما إذ هما إما حرامان أو مكروهان أو خلاف الأولى أو مباحان كما يأتي ( قوله : والاستنجاء ) مبتدأ خبره يعتبر عنه .
ووقع في نسخ زيادة [ ص: 130 ] واو قبل يعبر وهي غير صواب ، والمراد بالاستنجاء هنا الفعل المخصوص بقرينة قوله بشروطه الآتية ، والمراد به فيما بعده اللفظ ، فلا اتحاد في المعبر به ، والمعبر عنه ( قوله : عند إرادة قضاء حاجته ) إنما قيد به لتكون المتعاطفات الآتية في كلام المصنف على وتيرة واحدة ، إذ من جملتها اعتماد اليسار والاستقبال وغيرهما ، وذلك لا يكون إلا في قاضي الحاجة .
وأيضا فجميع ما في المتن إنما هو بالنسبة إليه ; لأن الكلام فيه وإن زاد الشراح عليه ما يشاركه في الحكم .
وأيضا فالصحراء المشمولة بلفظ الخلاء كما يأتي لا يقدم فيها اليسار إلا عند إرادة ما ذكر ( قوله : كالخلاء الجديد ) ظاهر التشبيه أن الخلاء الجديد لا يصير مستقذرا إلا بإرادة قضاء الحاجة فيه فلا يكفي بناؤه لذلك ، لكن بحث شيخنا أن هذا هو المراد بالإرادة المذكورة وعليه فالتشبيه ناقص ( قوله : إذ اليسرى للأذى ) أي كل يسرى لكل أذى مع قطع النظر عن خصوص الدخول ، والخروج وإلا يلزم تعليل الشيء بنفسه ، وحينئذ فقول الزركشي إن ما لا تكرمة فيه ولا إهانة يكون باليمين أعم من الدخول ، والخروج أيضا كما هو ظاهر فيشمل نحو نقل أمتعة من محل إلى آخر فيكون باليمين على ما قاله .
فلا يرد أن المسألة ليس لها صورة في الخارج ، إذ الداخل إلى المحل المذكور إن كان من شريف فظاهر أنه يقدم اليسار ، وإن كان من مساو له فظاهر أنه يتخير ، فإنه مبني على أن المسألة في خصوص الدخول ، والخروج ، وقد عرفت أنه ليس كذلك ما ذكر عن المجموع إن كانت عبارته ما ذكر يقتضي أن المعية مفروضة في ذلك لتعبيره بيبدأ وحينئذ فيأتي فيه ما مر من التوقف ، والظاهر من سياق الشيخ اعتماد ما في [ ص: 131 ] المجموع وصرح باعتماده الزيادي ( قوله : ولو خرج عن مستقذر لمستقذر ) هل وإن تفاوتا في الاستقذار ليشمل ما إذا خرج من سوق الخلاء وعكسه ، ويكون قوله ولا نظر إلى تفاوت بقاع المحل شرفا بيانا لهذا يجعل أل في المحل للجنس ، أو المراد وإذا تساويا في الاستقذار الطاهر منه فإن كان الأول ففيه وقفة وإن كان الثاني ، فهو واضح ، إلا أنه حينئذ يكون ساكتا عن حكم ما فيه التفاوت في الاستقذار فليس في كلامه واستدراكه الآتي ما يؤيد الأول ( قوله : أو من مسجد لمسجد ) الظاهر أن مثله ما لو دخل من بيت لبيت مثلا فلو عبر بما يشمل ذلك كان أولى ( قوله : لشرفهما ) أي الكعبة ، والمسجد الحرام : أي الشرف المخصوص بهما ، فكل منهما فيه شرف ذاتي مخصوص ليس في غيره فروعي لأجله ، فلا يرد أن الشارح لا ينظر إلى تفاوت الشرف حيث وقع الاشتراك في أصله كما هو المتبادر [ ص: 132 ] من كلامه كما قدمنا وعبارة الشهاب ابن قاسم لمزيد عظمتها ( قوله : ذكر الله ) أي ما يثاب عليه المشتغل به ثواب الذاكر كما هو صريح عبارته التي تبع في صدرها الجلال المحلي ، فشمل ذلك القرآن وبعضه ، والجمل التي فيها ثناء على الله تعالى ، وخرج به اسم الله تعالى مفردا بناء على أنه ليس بذكر ، وكذلك ما عطف عليه ، ولهذا قال ويلحق بذلك فتأمل ( قوله : وكل اسم معظم ) بالإضافة حتى يتأتى قوله : وقصد به التعظيم ( قوله وقصد به التعظيم ) [ ص: 133 ] الأولى المعظم ( قوله : وإلا فالمكتوب له ) ظاهر سواء كانت الكتابة تبرعا أو بأجرة .
ولابن حجر رحمه الله تعالى في ذلك تفصيل قدمه في باب الحدث وأحال عليه هنا ، وانظر ما لو كان يكتب لغيره بغير علمه ( قوله : وشمل ذلك ما لو حمل معه مصحفا ) يقال عليه فلم قيد المتن بقوله مما يجوز حمله مع الحدث ( قوله : نعم يمكن حمل كلام القائل إلخ ) [ ص: 134 ] لا يتأتى هذا الحمل مع تعليله الحرمة بأنه يلزم منه غالبا حمله مع الحدث ( قوله : أدبا في البنيان ) أي غير المعد .
واعلم أنه إذا أراد بالبنيان ما فيه بناء مطلقا وبالصحراء ما لا بناء فيه كذلك ، وهو الذي يدل عليه قوله الآتي بدون ساتر ، ورد أن البناء المذكور حكمه حكم الصحراء من كل وجه ، فإن كان فيهما ستر على الوجه الآتي فلا حرمة وإلا حرم فيهما الاستقبال والاستدبار ، فما وجه جعلهما في البنيان مجرد أدب بخلاف الصحراء ، وإن أراد بالبنيان ما فيه سترة سواء كان في محل مبني أو في بحر أو بالصحراء ما لا سترة فيه سواء كان في محل مبني أو في صحراء ، وهو الذي في شرح البهجة الكبير لم يتأت قوله بدون ساتر فتدبر