وبحث الأذرعي صحة اقتداء من يحسن نحو التكبير أو التشهد أو السلام بالعربية بمن لا يحسنها بها . ووجهه أن هذه لا مدخل لتحمل الإمام فيها فلم ينظر لعجزه عنها ، وتصح القدوة بمن جهل إسلامه أو قراءته ; لأن الأصل الإسلام ، والظاهر من حال المسلم المصلي أنه يحسن القراءة ، فإن أسر هذا في جهرية أعاد المأموم صلاته ، إذ الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر ، ويلزمه كما نقله الإمام عن أئمتنا البحث عن حاله ، أما في السرية فلا إعادة عليه عملا بالظاهر ولا يلزمه البحث عن حاله كما لا يلزمه البحث عن طهارة الإمام .
نقله ابن الرفعة عن الأصحاب ، لا إن قال بعد سلامه من الجهرية : نسيت الجهر أو أسررت لكونه جائزا وصدقه المأموم فلا تلزمه الإعادة ، بل تستحب ، وإن لم يجهل المأموم وجوب الإعادة خلافا للسبكي ، إذ متابعة المأموم لإمامه بعد إسراره لا تبطل [ ص: 171 ] عملا بما تقدم من التعليل .
وهذا ، وإن عارضه أن الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر ترجح عليه باحتمال أن يخبر إمامه بعد سلامه بأنه أسر ناسيا أو لكونه جائزا فسوغ بقاء المتابعة ، ثم بعد السلام إن وجد الإخبار المذكور عمل بالأول ، وإلا فبالثاني ، ويحمل سكوته عن القراءة جهرا على القراءة سرا حتى تجوز له متابعته . وجواز الاقتداء لا ينافي وجوب القضاء ، كما لو اقتدى بمن اجتهد في القبلة ثم ظهر الخطأ فإنه في حال الصلاة متردد في صحة القدوة ، كذا أفادنيه الوالد رحمه الله تعالى ، ولم أر من حققه سواه .
حاشية الشبراملسي
( قوله : بمن لا يحسنها بها ) صادق بمن لا يحسنها بلغة أصلا والتعليل يوافقه ( قوله : لأن الأصل الإسلام ) ولا ينافي هذا ما مر من عدم صحة اقتداء الأخرس بمثله ; لأنه لم يظهر من حال أحدهما شيء يعتمد عليه من مماثلة وعدمها ( قوله : فإن أسر هذا ) أي من جهلت قراءته فلا يكفيه نية المفارقة ( قوله : أعاد المأموم إلخ ) أي إذا لم يخبره بعد السلام بأنه أسر ناسيا مثلا كما يأتي ( قوله : ويلزمه إلخ ) أي بعد السلام فله إدامة القدوة معه إلى السلام كما يأتي ( قوله : البحث عن حاله ) أي فلو لم يبحث عن حاله حتى حضرت صلاة أخرى فينبغي عدم صحة الاقتداء به لعدم جزمه بالنية ( قوله : أما في السرية ) أي بأن قرأ فيها على وجه لم يسمعه المأموم ( قوله : وإن لم يجهل ) هي غاية ( قوله : خلافا للسبكي ) أي حيث قال بوجوب الإعادة لتردد المأموم في صحة قدوته بإسرار الإمام ، وقوله عملا إلخ قد يمنع أن ما تقدم من التعليل يفيد ذلك ، بل قوله : إذ الظاهر أنه لو كان قارئا لجهر يؤيد كلام السبكي ، إلا أن يريد [ ص: 171 ] بالتعليل قوله قبل ; لأن الأصل الإسلام والظاهر إلخ ( قوله : بما تقدم من التعليل ) هو قوله : عملا بالظاهر .
وأقول : الوجوب لا يمكن خلافه في الفاتحة في الجهرية أخذا مما قرر في الفرع السابق ; لأن من لازم ثبوت الترك أنه أسر في الجهرية ولم يتبين إحسان القراءة ، وفيه نظر ; لأن الكلام فيما إذا بان قارئا لكنه ترك القراءة فهذا شيء آخر غير ما تقدم .
واعلم أنه صرح الإمام النووي بالبطلان إذا تبين أنه ترك تكبيرة الإحرام ; لأنه يطلع عليها ، فقد يقاس بذلك ترك الفاتحة إلا أن يفرق بأن من شأن الإمام الجهر بالتكبير دون الفاتحة في السرية . ا هـ سم على منهج .
وما ذكره في الفاتحة في السرية يأتي مثله في التشهد ( قوله : عمل بالأول ) هو عدم الإعادة والثاني الإعادة ( قوله : ويحمل سكوته إلى آخره ) متصل بقوله أو لكونه جائزا فسوغ بقاء المتابعة إلخ ( قوله : فإنه في حال الصلاة متردد ) تردده في هذه ليس لخلل متعلق بصلاة الإمام وحده ، بل تردده في صحة اجتهاد الإمام يورث ترددا في صحة صلاته نفسه بتقدير الانفراد لاتحاد الجهة التي استقبلاها .
حاشية المغربي
( قوله : خلافا للسبكي ) في قوله بلزوم الإعادة إذا لم يجهل المأموم وجوبها [ ص: 171 ] بأن كان عالما بذلك ; لأنه كان من حقه عدم المتابعة فمتابعته مبطلة لصلاته ( قوله : عملا بما تقدم من التعليل ) أي في قوله والظاهر من حال المسلم خلافا لما في حاشية الشيخ