باب الوضوء هو بضم الواو : اسم للفعل وهو المراد بالتبويب ، وبفتحها اسم للماء الذي يتوضأ به في الأشهر ، وقيل بالفتح فيهما ، وقيل بالضم فيهما وهو أضعفها ، وهو اسم مصدر إذ قياس المصدر التوضؤ بوزن التكلم والتعلم ، وقد استعمل استعمال المصادر .
والوضوء أصله من الوضاءة وهي النظافة والنضارة والضياء من ظلمة الذنوب .
وفي الشرع : أفعال مخصوصة مفتتحة بالنية ، وكان فرضه مع فرض الصلاة [ ص: 154 ] قبل الهجرة بسنة ، وهو معقول المعنى خلافا للإمام ومن تبعه ، وإنما اختص الرأس بالمسح لستره غالبا فاكتفى فيه بأدنى طهارة وليس من خصوصيات هذه الأمة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وإنما الخاص بها الغرة والتحجيل وموجبه الانقطاع مع القيام إلى الصلاة .
وشروطه كالغسل أمور : منها الماء المطلق ولو مظنونا ، وإسلام وتمييز وعدم صارف ، ويعبر عنه بدوام النية حكما ، وعدم مناف من نحو حيض في غير أغسال الحج ونحوها ، وإزالة النجاسة على رأي يأتي وأن لا يكون بعضوه ما يغير الماء تغيرا مضرا وأن لا يعلق نيته فلو قال نويت الوضوء إن شاء الله تعالى لم يصح إلا أن يقصد التبرك .
لا يقال : لم ألحق الإطلاق هنا بقصد التعليق وفي الطلاق بقصد التبرك إذ الفرق بينهما أن الجزم المعتبر في النية ينتفي به لانصرافه لمدلوله ما لم يصرفه عنه بنية التبرك ، وأما في الطلاق فقد تعارض صريحان : [ ص: 155 ] لفظ الصيغة الصريح في الوقوع ، ولفظ التعليق الصريح في عدمه ، لكن لما ضعف هذا الصريح بكونه كثيرا ما يستعمل للتبرك احتيج لما يخرجه عن هذا الاستعمال ، وهو نية التعليق به قبل فراغ لفظ تلك الصيغة حتى يقوى على رفعها حينئذ ، وأن يعرف كيفيته بأن لا يقصد بفرض معين نفلا ، وأن لا يكون على العضو حائل كدهن ووسخ تحت أظفار وغبار على بدن لا عرق متجمد عليه ، وقول القفال : تراكم الوسخ على العضو لا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بلمسه يتعين فرضه فيما إذا صار جزءا من البدن لا يمكن فصله عنه ، وأن يجري الماء على العضو ، ولا يمنع من عد هذا شرطا كونه معلوما من مفهوم الغسل لأنه قد يراد به ما يعم النضح ، ودخول الوقت في حق سلس أو ظن دخوله وتقديم استنجائه ، وتحفظ احتيج إليه وموالاة بينهما وبين الوضوء وبين أفعاله وبينه وبين الصلاة وعد بعضهم منها تحقيق المقتضى ، فلو شك هل أحدث أو لا فتوضأ ثم بان أنه كان محدثا لم يصح وضوءه ، وأن يغسل مع المغسول ما هو مشتبه به ، وغسل ما لا يتم الواجب إلا به وما ظهر بالقطع في محل الفرض .
ويرد بأن الأول ليس شرطا بل عند التبين وما بعده بالأركان أشبه
حاشية الشبراملسي
باب الوضوء ( قوله : هو بضم الواو ) أي لغة ( قوله : وقيل بالضم ) فجملة الأقوال ثلاثة ، ولا خصوصية لهذه بالوضوء بل هي جارية فيما كان على وزن فعول نحو طهور وسحور ( قوله وهو اسم مصدر ) أي لتوضأ كما أشار إليه بقوله إذ قياس إلخ ، ولكنه مصدر لوضوء كظرف بمعنى حسن ، لكن عبارة المختار الوضاءة الحسن والنظافة وبابه ظرف ، وقضيته أن مصدر وضوء الوضاءة فقط ، وعليه فهو اسم مصدر لوضوء أو توضأ أو مصدر منه محذوف الزوائد ( قوله أصله ) أي لغة ، وعبارة nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي في شرح المصابيح معناه لغة : اسم لغسل بعض الأعضاء ( قوله : والنضارة ) عطف تفسير ( قوله والضياء ) أي سمي بذلك لما فيه من الضياء من ظلمة الذنوب وإلا فهذا المعنى ليس لغويا ( قوله : وفي الشرع أفعال مخصوصة ) هي شاملة للغسل والمسح ( قوله : مع فرض الصلاة ) وعلى هذا فصلاته التي كان يفعلها قبل فرض الوضوء هل كان يتوضأ لها هذا الوضوء أو لا ؟ وعلى تقدير أنه كان يتوضأ فما حكمه ؟ هل كان مندوبا أو مباحا أو غير ذلك فراجعه .
قال سم بهامشه ما نصه : قد يمنع ، بل في المسح تنظيف لا سيما مع تكرره ولو سلم فيجوز أن يقصد التنظيف بجملته لكنه سومح في الرأس لنظافته والخوف عليه من الغسل وتكراره ا هـ .
والراجح أن التعبدي أفضل من معقول المعنى لأن فيه إرغاما للنفس ( قوله وإنما اختص ) فيه إشارة للرد على من قال إنه تعبدي ( قوله : الغرة والتحجيل ) أو الكيفية .
وعبارة حج : والذي من خصائصنا إما الكيفية المخصوصة أو الغرة والتحجيل ا هـ ( قوله وموجبه الانقطاع ) أي الخروج والانقطاع إلخ ( قوله : منها الماء المطلق ) والعلم بإطلاقه ا هـ شرح روض ولو عبر به كان أولى ، وقد أشار إلى اعتبار ذلك بقوله ولو مظنونا ( قوله : ولو مظنونا ) لا يخفى أنه لو شك في طهورية الماء صح طهره منه وإن لم يظن إطلاقه ، بل وإن ظن عدم إطلاقه استصحابا للأصل ، فقوله ولو ظنا لعله بالنظر إلى الجملة وفيما إذا وقع اشتباه المطلق بغيره واجتهد فيهما ا هـ سم على بهجة
قلت : أو يقال إن استصحاب الطهارة محصل للظن فيجوز أن يراد بقوله ولو ظنا الأعم من ظن سببه الاجتهاد أو استصحاب الطهارة ، ويمكن أن يجعل هذا تفسيرا لقول سم لعله بالنظر إلى الجملة ( قوله : ويعبر عنه ) أي عن عدم الصارف ( قوله : في غير أغسال الحج ) أي في الوضوء لغير أغسال الحج ، وقوله على رأي يأتي هذا في إزالته أولا بغسلة مستقلة ، أما إزالته في الجملة ولو مع الوضوء بغسلة واحدة فلا بد منها فشرطية الإزالة غير مقيدة بهذا الرأي ا هـ سم .
على بهجة ( قوله : إلا أن يقصد التبرك ) أي وحده ( قوله : إذ الفرق بينهما إلخ ) أي حيث ألحق هنا بالتعليق وثم بالتبرك وإلا فالإطلاق غير مؤثر في البابين فهو لعدم تأثيره هنا حمل اللفظ على التعليق ففسد وضوءه ولعدم تأثيره ثم حمل على التبرك فوقع الطلاق ، فالبابان من حيث عدم نفع الصيغة مع الإطلاق على حد سواء ( قوله : ينتفي به ) أي بالتعليق ( قوله : لانصرافه لمدلوله ) [ ص: 155 ] وهو التعليق ( قوله : وأن يعرف كيفيته ) أي الوضوء ، ويأتي هذا الشرط في كل ما يعتبر فيه النية وقصره على الوضوء لكون الكلام فيه ( قوله : بأن لا يقصد إلخ ) هذا يشكل بصحة الاقتداء بالمخالف ، فإن ما يأتي به مراعيا فيه للخلاف كالبسملة في الفاتحة يعتقد سنيته .
وأجاب الشارح عنه في باب صلاة الجماعة بما حاصله أنه اغتفر ذلك محافظة على كثرة الجماعة فليراجع ثم ، وظاهره ولو غير عامي ، لكن قيد في نظيره من الصلاة بالعامي . وعبارته في باب شروط الصلاة : وأفتى nindex.php?page=showalam&ids=14847حجة الإسلام الغزالي بأن من لم يميز من العامة فرض الصلاة من سننها صحت صلاته : أي وسائر عباداته بشرط أن لا يقصد بفرض نفلا ، وكلام المصنف في مجموعه يشعر برجحانه ، والمراد بعامي من لم يحصل من الفقه شيئا يهتدي به إلى الباقي ، ويستفاد من كلامه أن المراد هنا من لم يميز فرائض صلاته من سننها ، وأن العالم من يميز ذلك ا هـ ( قوله : كدهن ) أي له جرم يمنع وصول الماء ، وعبارة حج : وأن لا يكون على العضو ما يغير الماء تغيرا ضارا أو جرم كثيف يمنع وصوله للبشرة لا نحو خضاب ودهن مائع ( قوله : ووسخ ) أي حيث لم يصر كالجزء على ما يأتي ( قوله : لا عرق متجمد ) قضيته وإن لم يصر كالجزء ولم يتأذ بإزالته كما يفهمه ما ذكره في الوسخ وهو ظاهر لكثرة تكرره والمشقة في إزالته ، لكن في ابن عبد الحق : نعم إن صار الجرم المتولد من العرق جزءا من البدن لا يمكنه فصله عنه فله حكمه فلا يمنع صحة الوضوء ولا النقض بمسه ا هـ ( قوله لا يمكن فصله عنه ) أي بحيث يخشى من فصله محذور تيمم ( قوله : لأنه قد يراد به ) أي بالغسل ( قوله : وموالاة بينهما وبين الوضوء إلخ ) عبارة حج : والولاء بينهما وبينهما وبين الوضوء ا هـ .
وهي تفيد وجوب الموالاة بين الاستنجاء والتحفظ بخلاف عبارة الشارح ويستثنى من ذلك ما إذا كان السلس بالريح فلا يشترط الموالاة بين الاستنجاء والوضوء ا هـ سم على حج .
قلت : ويشترط تقدم الاستنجاء على الوضوء لأنه يشترط لطهر صاحب الضرورة تقدم إزالة النجاسة ( قوله : وعد بعضهم منها تحقق المقتضى ) أي إن بان الحال حج ، وعليه فالتفريع ظاهر وظاهره أن هذا القيد في كلام من عده شرطا ، وعليه فلا يرد قول الشارح ويرد بأن الأول إلخ ( قوله بل عند التبين ) أي تبين [ ص: 156 ] الحدث
حاشية المغربي
باب الوضوء ( قوله : والضياء من ظلمة الذنوب ) لا يخفى أن كونه خصوص ظلمة الذنوب بالمعنى الشرعي معنى شرعي لا لغوي ، فلعل المعنى اللغوي الضياء المعنوي كالحسي فيدخل فيه الضياء من ظلمة الذنوب من حيث كونها عيوبا [ ص: 154 ] معنوية لا من حيث خصوص المعنى الشرعي فيها ، أو أن المراد بالذنوب الذنوب اللغوية ( قوله : لستره غالبا ) أي وإنما لم يمسح شيء من باقي البدن ; لأنه لا يتكرر كشفه كالرأس ( قوله : وموجبه الانقطاع ) شمل الحدث الاختياري وغيره ، فيقتضي أنه لو مس امرأة واستمر واضعا يده لا يجب عليه الوضوء وإن خرج الوقت ، ; لأنه ما دام كذلك لم ينقطع حدثه فلا بد من شيء يخرج هذا ونحوه ( قوله : وإزالة النجاسة ) أي تقدم إزالتها بغسل غير غسل الحدث ، وإلا فمطلق إزالتها قدر متفق عليه ( قوله : ينتفي به ) أي بهذا اللفظ [ ص: 155 ] قوله : دهن ) أي جامد ( قوله : لا يمكن ) يعني يتعسر فصله ( قوله : وبينه وبين الصلاة ) هذا شرط لجواز فعل الصلاة به لا شرط لصحته كما هو ظاهر ( قوله : ليس شرطا ) على الإطلاق وإنما هو شرط عند تبين الحال بمعنى : إذا تبين الحال تبينا عدم صحة الوضوء لفوات شرط من شروطه ، وهو تحقق المقتضي .
[ ص: 156 ] قوله : فيجتمع ستة وثلاثون ) أي بالنظر إلى كون فروضه في الخارج ستة ، فكأن المصنف قال كل فرض من فروضه المعلوم في الخارج أنها ستة ستة ، وإلا فالعبارة لا تقتضي هذا الحصر قبل الإخبار بستة وإنما صريحها أن كل فرض من فروضه الغير المحصورة ستة فتأمل ( قوله : وهو ) أي الكلي أما الكلية فهي المحكوم فيها على كل فرد فرد مطابقة ، والكل هو المحكوم فيه على جملة الأفراد كما علمت كلها من كلامه ( قوله : ولا عقلا ) الأولى أو عقلا ( قوله : من دلالة الاقتضاء ) أي وهي التي يتوقف الصدق أو الصحة فيها على إضمار ، والمضمر هنا لفظ جملة أو مجموع أو نحو ذلك ( قوله : على الناوي ) أي ولو حكما ليدخل الصبي الذي يوضئه وليه للطواف ( قوله : أي رفع حكمه ) أي فالمراد من الحدث الأسباب ، وإنما حمله عليها ; لأنها التي تتأتى فيها جميع الأحكام الآتية التي من جملتها [ ص: 157 ] ما لو نوى غير ما عليه ( قوله : لم يصح كما قاله الزركشي إلخ ) أي ; لأن الحدث لا يتجزأ إذا بقي بعضه بقي كله كما [ ص: 158 ] يأتي ( قوله : وحكمها الوجوب ) أي وإن كان المفعول مندوبا فمعنى الوجوب ما لا بد منه للصحة ( قوله : وزمنها أول الواجبات ) الأولى أول العبادات ( قوله : وشرطها إسلام الناوي إلخ ) ، ويلزم من كون هذه المذكورات شروطا للنية التي هي ركن للوضوء أن تكون شروطا للوضوء ، ومن ثم قدمها في شروط الوضوء فلا يرد ما قاله شيخنا في الحاشية .
( قوله : وعلمه بالمنوي ) لعل المراد منه أنه لا يقصد بفرض نفلا ( قوله : وعدم إتيانه بمنافيها ) المنافي هنا غير [ ص: 159 ] المنافي المتقدم في شروط الوضوء كما علم من قوله بأن يستصحبها حكما ، فالمنافي عدم الاستصحاب المذكور ، وهو الصرف ( قوله : وشمل ذلك ما لو نوى به ) أي بالوضوء : أي بأي نية كما يفيده كلام غيره وليس بما خاصا قبله ( قوله : وما لو نوى أن يصلي به الظهر إلخ ) أي والصورة أن نيته غير رفع الحدث بقرينة ما بعده ( قوله : وفيما رد به ) ببنائه للمجهول إذ المردود به ليس في كلام الشارح ، ولعل المراد به ما إذا نوى رفع بعض أحداثه كما يستفاد من [ ص: 160 ] الفرق ، أو أن المراد المسألة المذكورة قبل هذه ( قوله : ووجهه ) أي كلام البغوي ( قوله : لكون المراد به إلخ ) لا يتأتى في الوضوء المجدد مع أنه يصح فيه فرض الوضوء ( قوله : وإن ذهب الإسنوي . إلخ )
الإسنوي لم يذهب إلى ذلك . وإنما ذهب إلى عدم الاكتفاء بما ذكر ، ثم بحث الاكتفاء بعد جزمه بالأول ، ثم أشار إلى رد البحث . وعبارة شرح الروض : تنبيه ما تقرر من الاكتفاء بالأمور السابقة محله في الوضوء غير المجدد ، أما المجدد فالقياس عدم الاكتفاء فيه بنية الرفع أو الاستباحة .
وقد يقال : يكتفى بها كالصلاة المعادة ، غير أن ذاك مشكل خارج عن القواعد فلا يقاس عليه ، ذكره في المهمات ا هـ .
( قوله : وتعقبه ابن العماد ) أي في قوله ردا على البحث . فيما ذهب إليه من [ ص: 161 ] عدم الاكتفاء بما ذكر كما علم مما مر ( قوله : ويرد ذلك ) في هذا الرد نظر ، إذ لا دخل لكون فرضه الأولى أو الثانية فيما نحن فيه ( قوله وغيرهما ) أي مما ليس عبادة أصلا كالتبرد ( قوله : ونحوها ) أي كنية أداء الوضوء المشارك لنية الاستباحة في الاكتفاء به وإن لم يقدمه الشارح