( ومحله ) الأصلي الذي يجب منه كسائر مؤن التجهيز ( أصل التركة ) كما سيأتي أول الفرائض أنه يبدأ من التركة بمؤنة تجهيزه ، إلا أن يتعلق بعين التركة حق فيقدم عليها ، ويستثنى من هذا الأصل من لزوجها مال ويلزمه نفقتها فكفنها ونحوه عليه في الأصح الآتي ، ويجاب من قال من الورثة أكفنه من التركة لا من قال أكفنه من مالي دفعا للمنة عنه ، ومن ثم لا يكفن فيما تبرع به أجنبي عليه إلا إذا قبل جميع الورثة ، وليس لهم إبداله كما قالاه في الهبة عن أبي زيد إن كان ممن يقصد تكفينه لصلاحه أو علمه فيتعين صرفه إليه ، فإن كفنوه في غيره ردوه لمالكه وإلا كان لهم أخذه وتكفينه في غيره ، ولو سرق الكفن وضاع قبل قسم التركة لزمهم إبداله منها ، فلو قسمت لم يلزمهم لكن يسن ، ومحله كما بحثه الأذرعي إذا كان قد كفن أولا [ ص: 461 ] في الثلاثة التي هي حق له ، إذ التكفين بها غير متوقف على رضا الورثة كما مر .
أما لو كفن منها بواحد فينبغي أن يلزمهم تكفينه من تركته بثان وثالث ، إن كان الكفن من غير ماله ولم يكن له مال فكمن مات ولا مال له ، ويراعى فيه حاله سعة وضيقا وإن كان مقترا على نفسه في حياته ولو كان عليه دين كما اقتضاه إطلاقهم ، ويفرق بينه وبين نظيره في المفلس بأن ذاك يناسبه إلحاق العار به الذي رضيه لنفسه لعله ينزجر عن مثل فعله بخلاف الميت ( فإن لم يكن ) للميت في غير الصورة المستثناة تركه ( فعلى من عليه نفقته من قريب ) أصل أو فرع صغير أو كبير لعجزه بموته ( أو سيد ) في رقيقه ولو مكاتبا وأم ولد اعتبارا بحال الحياة في غير الكتابة ولانفساخها بموت المكاتب ولو مات من لزمه تجهيز غيره بعد موته وقبل تجهيزه وتركته لا تفي إلا بتجهيز أحدهما فقط ، فهل يقدم الميت الأول لسبق تعلق حقه أو الثاني لتبين عجزه عن تجهيز غيره ؟ الأوجه كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى الثاني كما سيأتي في الفرائض إن شاء الله تعالى .
وأما المبعض فإن لم تكن بينه وبين سيده مهايأة فالحكم واضح ، وإلا فمؤن تجهيزه على من مات في نوبته .
ولا يلزم الولد تجهيز زوجة أبيه وإن لزمه نفقتها حية لزوال ضرورة الإعفاف ( وكذا ) محل الكفن أيضا ( الزوج ) الموسر ولو بما انجر إليه من إرثها حيث كانت نفقتها لازمة له فعليه تكفين زوجته حرة كانت أو أمة رجعية أو بائنا حاملا لوجوب نفقتها عليه في الحياة ، بخلاف نحو الناشزة والصغيرة ، فإن أعسر عن تجهيز الزوجة الموسرة أو عن بعضه جهزت أو تمم تجهيزها من حالها ( في الأصح ) [ ص: 462 ] لما مر ، وبما تقرر علم أن جملة وكذا الزوج عطف على أصل التركة كما أشار له الشارح ردا لما قيل إن ظاهره يقتضي أن محل وجوب الكفن على الزوج حيث لا تركة للزوجة ، وهو مخالف حينئذ لما في الروضة وأصلها .
والثاني لا يجب عليه لفوات التمكين المقابل للنفقة ، ولو امتنع الزوج الموسر من ذلك أو كان غائبا فجهز الزوجة الورثة من مالها أو غيره رجعوا عليه بما ذكر إن فعلوه بإذن حاكم يراه وإلا فلا ، وقياس نظائره أنه لو لم يوجد حاكم كفى المجهز الإشهاد على أنه جهز من مال نفسه ليرجع به ، ولو أوصت أن تكفن من مالها وهو موسر كانت وصية الوارث ; لأنها أسقطت الواجب عنه ، وإنما لم يكن إيصاؤه بقضاء دينه من الثلث كذلك ; لأنه لم يؤثر على أحد منهم بخصوصه شيئا حتى يحتاج لإجازة الباقين ، ويجب على الزوج أيضا تجهيز خادم الزوجة على أصح الوجهين ، هذا إن كانت مملوكة لها ، فإن كانت مكتراة أو أمته أو غيرهما فلا يكفي حكمه ، ومعلوم أن التي أخدمها إياها بالإنفاق عليها كأمتها ، ولو ماتت زوجاته دفعة بهدم أو غيره ولم يجد إلا كفنا واحدا فالقياس الإقراع إن لم يكن ثم من يخشى فسادها وإلا قدمت على غيرها أو مرتبا فالأوجه تقديم الأولى مع أمن التغير أخذا مما مر .
وقال البندنيجي : لو مات أقاربه دفعة بهدم أو غيره قدم في التكفين وغيره من يسرع فساده ، فإن استووا قدم الأب ثم الأقرب فالأقرب ، [ ص: 463 ] ويقدم من الأخوين أسنهما ، ويقرع بين الزوجتين : وذكر بعضهم احتمال تقديم الأم على الأب ، وفي تقديم الأسن مطلقا نظر ، ولا وجه لتقديم الفاجر الشقي على البار التقي وإن كان أصغر منه ، ولم يذكر ما إذا لم يمكنه القيام بأمر الكل ، ويشبه أن يجيء فيه خلاف من الفطرة أو النفقة ا هـ .
وسيأتي بعض ذلك في الفرائض .
ولو ماتت الزوجة وخادمتها معا ولم يجد إلا تجهيز إحداهما فالأوجه أخذا مما مر تقديم من خشي فسادها ، وإلا فالزوجة ; لأنها الأصل والمتبوعة ، ولو لم يكن للميت مال ولا من تلزمه نفقته فمؤنة تجهيزه في بيت المال كنفقته حال حياته ، فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين .
حاشية الشبراملسي
( قوله : فكفنها ونحوه ) أي من مؤنة الغسل والحمل والدفن ، بخلاف الحنوط ونحوه فلا يجب أخذا مما قدمه ( قوله : دفعا للمنة عنه ) أي عن الممتنع من التكفين من غير التركة ( قوله : ومن ثم لا يكفن ) أي لا يجوز ( قوله : إلا إن قبل جميع الورثة ) أي إن كانوا أهلا .
( قوله : فإن كفنوه في غيره ردوه ) أي وجوبا لمالكه أخذ من هذا ما يقع كثيرا من أنه إذا مات شخص يؤتى له بأكفان متعددة أنه يكفن في واحد منها وما فضل رد لمالكه ما لم يتبرع به المالك للوارث ، أو تدل القرينة على أنه قصد الوارث دون الميت ، فلو أراد الوارث تكفينه في الجميع جاز إن دلت قرينة على رضا الدافعين بذلك كنحو اعتقادهم صلاح الميت ، وإلا كفن في واحد باختيار الوارث وفعل في الباقي ما سبق من استحقاق المالك له إلا أن تبرع به إلخ ، ولا يكفي في عدم وجوب الرد ما جرت به العادة من أن من دفع شيئا لنحو ما ذكر لا يرجع فيه بل لا بد من قرينة تدل على رضا الدافع بعدم الرد ( قوله : وإلا ) أي إلا يقصد تكفينه ( قوله وضاع ) الواو بمعنى أو ( قوله : لزمهم إبداله ) وصورة المسألة ما إذا انكشف القبر ، وإلا فلو كان مستورا بالتراب فلا وجوب بل يحرم النبش كمن دفن ابتداء بلا تكفين ، ويترتب على ذلك أنه لو فتح فسقية فوجد بعض أمواتها بلا كفن لنحو بلائه وجب ستره وامتنع سدها بدون ستره ، ويكفي وضع الثوب عليه ولا يضم فيها ; لأن فيه انتهاكا له ، وقد يقال : إذا أمكن لفه في الكفن بلا إزراء وجب ، بخلاف ما إذا توقف على إزراء كأن تقطع أو خشي تقطعه بلفه .
قال م ر : وتجب إعادة الكفن كلما بلي وظهر الميت ، والوجوب على من تلزمه نفقته في الحياة كما تجب النفقة أبدا لو كان حيا ، هذا ما قرره م ر في درسه ، فقلت له : هلا وجب على عموم المسلمين فامتنع ويلزمه أن يقيد قولهم إنه إذا سرق الكفن بعد السمة لم يلزمه تكفينه من التركة بما إذا لم يكن في الورثة من تلزمه نفقة الميت حيا ا هـ سم على منهج .
ولعل المراد من قوله فقلت له هلا أنه امتنع من وجوبه على عموم المسلمين مع وجود من تجب عليه نفقته في الحياة وإلا فالقياس وجوبه على بيت المال ، ثم إن لم يكن شيء فعلى عموم المسلمين أخذا من قول الشارح الآتي : ولو لم يكن للميت مال ولا من تلزمه نفقته إلخ .
ويدخل في قوله وتجب إعادة الكفن كلما إلخ أن ما يقع كثيرا من ظهور عظام الموتى من القبور لانهدامها أو نحوه يجب فيه ستره ودفنه على من تجب عليه نفقته إن كان وعرف ثم بيت المال ثم أغنياء المسلمين ( قوله : فلو قسمت لم يلزمهم ) شيء خلافا لحج ( قوله : ومحله ) أي عدم اللزوم ( قوله : إذا ) بمعنى إذ .
[ ص: 461 ] قوله : ولو كان عليه دين ) غاية ( قوله الأوجه كما أفتى به الوالد الثاني ) ظاهره وإن خيف تغير الأول ، وهو ظاهر لأنه تبين أن تجهيزه ليس واجبا عليه لعجزه ( قوله : فالحكم واضح ) أي في أنها عليهما ، فعلى السيد نصف لفافة ; لأن الواجب عليه بقطع النظر عن التبعيض لفافة واحدة ، وفي مال المبعض لفافة ونصف فيكمل له لفافتان فيكفن فيهما ، ولا يزاد ثالثة من ماله .
وبقي ما لو اختلف هل موته في نوبة السيد أو نوبته وينبغي أنه كما لو لم تكن مهايأة لعدم المرجح ( قوله : وكذا الزوج الموسر ) أي مما يأتي في الفطرة ، لكن قضية ما يأتي عن سم من أنه يترك له فوق ما يترك للمفلس أنه يباع هنا مسكنه وخادمه .
[ فرع ] لو كفن الزوجة زوجها لم يجب عليه إلا ثوب واحد ، وهل يجب تكميل الثلاث من تركتها يظهر لا ; لأن كفنها لم يتعلق بتركتها فليتأمل ، وظهر الآن وجوب تكميل من تركتها إن كان لها تركة ووافق عليه م ر ثم ذكر خلافه معتمد ، وقد يقال : ظاهر قولهم إن محل تكفين المرأة الزوج أنه لا يجب التكميل ، ولعله المراد فينبغي الأخذ به إلا بنقل يخالفه .
[ فرع ] هل يجب تكفين الذمي في ثلاثة حيث لا منع من الغرماء إن كانوا ، ولا وصية بالاقتصار على واحد كالمسلم في ذلك ظاهر إطلاقهم نعم أيضا ، وقد وافق م ر على ذلك فذكر بعض الحاضرين أنه رأي لبعضهم ما يخالف ذلك فطولب به ولم يأت به فليراجع وليحرر ا هـ سم على منهج ( قوله : بخلاف نحو الناشزة إلخ ) هل يشمل القرناء والرتقاء والمريضة التي لا تحتمل الوطء أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأن نفقة من ذكر واجبة على الزوج ( قوله : والصغيرة ) أي التي لا تحتمل الوطء ( قوله : فإن أعسر ) ويظهر ضبط المعسر بمن ليس عنده فاضل عما يترك للمفلس حج ا هـ سم على بهجة ، وقضيته أنه لو ورث منها قدرا يترك للمفلس وليس عنده غيره لا يلزمه تجهيزها وهو ظاهر ( قوله أو تمم تجهيزها من مالها ) أي بأن لم يكن له مال ولا ورث منها شيئا لوجود مانع قام بها ككفرها واستغراق الديون لتركتها المتعلقة بها .
أما إذا كانت في ذمتها فيقدم كفنها على الديون ا هـ سم على حج بالمعنى ، وكتب أيضا قوله أو تمم تجهيزها : أي إذا نقص ما أيسر به عن ثوب يستر جميع البدن أخذا من كلام سم المذكور ، وكتب [ ص: 462 ] على حج في أثناء كلام ما نصه : نعم لو أيسر الزوج ببعض الثوب فقط كمل من تركتها وينبغي حينئذ وجوب الثاني والثالث ; لأن الوجوب في هذه الحالة لاقاها في الجملة م ر .
وقوله في هذه الحالة وهي تتميم ما يستر البدن بخلافه في الحالة الأولى فإن الزوج لما أيسر بساتر جميع البدن لم يتعلق بتركتها في الابتداء شيء فاقتصر على ما وجب ( قوله : لما مر ) راجع لقوله لوجب نفقتها عليه ( قوله : حيث لا تركة للزوجة ) مشى م ر على أنه ينبغي فيما لو كان معسرا عند موت الزوجة ثم حصل له مال قبل تكفينها أنه يجب عليه تكفينها لبقاء علقة الزوجية بعد الموت مع القدرة قبل سقوط الواجب ، ولا يشكل على ذلك أنه لو حدث للشخص بعد غروب شوال نحو ولد لم تلزمه فطرته ; لأن الوجوب هناك معلق بإدراك جزء من رمضان أيضا ا هـ سم على منهج ( قوله : رجعوا عليه ) وكذا لو غاب القريب الذي تجب عليه نفقة الميت فكفنه شخص من مال نفسه ( قوله : إنه لو لم يوجد حاكم ) أي يتيسر استئذانه بلا مشقة وبلا تأخير مرة يعد التأخير إليها إزراء بالميت عادة ، ثم رأيت في سم على بهجة ما نصه : ثم ما ضابط فقد الحاكم ، ويحتمل ضبطه بأن لا يتيسر رفع الأمر إليه قبل تغير الميت فليتأمل ( قوله : لو لم يوجد حاكم ) وكعدم وجود الحاكم ما لو امتنع من الإذن إلا بدرهم وإن قلت ويكفيه في ذلك غلبة ظنه ( قوله : ليرجع به ) أي فلو فقد الشهود فهل يرجع أو لا ; لأن فقد الشهود نادر كما قالوه في هرب الجمال ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني للعلة المذكورة وينبغي أن هذا في ظاهر الحال ، أما في الباطن فله ذلك فيأخذه من مال الزوج ( قوله كانت وصية لوارث ) أي فتتوقف على إجازة الورثة في الجميع لأنها وصية لوارث ( قوله : من الثلث كذلك ) أي وصية لوارث ( قوله : حتى يحتاج لإجازة الباقين ) قال سم على بهجة بعد مثل ما ذكر : أقول قضية كونها وصية لوارث اعتبار قبوله بعد الموت ويحتمل خلافه ( قوله : فإن كانت مكتراة ) أي فلا يجب فيها ( قوله أو أمته ) أي فيجب تكفينها لكونها ملكه لا لكونها خادمه ( قوله : أو غيرهما ) أي بأن كانت متطوعة بالخدمة والحكم فيها عدم الوجوب ( قوله : كأمتها ) أي فيجب عليه تجهيزها .
[ فرع ] هل يجب على الزوج تكفين الزوجة في الجديد كالكسوة ؟ أفتى بعضهم بوجوب ذلك وبعضهم بجواز اللبيس ككفارة اليمين ، واعتمده ابن كبن ، وقد يوجه بأن اللبيس أولى من الجديد في التكفين ، وهذا أمر آخر خلف القياس على الكسوة وفرق بينهما ، ولو روعيت الكسوة وجب أكثر من ثوب فليتأمل ا هـ سم على بهجة ( قوله : لو مات أقاربه دفعة ) أي الذين تجب نفقتهم عليه وهم الأصول والفروع ( قوله : قدم الأب ثم الأقرب ) .
[ ص: 463 ] وهو بعد الأب الأم ( قوله : وذكر بعضهم احتمال تقديم الأم ) ضعيف ( قوله : ولا وجه لتقديم الفاجر ) أي من الأخوين فقط دون ما قبله من تقديم الأب على غيره فإنه يقدم ولو كان فاجرا شقيا ، ومعلوم من أنه إنما يجب عليه تجهيز من عليه نفقته أن المراد بالأخوين ولدان للمجهز ، وإلا فنفقة الأخ ليست واجبة ولا تجهيزه ، ( قوله : فإن لم يكن فعلى أغنياء المسلمين ) ويقدم على بيت المال الموقوف على الأكفان ، وكذا الموصى به للأكفان ، وهل يقدم والحالة ما ذكر الموقوف على الموصى به أو يقدم الموصى به أو يتخير ؟ فيه نظر والأقرب الثاني ; لأن الوصية تمليك فهي أقوى من الوقف ، والمراد بالغني منهم من يملك كفاية سنة كذا بهامش ، وهو موافق لما في الروضة في الكفارة ، وفي المجموع فيها الغني من يملك زيادة على العمر الغالب وهو المعتمد وقياسه هنا كذلك ، وقد يفرق بشدة الاحتياج إلى تجهيز الميت فليراجع .
حاشية المغربي
[ ص: 459 - 463 ] قوله : وذكر بعضهم احتمال تقدم الأم على الأب ) المراد بهذا البعض هو الأذرعي ، فإن ما يأتي إلى قول الشارح . ا هـ كلامه . ذكره بعد نقله كلام البندنيجي متعقبا له به ، فقوله : ولم يذكر : أي البندنيجي فيما مر عنه وعبارته بعد كلام البندنيجي : قلت ويحتمل أن يقال تقدم الأم على الأب وفي تقديم الأسن مطلقا إلخ ، فكان الأصوب أن يقول الشارح : قال بعضهم : يحتمل أن يقال إلخ