ثم شرع في الركن الثالث ، وهو المبيع ثمنا أو مثمنا ذاكرا لشروطه فقال ( وللمبيع شروط ) خمسة ويزيد الربوي بما يأتي فيه ولا يرد نحو جلد الأضحية وحريم الملك وحده للعجز عن تسليمها شرعا وما قيل من أن قيد الملك يغني عن الطهارة ; لأن نجس العين لا يملك رد بأن إغناءه عنها لا يستدعي عدم ذكرها لإفادته تحرير محل الخلاف والوفاق مع الإشارة لرد ما عليه المخالف من عدم اشتراطها من أصلها ( أحدها طهارة عينه ) شرعا ولو كانت النجاسة غالبة في مثله ، ( فلا يصح ) ( بيع الكلب ) ولو معلما ( والخمر ) يعني المسكر وسائر نجس العين ونحوه كمشتبهين لم تظهر طهارة أحدهما فإن ظهرت ولو باجتهاد صح لأنه صلى الله عليه وسلم [ ص: 393 ] نهى عن ثمن الكلب ، وقال { nindex.php?page=hadith&LINKID=11295إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام } وقيس بها ما في معناها ، وقول الجواهر ومن تبعه لا يصح بيع لبن الرجل إذ لا يحل شربه بحال بناء على نجاسته وهو مردود ( و ) لا بيع ( المتنجس الذي لا يمكن تطهيره ) ( كالخل واللبن ) والصبغ والآجر المعجون بالزبل إذ هو في معنى نجس العين لا دار بنيت به وأرض سمدت بنجس وقن عليه وشم وإن وجبت إزالته خلافا لبعضهم لوقوع النجس تابعا مع دعاء الحاجة لذلك ويغتفر فيه ما لا يغتفر في غيره ( وكذا الدهن في الأصح ) لتعذر تطهيره كما مر بدليله وأعاده هنا ليبين جريان الخلاف في صحته بناء على إمكان تطهيره وإن كان [ ص: 394 ] الأصح منه عدم الصحة فلا تكرار في كلامه خلافا لمن ادعاه ، وكماء تنجس وإمكان طهر قليله بالمكاثرة وكثيره بزوال التغير كإمكان طهر الخمر بالتخلل وجلد الميتة بالدباغ إذ طهر ذلك من باب الإحالة لا من باب التطهير والثاني يصح كالثوب المتنجس ، أما ما يطهر بالغسل ولو مع التراب كثوب تنجس بما لا يستر شيئا منه فيصح ويصح بيع القز وفيه الدود ولو ميتا ; لأنه من مصلحته كالحيوان بباطنه النجاسة ، ويباع جزافا ووزنا كما في الروضة ، فالدود فيه كنوى التمر وظاهره عدم الفرق في صحته وزنا بين أن يكون في الذمة أو لا ، وهو الأوجه خلافا لما في الكفاية ، والفرق بينه وبين السلم لائح ، ويصح بيع فأرة المسك بناء على الأصح من طهارتها ويحل اقتناء [ ص: 395 ] السرجين وتربية الزرع به
( قوله : بما يأتي فيه ) من اشتراط الحول والتقابض والمماثلة على ما يأتي فيه ( قوله : ولا يرد ) أي على ما فهم من كلامه من أن ما اجتمعت فيه هذه الشروط صح بيعه ( قوله : فلا يصح بيع الكلب ) .
[ فرع ] عدم دخول ملائكة الرحمة بيتا فيه كلب هل وإن جاز اقتناؤه أو وجب كما لو علم أنه يقتل لولا اقتناؤه لحراسة .
قال مر : ظاهر ما ورد أنها لا تدخل بيتا فيه حائض مع أنها معذورة لا صنع لها في الحيض عدم الدخول هنا ا هـ سم على منهج ( قوله : كمشتبهين ) أي من الماء والمائع ا هـ سم على حج ( قوله : ولو بنحو اجتهاد صح ) . [ ص: 393 ] أي لكن يعلم المشتري بالحال ا هـ سم على منهج : أي ومع ذلك فهل يجوز له استعماله اعتمادا على اجتهاد البائع أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ; لأن المجتهد لا يقلد مجتهدا آخر .
وعبارة سم على حج : قوله : بنحو اجتهاد قضيته صحة بيع ما ظهرت طهارته باجتهاده وإن امتنع على المشتري التعويل عليه : أي ما لم يجز له التقليد ولا يخلو عن شيء ; لأنه لا فائدة للحكم بالطهارة بالنسبة إليه ، ثم انظر هل يجب إعلامه بالحال ؟ الوجه نعم إن لم يجز له تقليده هذا .
ويجاب عما مر بأن من فوائده جواز بيعه لمن له استعماله ويجري ذلك كله في مخالف باع ما هو ظاهر عنده فقط كما مر ، وقول سم : لكن يعلم إلخ : أي فلو لم يعلمه ثبت له الخيار عند العلم ; لأن ذلك عيب في المبيع ينقص الرغبة فيه ( قوله : نهى عن ثمن الكلب ) أي والنهي عن ثمنه يدل على فساد بيعه ( قوله : وقيس بها ) أي بالمذكورات في الحديثين ( قوله : بناه ) أي بنى عدم حل شربه على نجاسته ( قوله : وهو مردود ) أي القول بنجاسته ( قوله : والصبغ والآجر ) مثله كما هو ظاهر أواني الخزف إذا علم أنها عجنت بزبل مر ا هـ سم على حج .
أقول : وهو ظاهر إن قلنا بعدم العفو عنه أما إذا قلنا به فالقياس جوازه ; لأنه طاهر حكما .
[ فائدة ] وقع السؤال في الدرس عن الدخان المعروف في زماننا هل يصح بيعه أم لا ؟ والجواب عنه الصحة ; لأنه طاهر منتفع به لتسخين الماء ونحوه كالتظليل به ( قوله : بنيت به ) أي بالنجس ( قوله : وإن وجبت إزالته ) أي بأن تعدى بفعله بعد بلوغه ( قوله : لوقوع النجس تابعا ) .
[ فرع ] مشى مر على أنه يصح بيع الدار المبنية باللبنات النجسة وإن كانت أرضها غير مملوكة كالمحتكرة ويكون العقد واردا على الطاهر منها والنجس تابعا ا هـ سم على منهج .
أقول : ويؤخذ من قوله ويكون العقد واردا إلخ أن الكلام في دار اشتملت على طاهر كالسقف ونجس كاللبنات ، وعليه فلو كانت الأرض محتكرة وجميع البناء نجس لم يظهر للصحة وجه بل العقد باطل فليتأمل ( قوله : ويغتفر فيه ) أي في التابع ( قوله : وكذا الدهن ) أي لا يصح [ ص: 394 ] بيعه لتعذر تطهيره : أي بناء على الراجح ، وكذا لو قلنا بإمكان تطهيره كما سيذكره ، وعليه فالمصنف لم يذكر الخلاف بناء على إمكان التطهير ففي قوله وأعاده مسامحة ( قوله : بما لا يستر شيئا ) أي أو بما ستره لكن سبقت رؤيته على تنجيسه ولم يمض زمن يغلب تغيره فيه .
وقال سم على حج : هلا قالوا بما لا يستر ما تجب رؤيته منه ، فإن الكرباس تكفي رؤية أحد وجهيه ا هـ .
وأقول : يمكن أن يجاب بأن رؤية باطنه وإن لم تجب فهي في حكم المرئية لعدم اختلاف ظاهره وباطنه عادة ، ومع ذلك هو في مظنة الرؤية لسهولتها فبتقدير ظهور عيب في باطنه يمكن رده وظهور قريب إذا لم يكن ثم ما يمنع رؤيته .
أقول : أي أو بما ستره لكن سبقت رؤيته على تنجسه ولم يمض زمن يغلب تغيره فيه ( قوله : فيصح ) ظاهره ولو احتاج في تطهيره إلى مؤنة لها وقع ، ولعل الفرق بينه وبين ما يأتي في المغصوب حيث اشترط لصحة البيع خفة المؤنة أن نجاسة المبيع لا تمنع دخول المبيع في يد المشتري ولا انتفاعه به فقد لا يطهره أصلا ، بخلاف المغصوب ونحوه فإن ما يبذله فيه طريق إلى دخوله في يده فهو ملجأ إليه ( قوله : ويباع ) أي القز ( قوله : خلافا لما في الكفاية ) أي من عدم جواز بيعه في الذمة ( قوله : والفرق بينه وبين باب السلم لائح ) أي وهو أن باب السلم أضيق لما فيه من الغرر ( قوله : ويصح بيع فأرة المسك ) أي وحدها أو بما فيها حيث [ ص: 395 ] رئي قبل وضعه فيها ( قوله : وتربية الزرع به مع الكراهة ) ينبغي أن محلها حيث صلح نباته بدونها أما لو توقف صلاحه عادة على التربية به فلا كراهة ، وليس من صلاحه زيادته في النمو على أمثاله ( قوله : وتربية الجرو ) قال في المصباح : والجرو بالكسر ولد الكلب والسباع والفتح والضم لغة ( قوله : لا اقتناؤه لمن يحتاج إليه ) ومنه يؤخذ أنه لو اقتناه لحفظ ماشية بيده فماتت أو باعها وفي نيته تجديد بدلها لم يجز بقاؤه في يده بل يلزمه رفع يده عنه .
ومن الحاجة الناجزة احتياجه في بعض الفصول دون بعض فلا يكلف رفع يده في مدة عدم احتياجه له ( قوله : ويمتنع اقتناء الخنزير مطلقا ) احتاج إليه أم لا ( قوله : وغيرهما ) أي مما فيه نفع ولو متوقعا
حاشية المغربي
( قوله : ولا يرد نحو جلد الأضحية وحريم الملك وحده ) أي من حيث توفر الشروط الآتية فيهما : أي بحسب الظاهر من عدم صحة بيعهما فهما واردان على المنطوق وحاصل الجواب منع كون ذلك مستوفيا للشروط ( قوله : شرعا ولو كانت النجاسة غالبة في مثله ) يعني أن الشرط [ ص: 393 ] أن يكون مما حكم الشرع بطهارته وإن كانت النجاسة غالبة في مثله ( قوله : والصبغ ) أي مع أنه يظهر المصبوغ به بالغسل كذا في الروض قال الشهاب سم : وهو يفيد أن الصبغ المائع المتنجس إذا صبغ به شيء ثم غسل ذلك الشيء طهر بالغسل ، وهذا يؤيد ما ظهر لنا فيما ذكروه في أبواب الطهارة من أن المصبوغ بنجس لا يطهر إلا إذا انفصل عنه الصبغ من أنه محمول على صبغ نجس العين ، أو فيه نجاسة عينية ثم ظهر منع تأييد هذا لما ذكر لجواز أن يكون المراد بطهر المصبوغ به بالغسل طهره إذا انفصل عنه بدليل تعبير الروض في باب النجاسة بقوله ويطهر بالغسل مصبوغ بمتنجس انفصل ولم يزد وزنا بعد الغسل فإن لم ينفصل لتعقده لم يطهر انتهى فليتأمل فإن قول شرحه توطئة له ، ولا أثر للانتفاع بالصبغ المتنجس في صبغ شيء به وإن طهر المصبوغ به بالغسل ظاهر في تأييد ما كان ظهر لنا ا هـ ما قاله سم ( قوله لتعذر تطهيره ) صريح في أن معنى قول المصنف وكذا الدهن : أي لا يصح [ ص: 394 ] بيعه ، وليس معناه وكذا الدهن لا يمكن تطهيره الذي حمله عليه الجلال المحلي ، ويدل على أن الشارح هنا حمل كلام المصنف على عدم صحة البيع حكاية مقابله الآتي .
واعلم أن الجلال المحلي إنما حمل المتن على ما مر له وإن كان خلاف ظاهره حتى لا يخالف طريقة الجمهور .
وحاصل ما في هذا المقام أن الجمهور بنوا خلاف صحة بيع الدهن المتنجس على الضعيف من إمكان تطهيره : أي فإن قلنا بالأصح من عدم إمكانه لم يصح بيعه قولا واحدا ، وخالف الإمام والغزالي فبنياه على الأصح من عدم إمكان تطهيره : أي فإن قلنا بالضعيف صح بيعه قولا واحدا ، وغلطهما في الروضة قال : وكيف يصح ما لا يمكن تطهيره انتهى .
قال الأذرعي : وكلام الكتاب : أي المنهاج يفهم موافقة الإمام والغزالي انتهى . أي لأن فرض كلامه فيما لا يمكن تطهيره ، فالجلال أخرجه عن ظاهره وفرض الخلاف فيه في أنه هل يمكن تطهير الدهن المتنجس أو لا فلا تعرض فيه لمسألة البيع حينئذ ومن ثم زادها عليه في الشارح بعد ، وأما الشارح هنا كالشهاب حج فأبقياه على ظاهره ، لكن وقع في كلامهما تناقض وذلك لأن قولهما لتعذر تطهيره صريح في أن الخلاف مبني على تعذر الطهارة الذي هو طريقة الإمام والغزالي التي هي ظاهر المتن ، فيناقضه قولهما بعد وأعاده هنا ليبين جريان الخلاف في صحته بناء على إمكان تطهيره إلخ ، ومن ثم توقف الشهاب سم في كلام الشهاب حج الموافق له ما في الشارح هنا لكن بمجرد الفهم ( قوله : والفرق بينه وبين السلم لائح ) أي وهو أن باب السلم أضيق بدليل عدم صحة الاعتياض ونحوه وفيه بخلاف المبيع في الذمة ، كذا ذكره الشهاب سم ، [ ص: 395 ] وهو غير سديد إذ المبيع في الذمة لا يصح الاستبدال عنه كالمسلم فيه كما سيأتي .