الشرط ( الثالث ) من شروط المبيع ( إمكان ) يعني قدرة البائع حسا وشرعا على ( تسليمه ) بلا كبير مشقة وإلا لم يصح كما قاله في المطلب واقتصر المصنف عليه لأنه محل وفاق ، وسيذكر محل الخلاف وهو قدرة المشتري على تسلمه ممن هو عنده لتوقف الانتفاع به على ذلك ، ولا ترد صحته في نقد يعز وجوده لصحة الاستبدال عنه كما سيأتي ، وفي بيع نحو مغصوب وضال ممن يعتق عليه كما قاله بعض المتأخرين ، أو بيعا ضمنيا لقوة العتق [ ص: 399 ] مع كونه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في غيره ، والإمكان يطلق تارة في مقابلة التعذر وتارة في مقابلة التعسر وهو المراد هنا كما أشار إلى ذلك الشارح بقوله بأن يقدر عليه ( فلا يصح ) ( بيع الضال ) كبعير ند وطير في الهواء وإن اعتاد العود إلى محله لما فيه من الغرر ، ولأنه لا يوثق به لعدم عقله وبهذا فارق العبد المرسل في حاجة ، هذا إن لم يكن نحلا أو كان وأمه خارج الخلية ، فإن كانت فيها صح كما بحثه بعض المتأخرين للوثوق بعوده وفارق بقية الطيور بأنه غير مقصود للجوارح وبأنه لا يأكل عادة إلا مما يرعاه ، فلو توقفت صحة بيعه على حبسه لربما أضر به أو تعذر بيعه بخلاف سائر الطيور ، ولا يصح أيضا بيع نحو سمك ببركة واسعة يتوقف أخذه منها على كبير كلفة عرفا ، فإن سهل صح إن لم يمنع الماء رؤيته ( والآبق ) ولو ممن عرف محله ، ولا يطلق إلا على الآدمي ( والمغصوب ) ولو لمنفعة العتق للعجز عن تسليمها أو تسلمها حالا لوجود حائل بينه وبين الانتفاع فلا ينافيه صحة شراء الزمن لمنفعة العتق ، إذ ليس ثم منفعة حيل بين المشتري وبينها حتى لو فرض أن لا منفعة فيما ذكر سوى العتق لم يصح أيضا كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى ، وقوله الكافي : يصح بيع العبد التائه ; لأنه يمكن الانتفاع بعتقه تقربا إلى الله تعالى بخلاف الحمار التائه مردود ( فإن باعه ) أي المغصوب ، ومثله ما ذكر فيشمل الثلاثة ( لقادر على انتزاعه ) أو رده ( صح على الصحيح ) حيث لم تتوقف القدرة على مؤنة لها وقع لتيسر وصوله إليه حينئذ وإلا فلا كما قاله [ ص: 400 ] في المطلب .
والثاني لا يصح ; لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه ، ولو جهل القادر غصبه عند البيع تخير إن لم يحتج إلى مؤنة على قياس ما مر عن المطلب ، وإلا فلا يصح خلافا لبعض المتأخرين ، والفرق بين هذه ومسألة الصبرة إذا باعها وتحتها دكة وهو جاهل بها أن علة البطلان في مسألتنا هذه الاحتياج في تسليم المبيع إلى مؤنة ، وهي لا تختلف بالعلم والجهل وفي تلك حالة العلم بالدكة منعها تخمين القدر فيكثر الغرر وهي منتفية حال الجهل بها ولو اختلفا في العجز حلف المشتري ، ولو قال : كنت أظن القدرة فبان عدمها حلف وبان عدم انعقاد البيع ، وتصح كتابة الآبق والمغصوب إن تمكنا من التصرف كما يصح تزويجهما وعتقهما ، فإن لم يتمكنا منه فلا .
حاشية الشبراملسي
( قوله : ولا ترد صحته ) أي البيع ( قوله : في نقد ) أي بنقد [ ص: 399 ] قوله : فلا يصح بيع الضال ) يؤخذ من المختار أن الضالة بالهاء خاصة بالبهيمة ونحوها من الحيوان غير الآدمي ،
وفي المصباح ما يفيد أن الإنسان يقال فيه ضال ، وغيره من الحيوانات يقال فيه ضالة ، وعبارته : والأصل في الضلال الغيبة ومنه قيل للحيوان الضائع ضالة بالهاء للذكر والأنثى والجمع الضوال مثل دابة ودواب ، ويقال لغير الحيوان ضائع ولقطة .
ثم قال : وقول الغزالي لا يجوز بيع الآبق والضال إن كان المراد الإنسان ، فاللفظ صحيح ، وإن كان المراد غيره فينبغي أن يقال والضالة بالهاء فإن الضال هو الإنسان ، والضالة الحيوان الضائع انتهى .
وعليه ففي كلام المصنف تجوز ، إما باستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وإما باستعماله في مفهوم كلي يعمهما وهو المسمى عند الحنفية بعموم المجاز ( قوله : رؤيته ) ويكفي في الرؤية الرؤية العرفية فلا يشترط رؤية ظاهره وباطنه ( قوله : ولا يطلق إلا على الآدمي ) لكنه مخصوص في اللغة على ما في المصباح بمن هرب من غير خوف ولا كد تعب .
أما من هرب الواحد منهما فيقال له هارب لا آبق ( قوله : ولو لمنفعة ) راجع إلى قوله الآبق والمغصوب ( قوله : فيما ذكر ) أي من الضال والآبق والمغصوب ( قوله : لم يصح ) أي بيعه إلا لمن قدر على انتزاعها ( قوله : مردود ) أي فلا فرق بين العبد والحمار في عدم الصحة إلا لمن قدر على رده ( قوله : ومثله ما ذكر من الضال والآبق ) وعبارة حج : ومثله الآخران أو ما ذكر ا هـ .
وهي أولى مما ذكره الشارح ( قوله : لها وقع ) أي بالنسبة للمشتري ( قوله : وإلا ) أي بأن [ ص: 400 ] احتاج إلى مؤنة ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) منهم حج ( قوله : بين هذه ) الإشارة راجعة لقوله ولو جهل القادر نحو غصبه إلخ ( قوله : ومسألة الصبرة ) أي حيث قلنا بالصحة فيها عند الجهل بالدكة دون العلم ( قوله : حلف ) أي أنه لم يكن قادرا على الابتداء إذ لا يعلم إلا منه ( قوله : وبأن عدم انعقاد البيع ) وعلى هذا استثنى هذه من قاعدة مدعي الصحة ( قوله : كما يصح تزويجهما ) أي بأن يأذن السيد للآبق أو المغصوب في النكاح ( قوله : فإن لم يتمكنا منه ) ظاهره وإن رجي زوال الغصب على قرب وتمكن الآبق من العدد بلا كبير مشقة ، ويحتمل خلافه فيهما ، وقياس عدم صحة كتابة المؤجر عدم الصحة هنا لعجزه عن الكسب حالا
حاشية المغربي
( قوله : بلا كبير مشقة ) قضيته وإن احتاج إلى مؤنة فليراجع ( قوله : واقتصر المصنف عليه ) أي التسلم ( قوله : في نقد ) [ ص: 399 ] بأن كان ثمنا في الذمة لأنه هو الذي يستبدل عنه ففي بمعنى الباء ( قوله : كما أشار لذلك الشارح بقوله بأن يقدر عليه ) أي وأشار إليه هو أيضا بقوله يعني قدره البائع إلخ ( قوله : بأنه غير مقصود للجوارح ) أي فلا يخشى عدم عوده بأن أكله الجوارح ، وعبارة شرح الروض بأنه لا يقصد بالجوارح ا هـ .
وعبارة الشارح أعم ( قوله : ولو ممن عرف محله ) أي والصورة أنه غير قادر على رده أخذا مما يأتي ( قوله : ولو لمنفعة العتق ) أي بأن اشتراه ليعتقه فلا ينافي ما مر من صحة شراء من يعتق عليه إذا كان كذلك ( قوله : ومثله ما ذكر فيشمل الثلاثة ) عبارة التحفة أي المغصوب ، ومثل الآخران أو ما ذكر فيشمل الثلاثة انتهت ، فالشمول إنما هو بالنسبة للجواب الثاني ، ولعله سقط من الشارح من الكتبة ( قوله : حيث لم تتوقف القدرة على مؤنة ) أي أو مشقة كما بحثه الشهاب سم أخذا من [ ص: 400 ] مسألة السمك في البركة ( قوله : خلافا لبعض المتأخرين ) يعني شيخ الإسلام وتبعه حج ، وقوله والفرق بين هذه يعني مسألة المؤنة حيث سوى فيها في البطلان بين حالة العلم والجهل ، بخلاف مسألة الدكة حيث فرق فيها بين الحالتين ، وإنما فرض الفرق في حالة الجهل لأنه محل الخلاف ، وعبارة شرح الروض بعد قول الروض : وله الخيار إن جهل نصها ، وقضيته صحة العقد في حالة الجهل مع الاحتياج في التحصيل إلى مؤنة ، ولا ينافيه ما تقدم عن المطلب إذ ذاك عند العلم بالحال وهذا عند الجهل به ، فأشبه ما إذا باع صبرة تحتها دكة انتهت ، فمراد الشارح رد هذا التشبيه ( قوله : كما يصح تزويجهما ) أي كما يصح تزويج السيد إياهما بأن تكونا أمتين فهو مصدر مضاف لمفعوله ، وهذا هو الأنسب بما قبله وبما بعده من الكتابة والعتق من حيث إن الجميع من فعل السيد ، [ ص: 401 ] وما صوره به شيخنا في الحاشية مبني على أن المصدر مضاف لفاعله ولا يخفى ما فيه .