( الخامس ) من شروط المبيع ( العلم به ) أي المعقود عليه عينا في المعين وقدرا وصفة فيما في الذمة كما يعلم من كلامه الآتي للنهي عن بيع الغرر وهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما : أي من شأنه ذلك فلا يعترض بمخالفته لقضية كلامهم من عدم صحة بيع نحو المغصوب وإن لم يكن الأغلب عدم العود ، وقيل ما انطوت عنا عاقبته ، وقد يغتفر الجهل للضرورة أو المسامحة كما سنبينه في اختلاط حمام البرجين وكما في بيع الفقاع وماء السقاء في الكوز ، قال جمع : ولو لشرب .
[ ص: 406 ] دابة وكل ما المقصود لبه ولو انكسر ذلك الكوز من يد المشتري بلا تقصير كان ضامنا لقدر كفايته مما فيه ; لأنه مقبوض بالشراء الفاسد دون ما زاد عليها ودون الكوز لكونهما أمانة في يده ، فإن أخذه من غير عوض ضمنه ; لأنه عارية دون ما فيه ; لأنه غير مقابل بشيء فهو في معنى الإباحة ولو كان له جزء من دار يجهل قدره فباع كلها صح في صحته .
[ ص: 407 ] كما قطع به القفال وصرح به البغوي والروياني ، والمفهوم من كلام صاحب التهذيب البطلان ، وقد يدل للأول قولهم لو باع عبدا ثم ظهر استحقاق بعضه صح في الباقي ، ولم يفصلوا بين علم البائع بقدر نصيبه وجهله به ، وهل لو باع حصة فبانت أكثر من حصته صح في حصته التي يجهل قدرها كما لو باع الدار كلها ، أو يفرق بأنه هنا لم يتيقن حال البيع أنه باع جميع حصته ، بخلاف ما لو باع الدار كلها كل محتمل ، لعل الثاني أوجه ، وفي البحر يصح بيع غلته من الوقف إذا عرفها ولو قبل القبض كبيع رزق الأجناد ( فبيع ) اثنين عبديهما لثالث [ ص: 408 ] بثمن واحد من غير بيان ما لكل منه وبيع ( أحد الثوبين ) أو العبدين مثلا وإن استوت قيمتهما ( باطل ) كما لو باع بأحدهما للجهل بعين المبيع أو الثمن ، وقد تكون الإشارة والإضافة كافية عن التعيين كداري ولم يكن له غيرها وكهذه الدار ولو غلط في حدودها .
حاشية الشبراملسي
( قوله : من شروط المبيع ) أراد به ما يشمل الثمن ( قوله : والعلم به ) هل يكفي علم المشتري حال القبول فقط دون حال الإيجاب ؟ والوجه لا انتهى .
سم على حج .
وقد ينازع فيه بما صرحوا به في التولية من أنه لو قال الجاهل بالثمن وليتك العقد وعلم المولى به قبل القبول صح فإن قياسه هنا الصحة ، إلا أن يفرق ، بأن التولية لما سبق تعلق العلم بها كانت كالمعلوم بخلافه هنا ، وينبغي الاكتفاء بالمقارنة أيضا ( قوله : وهو ) أي الغرر ( قوله : للضرورة ) أي فلا يشترط العلم ( قوله : وكما في بيع الفقاع ) .
قال في القاموس : الفقاع كرمان [ ص: 406 ] هذا الذي يشرب سمي به لما يرتفع في رأسه من الزبد انتهى .
وهو ما يتخذ من الزبيب ( قوله : لأنه مقبوض إلخ ) يتأمل مع قوله وقد يغتفر الجهل في أن مقتضاه صحة العقد على ما ذكر ، اللهم إلا أن يقال : وجه الاغتفار أن مثل ذلك يؤخذ في العادة بلا صيغة فهو من المعاطاة ( قوله : فإن أخذه من غير عوض ) ويأتي مثل هذا التفصيل في فنجان القهوة ونحوه ، فإن أخذه بلا عوض من المالك ولو بمأذونه ضمن الظرف دون ما فيه ، أو بعوض ضمن ما فيه دونه .
ومن المأخوذ بعوض ما جرت به العادة الآن من أمر بعض الحاضرين لساقي القهوة بدفعه لشخص آخر بلا عوض فهو غير مضمون على الآخذ ، لأن مالكه إنما أباح الشرب منه بعوض فكان كما لو سلمه له بالعوض .
وبقي ما لو اختلف الدافع والآخذ في العوض وعدمه هل يصدق الأول أو الثاني ؟ فيه نظر ، والأقرب تصديق الآخذ ; لأن ما ذكره موافق للغالب ; ولأن الأصل عدم ضمان الظرف ، وينبغي أن محل ذلك حيث لم توجد قرينة بصدق الدافع ككون الآخذ من الفقراء الذين جرت عادتهم بأنهم لا يدفعون ثمنا ( قوله : صح في حصته ) [ ص: 407 ] معتمد ( قوله : والمفهوم إلخ ) اعتمده حج ( قوله : وقد يدل للأول ) أي الصحة ( قوله : وهل لو باع حصة ) أي من دار والحال أنه يجهل قدر حصته منها ( قوله : أو يفرق ) أي فلا يصح البيع ( قوله : بأن هنا لم يتيقن إلخ ) ومنه يؤخذ أنه لو تيقن بيع الكل كأن علم أن له دون النصف كان كبيع الجميع ( قوله : ولعل الثاني ) هو قوله : أو يفرق ( قوله : إذا عرفها ) أي بإفرازها له أو بعلمه بقدرها بالجزئية بعد رؤية الجميع للعاقدين ( قوله : كبيع رزق الأجناد ) وعبارة الشارح في باب المبيع قبل قبضه بعد قول المصنف وله بيع ما له في يد غيره أمانة كوديعة ما نصه : ويلحق به ما أفرزه السلطان لجندي تمليكا كما لا يخفى فله بعد رؤيته بيعه وإن لم يقبضه رفقا بالجندي نص عليه ومن ثم ملكه بمجرد الإفراز انتهى .
( قوله : فبيع اثنين عبديهما إلخ ) هذا كقول البهجة : لا أن بيع عبيد جمع بثمن أي فلا يصح ، وكتب عليه سم : قيده في التنبيه بما إذا لم يعلم كل ما يقابل عبده من الثمن ، ومشى عليه البلقيني في تدريبه ، ونقله الزركشي عن التنبيه وأقره ، قال ابن الرفعة : واحترز به عما إذا علم التوزيع قبل العقد فإنه يصح ، وعليه يدل كلامهم واستدل بفرع ذكروه في الوكالة قال : ويجوز أن يكون احترز عما إذا فصل الثمن مثل بعتك العبدين بمائة ستون لهذا وأربعون لهذا فإنه يصح ، لكن قد يقال : ليس الثمن هنا واحدا بل ثمنين . ا هـ شرح العباب .
أقول : وقياس ما ذكره من الاكتفاء بالعلم بالتوافق قبل العقد أنه لو توافق معه على خمسمائة دراهم وخمسمائة دنانير مثلا ثم قال بعتك بألف دراهم ودنانير صح وحمل على ما توافقا عليه ، وكذا نظائره من كل ما يشترط العلم به وذكره في العقد إذا توافقا عليه قبل ، وهذا يجري في أمور كثيرة يقال فيها بالبطلان عند عدم ذكرها في العقد [ ص: 408 ] فتنبه له فإنه دقيق جدا ، ويؤيد ذلك قول الشارح الآتي .
نعم إن كان ثم عهد أو قرينة بأن اتفقا إلخ ( قوله : ولو غلط في حدودها ) أي إما بتغيرها كجعل الشرقي غربيا وعكسه ، أو في مقدار ما ينتهي إليه الحد الشرقي مثلا لتقصير الغالط من كل منهما في تحرير ما حدد به قبل ; لأن الرؤية للمبيع شرط قبل العقد ، فلو رآها وظن أن حدودها تنتهي إلى محلة كذا فبان خلافه فالتقصير منه حيث لم يمعن النظر فيما ينتهي إليه الحد ، فأشبه ما لو اشترى زجاجة ظنها جوهرة فإنه لا خيار له وإن غره البائع وكتب أيضا قوله ولو غلط في حدودها : أي ولا خيار للمشتري لعدم الخلل في ذات المبيع وبقي ما لو أشار إليها وشرط أن مقدارها كذا من الأذرع كأن قال بعتك وأجرتك هذه الدار أو الأرض على أنها عشرون ذراعا ، وسيأتي ما يؤخذ منه صحة العقد وثبوت الخيار للمشتري إن نقصت والبائع إن زادت في قوله ويتخير البائع في الزيادة إلخ
حاشية المغربي
الشروط ( قوله : وإن لم يكن الأغلب عدم العود ) أي كأن كان الغاصب غير قوي الشوكة لكن يحتاج للتخليص منه لمؤنه ( قوله : وكما في بيع الفقاع إلخ ) أي فالبيع محكوم بصحته واغتفر فيه عدم العلم للمسامحة كما لا يخفى .
[ ص: 406 ] قوله : لأنه مقبوض بالشراء الفاسد ) لا يناسب ما صرح به كلامه من الصحة فيما ذكر كما أشرنا إليه ، ولعله بنى الكلام هنا على أنه لم يذكر بدل كما هو المعتاد ، وحينئذ فهو صريح فيما قاله المتولي من أن الإطلاق يقتضي البدل لجريان العرف به ، وإن أشار الشهاب سم في حواشي التحفة إلى التوقف فيه ، ووجه صراحة كلام الشارح فيما قاله المتولي أنه محمول كما ذكرناه على ما إذا لم يذكر بدلا ليكون فاسدا حتى يوافق ما قدمه ، ولا يخفى أن المراد البدل ممن شرب أو من غيره إذا أمر السقاء بإسقائه ، ومنه الجبا المتعارف في القهوة إذ ما هنا يجرى فيها حرف بحرف ، هذا كله فيما إذا انكسر الفنجان مثلا من يد الشارب ، أما إذا انكسر من يد غيره بأن دفعه إلى آخر فسقط من يده فإنهما يضمنان مطلقا والقرار على من سقط من يده .
وبقي قسم ثالث حدث الآن وهو أن صاحب القهوة يخشى الضياع على الفناجين فيسلم للساقي مقدارا معلوما من الفناجين ويقبضه له ويجعله في تسليمه .
فإذا أراد أن يشتري منه قهوة يأتي بفنجان من تلك الفناجين التي سلمها له يأخذ فيه القهوة ، والظاهر أن الفناجين مقبوضة له حينئذ بالعارية إذ لم يقع بدل ولا في العرف حتى يكون في نظير استعمالها ، وإنما البدل في نظير القهوة لا غير ، وحينئذ إذا تلف منه يضمنها ضمان العارية ويضمن ما فيها بالشراء الفاسد ، هذا إذا تلفت في يده ، أما إذا تلفت في يد الشارب فيأتي فيه ما سيأتي في العارية فيما إذا تلف المعار في يد من أخذه من المستعير هكذا ظهر لي فليتأمل .
[ ص: 407 ] قوله : وصرح به البغوي والروياني والمفهوم من كلام صاحب التهذيب البطلان ) هذا ساقط في بعض النسخ وإسقاطه هو الصواب أما أولا فلأن البغوي ممن يقول بالبطلان لا بالصحة كما في التحفة وغيرها وهو المذكور في قول الشارح والمفهوم من كلام صاحب التهذيب إذ صاحب التهذيب هو البغوي وأما ثانيا فلما أشرنا إليه من التناقض في النسبة للبغوي ( قوله أو يفرق بأنه هنا لم يتيقن حال البيع أنه باع جميع حصته ) قضيته أنه لو تيقن ذلك بأن علم أن ما باعه يزيد على حصته أنه يصح وقضيته أيضا أنه لو علم أن ما باعه أقل من حصته أنه لا يصح لأنه صدق عليه أنه لم يتيقن حال البيع أنه باع جميع حصته كما إذا كان يعلم أنه يملك فوق النصف لكنه باع النصف ولا يخفى ما فيه من البعد على أنه قد يقال : إنه لا أثر لهذا الفرق في الحكم فتأمل ( قوله : وفي البحر يصح بيع غلته من الوقف ) أي إذا أفرزت أو عينت بالجزئية وكان قد رأى الجميع : أي ولا يمنع من صحة البيع عدم قبضه إياها ، لكن سيأتي له في باب الهبة ما نصه : ولو تبرع موقوف عليه بحصته من الأجرة لآخر لم يصح ، لأنها قبل قبضها وإما غير مملوكة أو مجهولة ، فإن قبض أو وكيله منها شيئا قبل التبرع وعرف حصته منه ورآه هو أو وكيله وأذن له في قبضه وقبضه صح وإلا فلا ا هـ . وما ذكره في الهبة ملخص من إفتاء المحقق أبي زرعة نقله عنه المناوي في تفسيره في باب الهبة من الكتاب السادس ، [ ص: 408 ] وهو لا ينافي ما نقله الشارح هنا عن البحر لأن ما هنا في الغلة نحو الثمرة وما يأتي في الأجرة إذ هي دين عند المستأجر والدين إنما يملك بقبض صحيح ( قوله : بيان ما لكل ) أي من العبدين أو المالكين ، وقوله منه : أي من الثمن