وشرعا : جعل عين مال متمولة وثيقة بدين ليستوفى منها عند تعذر وفائه وأصله قبل الإجماع آية { فرهان مقبوضة } أي فارهنوا واقبضوا لأنه مصدر : أي مفرده جعل جزاء للشرط بالفاء فجرى مجرى الأمر كقوله فتحرير رقبة فضرب الرقاب والوثائق بالحقوق ثلاثة : شهادة ورهن وضمان فالأول لخوف الجحد ، والآخران لخوف الإفلاس .
وأركانه : عاقد ومرهون ومرهون به وصيغة وبدأ بها لأهميتها فقال ( لا يصح ) الرهن ( إلا بإيجاب وقبول ) أو استيجاب وإيجاب كنظيره المار في البيع لأنه عقد مالي فافتقر [ ص: 235 ] إليهما مثله ، ومن ثم جرى خلاف المعاطاة .
ويؤخذ من هذا اشتراط مخاطبة من وقع معه العقد نظير ما مر في البيع وما بحثه بعضهم من صحة رهنت موكلك . وفرق بأن أحكام البيع تتعلق بالوكيل دون أحكام الرهن بعيد يرده ظاهر كلامهم وقد أفتى بخلافهالوالد رحمه الله تعالى ، ولو قال : دفعت إليك هذا وثيقة بحقك علي فقال : قبلت أو بعتك هذا بكذا على أن ترهنني دارك بكذا فقال : اشتريت ورهنت كان رهنا ( فإن شرط فيه مقتضاه كتقدم المرتهن به ) أي المرهون عند تزاحم الغرماء ( أو ) شرط فيه ( مصلحة للعقد كالإشهاد ) به ( أو ) شرط فيه ( ما لا غرض فيه ) كأن لا يأكل إلا كذا ( صح العقد ) كالبيع ولغا الشرط الأخير ( وإن ) ( شرط ما يضر المرتهن ) وينفع الراهن كأن لا يباع عند المحل أو إلا بأكثر من ثمن المثل ( بطل ) الشرط و ( الرهن ) لمنافاته لمقصوده ( وإن نفع ) الشرط ( المرتهن وضر الراهن كشرط منفعته ) من غير تقييد ( للمرتهن بطل الشرط وكذا الرهن في الأظهر ) لمخالفته لمقتضى العقد كالشرط المضر بالمرتهن .
والثاني لا يبطل بل يلغو الشرط ويصح لأنه تبرع فلم يؤثر فيه كما لو أقرضه الصحاح بشرط رد المكسرة والخلاف في رهن التبرع وكذا في الرهن المشروط في بيع في الأظهر وكون ما تقرر من البطلان هنا تبرعا فهو نظير ما مر آخر القرض لا نظر إليه لما مر آنفا من الفرق بينهما .
نعم لو قيدها بسنة مثلا وكان الرهن [ ص: 236 ] مشروطا في بيع فهو جمع بين بيع وإجارة فيصحان ( ولو ) ( شرط أن تحدث زوائده ) كنتاج وثمرة ( مرهونة ) ( فالأظهر فساد الشرط ) لعدمها مع الجهل بها ( و ) الأظهر ( أنه متى فسد ) الشرط ( فسد العقد ) أي عقد الرهن بفساده لما مر .
حاشية الشبراملسي
كتاب الرهن ( قوله : الثابتة ) أي الموجودة الآن ( قوله أو الحبس ) بمعنى أنه يطلق على كل منهما لغة ، وكان الأولى له أن يعبر بالواو لأنه ليس المقصود أحد الأمرين لا بعينه ( قوله بدينه ) أي سواء كان لآدمي أو لله تعالى ( قوله ولو في البرزخ ) وهو المدة التي بين الموت والبعث : قال في المختار : البرزخ الحاجز بين الشيئين ، وهو أيضا ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات فقد دخل البرزخ ( قوله : إن عصى بالدين ) ظاهره وإن صرفه في مباح وتاب بعد ذلك ، وقياس ما يأتي في قسم الصدقات أن من عصى بالاستدانة وصرفه في مباح أعطي من الزكاة أن هذا كمن لم يعص ( قوله : أو ما لم يخلف وفاء ) فيه قولان ، ولم يبين الراجح منهما ، وفي حج ما يفيد أن الراجح عدم الفرق بين من خلف وفاء وغيره وبين من عصى بالدين وغيره ، وظاهر إطلاقه كالشارح أنه لا فرق [ ص: 234 ] بين موته فجأة وبين كونه بمرض ، ولعل وجه حبس روحه حيث خلف ما يفي بالدين أنه كان يمكنه التوفية قبل وفاته فهو منسوب إلى تقصير في الجملة ، فلا يرد أنه قد يكون مؤجلا والمؤجل إنما يجب وفاؤه بعد الحلول ( قوله : أما من لم يقصر ) لم يتقدم في كلامه ما يصلح لكون هذا مفهوما له فلعله احترز عنه بمقدر في كلامه مثل إن قصر ، ثم رأيت الخطيب صرح بهذا القيد حيث قال : أو ما لم يخلف وفاء : أي وقصر ( قوله : وهو معسر ) أي ولم يتمكن من الوفاء قبل الإعسار ( قوله : ومحل ذلك ) أي حبس الروح عن مقامها ( قوله : في غير الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ) وينبغي أن مثلهم غير المكلفين كأن لزمه دين بسبب إتلافهم ( قوله : رهن درعه عند يهودي ) وآثره ليسلم من نوع منة أو تكلف مياسير الصحابة بإبرائه أو عدم أخذ الرهن منه ( قوله : صاعا ) أي من شعير منهج وحج ( قوله : على ثلاثين ) أي ثمن ثلاثين ، ويحتمل أنه عليها أنفسها لاقتراضها منه ، ونقل بالدرس عن فتح الباري الجزم بالأول فراجعه ( قوله إذ الأصح أنه مات ولم يفكه ) هذا لا يلاقي ما قدمه من أن من خلف وفاء ولم يعص بالاستدانة لا تحبس روحه .
وأما من سوى كحج فالتقييد عليه ظاهر ، وكتب عليه أيضا ( قوله : ولم يفكه ) أي ولو كانت روحه صلى الله عليه وسلم تحبس لافتكه قبل وفاته ( قوله : جعل عين مال ) خرج به الاختصاصات وقوله متمولة خرج به نحو القمحة والقمحتين ( قوله : لأنه ) أي الرهن ( قوله : فجرى مجرى الأمر ) فيه أن وصفه بمقبوضة يمنع من حمله على المصدر ، إذ الذي يتعلق به القبض إنما هو العين دون الحدث ا هـ سم على حج إلا أن يقال : إن وصفها بالقبض من الإسناد المجازي والأصل مقبوض ما تعلقت به من الأعيان ، أو أن استعماله بمعنى العين مجاز عن المصدر فروعي أصله ( قوله : فتحرير رقبة ) أي فإن المراد منه فليحرر رقبة ( قوله : فضرب الرقاب ) أي فاضربوا منهم الرقاب ( قوله : بالحقوق ) أي بجنس الحقوق أو بمجموع الحقوق ، إذ منها ما يدخله الثلاثة كالبيع ، ومنها ما يدخله الشهادة فقط وهو المساقاة ونجوم الكتابة ، ومنها ما تدخله الشهادة والكفالة دون الرهن وهو الجعالة قبل الفراغ من العمل ، ومنها ما تدخله الكفالة فقط كضمان الدرك ( قوله : ومرهون ) إنما لم يقل بدل مرهون ومرهون به معقود عليه كما فعل في البيع ونحوه لأن الشروط المعتبرة في أحدهما غير المعتبرة في الآخر فكان التفصيل أولى لمطابقته لما بعد من قوله وشرط الرهن كونه عينا ( قوله : وإيجاب ) أي أو استقبال وقبول ، وإنما لم يذكره الشارح لعدم ذكر المصنف له فيما مر في البيع فاقتصر هنا على خصوص ما ذكره هناك لأنه معلوم مما سبق ( قوله : كنظيره ) يفيد أنه لو قال : رهنتك هذين فقبل أحدهما لم يصح العقد نظير ما مر في القرض ، وقد يفرق بأن هذا تبرع محض فلا يضر فيه عدم موافقة القبول للإيجاب كالهبة ، وقد يؤيد الفرق ما تقدم للشارح فيما لو أقرضه ألفا فقبل خمسمائة حيث علل عدم الصحة فيه بمشابهته للبيع بأخذ العوض وما هنا لا عوض فيه فكان بالهبة أشبه ، وأيضا فالرهن جائز .
[ ص: 235 ] من جهة المرتهن ، وقياسه أيضا أنه لو قال : رهنتك هذا بألف فقبل بخمسمائة الصحة ( قوله : اشتراط مخاطبة ) أي وإسناده إلى جملة المخاطب ، فلو قال : رهنت رأسك مثلا لم يصح لأن القاعدة كل ما صح تعليقه كالعتق والطلاق جاز إسناده إلى الجزء ، وما لا يصح تعليقه كالبيع والرهن والاقتداء لا يصح إسناده إلى الجزء ، إلا الكفالة فإنها تصح إذا أسندت إلى جزء لا يعيش بدونه كرأسه وقلبه مثلا ولا يصح تعليقها ( قوله : وقد أفتى بخلافه ) أي بخلاف ما بحثه البعض ( قوله : أو بعتك ) كان الغرض من ذكر هذه المسألة التنبيه على أنه لا يحتاج إلى قبول بعد قوله رهنت ، وإلا فالصحة معلومة من صحة البيع بشرط الرهن كما مر في المناهي ، وسيأتي له ذكر هذه أيضا مع الإشارة إلى ما ذكر من الاعتذار عند قول المصنف فقال : اشتريت ورهنت صح ( قوله : فإن شرط فيه مقتضاه ) المقتضى والمصلحة مباينان ، وذلك لأن المقتضى عبارة عما يلزم العقد ولهذا ثبت في العقد وإن لم يشرطه ، وأما المصلحة فلا يلزم فيها ما ذكر كالإشهاد فإنه من مصالحه بل مستحب فيه ، وبما تقرر علم أن المصنف أراد بالمصلحة ما ليس بلازم مستحبا كان أو مباحا ( قوله : به ) أي بالعقد ا هـ سم على حج ( قوله : كأن لا يأكل إلا كذا ) قد يقال كون هذا الشرط مما لا غرض فيه محل نظر لجواز أن أكل غير ما شرط يضر العبد مثلا فربما نقصت به الوثيقة ، بخلاف البيع فإنه لما خرج عن ملك البائع لم يكن له غرض فيما يأكله وإن أضر به ( قوله ولغا الشرط الأخير ) هو قوله ما لا غرض فيه ( قوله : وينفع الراهن ) قيد به لكونه الغالب لا للاحتراز ( قوله : من غير تقييد ) أي بمدة ( قوله : وكذا الرهن في الأظهر ) حكى الخلاف فيه دون ما قبله لأن الشرط فيما قبله مناف لمقصود الرهن بالكلية فاقتضى البطلان قطعا وما هنا لا يفوت مقصود الرهن بحال فأمكن معه جريان الخلاف ( قوله والخلاف في رهن التبرع ) غرضه منه التعميم لا التقييد ( قوله : وكون ما تقرر ) الأولى إسقاط كون ( قوله : لما مر من الفرق بينهما ) أي بقوله لقوة داعي القرض فإنه سنة ولأن وضعه جر المنفعة للمقترض ( قوله : نعم لو قيدها بسنة ) أي المنفعة ، وهو محترز قوله من غير .
[ ص: 236 ] تقييد فكان الأولى ترك الاستدراك ، أو يقال هو استدراك النظر لإطلاق المصنف وإلا فكان الظاهر أن يقول : أما لو قيدها بسنة إلخ ، ويكون محترز قوله من غير تقييد .
وفي سم على حج أقول : وينبغي أن يكون صورة ذلك بعتك هذا الثوب بدينار على أن ترهنني به دارك هذه ويكون سكناها إلى سنة فيقبل فهذا العقد جمع بين بيع الثوب واستئجار الدار سنة بالثوب فمجموع الدينار والمنفعة المعينة ثمن والثوب مبيع وأجرة ، فلو عرض ما يوجب انفساخ الإجارة انفسخ البيع فيما يقابل أجرة مثل الدار سنة من الثوب فليتأمل ا هـ .
وقول سم : انفسخ البيع : أي ولا خيار للمشتري لأن الصفقة لم تتحد ، إذ ما هنا بيع وإجارة والخيار إنما يثبت حيث اتحدت الصفقة ، وكان الأولى له التعبير بالعقد لأن البيع لم ينفسخ وإنما انفسخت الإجارة ( قوله : مشروطا في بيع ) يخرج ما لو لم يكن كذلك كرهنتك هذه الدار على كذا على أن يكون سكناها سنة بدينار فما المانع من صحته ويكون جمعا بين رهن وإجارة فليراجع سم على حج .
أقول : وقد يقال وجه عدم الصحة اشتمال العقد على شرط ما ليس من مقتضيات الرهن ولا من مصالحه فهو مقتض للفساد فهو رهن بشرط مفسد ، كما لو باع داره لشخص بشرط أن يقرضه كذا وهو مبطل ( قوله : والأظهر أنه إلخ ) قضية التعبير بما ذكر أن الخلاف في صحة العقد مرتب ، فإذا قلنا بصحة الشرط قلنا بصحة العقد قطعا ، وإذا قلنا بفساد الشرط ففي صحة العقد قولان أظهرهما فساده ، وعليه فيتلخص من جمع المسألتين ثلاثة أقوال : صحة الشرط والعقد ، فساد الشرط والعقد فساد الشرط وصحة العقد .
وهذا الثالث لم يفهم من كلام الشارح كالمحلي . وفي كلام حج المذكور في قوله تنبيه : قد يقال إلخ ، ما يؤخذ منه أنه كلام مستقل ليس مرتبا على الأظهر ولا مقابله ، وعبارته تنبيه : قد يقال لا حاجة لهذه الجملة الشرطية لأنه بين حكم الشرط والعقد فيما قبل هذه الصورة ، فلو قال : فساد الشرط والعقد لسلم من إبهام أن العقد في الصورة السابقة لم يبين حكمه ، على أن هذه الملازمة غير صحيحة إذ قد يفسد الشرط ولا يفسد العقد كما مر فيما لا غرض فيه .
ويجاب بأن الذي ذكره قبل شروط معينة وهنا قاعدة كلية ، ولذا تعين أن ضمير فسد ليس لعين الشرط قبله بل الشرط الأعم لكن بقيد كونه مخالفا لمقتضى العقد فتأمله ا هـ ( قوله لما مر ) أي من قوله لعدمها إلخ .
حاشية المغربي
[ ص: 233 ] كتاب الرهن [ ص: 234 - 235 ] قوله : على أن ترهنني دارك بكذا ) الأصوب الإتيان بالضمير بدل اسم الإشارة ( قوله : كان رهنا ) أي : على الأصح ، وقيل لا بد أن يقول بعده ارتهنت وقبلت . ( قوله : لأنه تبرع ) الضمير فيه للرهن كما أفصح به الجلال . ( قوله : وكون ما تقرر من البطلان إلخ ) عبارة التحفة عقب قول المصنف في الأظهر نصها : لما فيه من تغيير قضية العقد وكونه تبرعا فهو نظير ما مر إلخ ، فالضمير في قوله وكونه يرجع للرهن كما يعلم من عبارة الجلال [ ص: 236 ] لا البطلان الذي عبر عنه الشارح بما ذكر استرواحا