فصل في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به إذا ( اختلفا ) أي الراهن والمرتهن ( في ) أصل ( الرهن ) كأن قال : رهنتني كذا فأنكر ( أو ) في ( قدره ) أي الرهن بمعنى المرهون كأن قال : رهنتني الأرض بأشجارها فقال : بل الأرض فقط ، أو في عينه كهذا العبد فقال : بل الجارية ، أو قدر المرهون به كمائتين فقال : بل مائة ، أو صفة المرهون به كرهنتني بالألف الحال فقال الراهن : بالمؤجل ، أو في جنسه كما لو قال : رهنته بالدنانير فقال : بل بالدراهم ( صدق الراهن ) أي المالك ( بيمينه ) ولو كان المرهون بيد المرتهن إذ الأصل عدم ما يدعيه المرتهن وإطلاقه بالنظر للمدعي كما قاله الشارح وإلا فمنكر الرهن ليس براهن وقوله ( إن كان رهن تبرع ) أي غير مشروط في بيع قيد في التصديق ودخل في اختلافهما في قدر المرهون ما لو قال : رهنتني العبد على مائة فقال الراهن : رهنتك نصفه على خمسين ونصفه على خمسين وأحضر له [ ص: 298 ] خمسين ليفك نصف العبد ، والقول قول الراهن أيضا على أرجح الآراء ، ودخل في ذلك أيضا ما إذا كان قبل قبض المرهون لاحتمال أن ينكل الراهن فيحلف المرتهن ويقبضه الراهن بعد ذلك ( وإن شرط ) الرهن المختلف فيه بوجه مما ذكر ( في بيع تحالفا ) كما لو اختلفا في سائر كيفيات البيع فإن اتفقا على اشتراط الرهن في البيع واختلفا في الوفاء كأن قال المرتهن : رهنت مني المشروط رهنه وهو كذا فأنكر الراهن فلا تحالف حينئذ لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع الذي هو موقع التحالف بل يصدق الراهن بيمينه وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن ، وإنما تعرض للتحالف هنا استدراكا على الإطلاق وإلا فقد علم مما مر في بابه
( ولو ) ( ادعى ) على اثنين ( أنهما رهناه عبدهما بمائة ) وأقبضاه إياه ( وصدقه أحدهما ) ( فنصيب المصدق رهن بخمسين ) مؤاخذة له بإقراره ( والقول في نصيب الثاني قوله بيمينه ) لما سلف ( وتقبل شهادة المصدق عليه ) أي المكذب لخلوها عن جلب النفع ودفع الضرر عنه ، فإن شهد معه آخر أو حلف المدعي معه ثبت رهن الجميع ، ولو زعم كل واحد منهما أنه ما رهن نصيبه وأن شريكه رهن أو سكت عن شريكه وشهد عليه قبلت شهادته فربما نسيا ، وإن تعمدا فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق ، ولهذا لو تخاصم اثنان في شيء قبلت شهادتهما بعد وإن كان أحدهما كاذبا ونازع فيه الإسنوي بأن محل كونها غير مفسقة ما إذا لم ينضم غيرها إليها ، أما هنا فبتقدير تعمده يكون جاحدا لحق وجب عليه فيفسق بذلك ، ورد بأن شرط كون الجحد مفسقا أن تفوت المالية على الغير وهنا لم يفت إلا حق الوثيقة وقد يقال : لا يلزم من جحوده الحق كونه متعمدا [ ص: 299 ] فيحتمل أنه عرضت له شبهة أو نسيان حمله على الإنكار ، قال البلقيني : ومحل ذلك إذا لم يصرح المدعي بظلمهما بالإنكار بلا تأويل وإلا فلا تقبل شهادتهما لأنه ظهر منه ما يقتضي تفسيقهما ، وما نوزع به من أنه ليس كل ظلم خال عن تأويل مفسقا بدليل الغيبة فيه نظر ، إذ الكلام في ظلم هو كبيرة وكل ظلم كذلك خال عن التأويل مفسق ، ولا ترد الغيبة لأنها صغيرة على تفصيل يأتي فيها ، فالوجه ما قاله البلقيني ، ولو ادعيا على واحد أنه رهنها عبده وأقبضه لهما وصدق أحدهما قبلت شهادة المصدق بفتح الدال للمكذب إن لم يكن شريكه فيه .
حاشية الشبراملسي
( فصل ) في الاختلاف في الرهن ( قوله : وما يتعلق به ) أي ما يناسبه ، ومنه ما لو أذن المرتهن في بيع مرهون فبيع إلخ ، وما لو كان عليه ألفان أحدهما رهن إلخ ( قوله : فقال ) أي الراهن ( قوله : بل الجارية ) حيث صدقها الراهن في هذه فلا تعلق للمرتهن بها لإنكاره ولا بالعبد لإنكار المالك ، وعليه فلو أراد المالك التصرف في الجارية ببيع أو غيره فهل يتوقف على إذن المرتهن لأنه مرهون بزعم المالك أولا لأن إنكار المرتهن لم يبق له حقا وقياس ما سنذكره عن سم اعتبار إذنه ، وقد يفرق وهو المعتمد بأنه فيما يأتي إذا انقطع حق المجني عليه بإبراء أو نحوه ثبت الحق للمرتهن كما قاله سم فيما يأتي ، وما هنا إنكار المرتهن أسقط اعتبار قول الراهن بالكلية كمن أقر بشيء لمن ينكره حيث قيل : يبطل الإقرار ويتصرف المقر بما شاء ولا يعود للمقر له وإن كذب نفسه إلا بإقرار جديد ، ويأتي مثل ما ذكر في قول الشارح الآتي أو في جنسه كما لو قال : رهنته بالدنانير إلخ ( قوله : أي المالك ) حيث لم يقم به مانع من الحلف كصبا أو جنون أو سفه وقد رهن الولي فإنه الذي يحلف دونهم لعدم زوال الحجر عنهم ، وعبارة حج : أو مالك العارية ، وهي أولى لأن ما ذكره الشارح يوهم أن المستعير لا يصدق إذا ادعى شيئا مما ذكر وليس مرادا ، ثم قضية تصديق المالك أنه لو وافق المستعير المرتهن على ما ادعاه وأنكره مالك العارية أن المصدق هو المعير فيحلف ويسقط قول المستعير والمرتهن .
[ ص: 298 ] قوله : ولو كان ) غاية ( قوله : أما إذا كان ) أي الاختلاف ( قوله : ويقبضه الراهن ) ولا يمنع من ذلك تمكن الراهن من الفسخ قبل القبض ، لكن يرد عليه أن اليمين فرع الدعوى وشرطها أن تكون ملزمة ، وقبل القبض لا إلزام فيها لتمكنه من الفسخ ، هكذا رأيته بهامش عن ابن شرف وهو وجيه ( قوله : تحالفا ) أي في عين الصورة الأولى وهي ما إذا اختلفا في أصل الرهن أخذا من قوله فإن اتفقا إلخ ( قوله : واختلفا في الوفاء ) أي بالشرط .
[ فرع ] لو ادعى كل من اثنين على آخر أنه رهنه عبده مثلا وأقام كل منهما بينة بما ادعاه فإن اتحد تاريخهما أو أطلقت البينتان أو إحداهما تعارضتا ، وإن أرختا بتاريخين مختلفين عمل بسابقة التاريخ ما لم يكن في يد أحدهما وإلا قدمت بينة وإن تأخر تاريخها لاعتضادها باليد ( قوله : لم يرهن ) أي الراهن ( قوله : على الإطلاق ) أي في قوله أو قدره ( قوله : لما سلف ) أي من أن الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ( قوله : ولو زعم ) أي ذكر ( قوله : قبلت ) أي شهادة كل منهما على صاحبه فيصير العبد مرهونا بتمامه إن حلف المدعي مع شهادة كل يمينا أو أقام معه شاهدا بما ادعاه ( قوله : بعد ) أي في أي شيء كان سواء كان مالا أو غيره ( قوله : ونازع فيه ) أي في قوله فالكذبة الواحدة إلخ ( قوله : ورد ) أي ما نازع به الإسنوي ( قوله : وقد يقال ) أي في الاعتراض على الإسنوي ( قوله : كونه متعمدا ) قد يرد على هذا أن الإسنوي إنما بنى اعتراضه على تقدير كونه متعمدا للكذب وأن ذلك لا يوجب فسقا ، إلا أن يقال : تعمد الكذب في عدم الرهن لا يستلزم العلم بثبوت الحق عليه ، أو يقال : إن اعتراض الإسنوي على أصل الحكم [ ص: 299 ] وهو قبول الشهادة ( قوله : قال البلقيني ) راجع لقوله ولهذا لو تخاصم إلخ والأولى رجوعه لقول الشارح قبلت شهادته فربما إلخ ( قوله : وما نوزع به ) أي البلقيني ( قوله : فالوجه ما قاله البلقيني ) لكن قد يخالفه ما قدمه من قوله وإن تعمدا فالكذبة الواحدة إلخ من قوله اعتراضا على الإسنوي ، ورد بأن شرط إلخ ومن ثم رد شيخنا الزيادي تبعا لحج ما قاله البلقيني بعين ما قاله الشارح ردا على الإسنوي ، اللهم إلا أن يحمل ما قاله البلقيني على ما لو تخاصما في مال أنكره أحدهما وادعاه الآخر فلا يخالف ما رد به على الإسنوي ( قوله : ولو ادعيا على واحد أنه رهنهما عبده ) في حج : ولو ادعى كل من اثنين أنه رهنه كذا وأقبضه له فصدق أحدهما فقط أخذه وليس للآخر تحليفه كما في أصل الروضة هنا إذ لا يقبل إقراره له ، لكن الذي ذكراه في الإقرار والدعاوى واعتمده الإسنوي وغيره أنه يحلفه لأنه لو أقر أو نكل فحلف الآخر غرم له القيمة لتكون رهنا عنده ، واعتمد ابن العماد الأول وفرق بأنه لو لم يحلف في هذين لبطل الحق من أصله ، بخلاف ما هنا لأن له مردا وهو الذمة ولم يفت إلا التوثق ا هـ وفيه نظر وكفى بفوات التوثق محوجا إلى التحليف كما هو ظاهر ( قوله : وصدق ) أي المدعى عليه ( قوله : إن لم يكن شريكه ) أي شريك المصدق في الدين .
حاشية المغربي
[ ص: 297 ] ( فصل ) في الاختلاف في الرهن ( قوله : إذ الأصل عدم ما يدعيه المرتهن ) هو تعليل لما في المتن خاصة [ ص: 298 ] قوله : ويقبضه الراهن بعد ذلك ) أي : باختياره ، وإلا فمعلوم أنه لا يجبر على الإقباض إذ الصورة أنه رهن تبرع ( قوله : واختلفا في الوفاء ) أي : بالشرط . ( قوله : استدراكا على الإطلاق ) فيه أنه ليس في كلامه إطلاق بعد تقييده بقوله إن كان رهن تبرع فالأصوب أن يقال تصريحا بحكم مفهوم قوله إن كان رهن تبرع . ( قوله : وقد يقال لا يلزم من جحوده إلخ ) فيه أن كلام الإسنوي مفروض فيما إذا تعمد [ ص: 299 ] قوله : فيه نظر إذ الكلام إلخ ) للشهاب سم في هذا بحث في حواشيه على التحفة ( قوله : فالوجه ما قاله البلقيني ) لا يلائم ما قدمه في رد كلام الإسنوي لما لا يخفى من أن كلام البلقيني مبني على أن ما ذكر مفسق