والحلم الاحتلام ، وهو لغة ما يراه النائم ، والمراد به هنا خروج المني في نوم أو يقظة بجماع أو غيره ، فتعبيره بالخروج أعم من تعبير أصله بالاحتلام ، وكلام المصنف يقتضي تحقق خروج المني ، فلو أتت زوجة الصبي بولد يلحقه لا يحكم ببلوغه به وهو المنصوص ونقله الرافعي في باب اللعان عن الأصحاب ; لأن الولد يلحق بالإمكان ، والبلوغ لا يكون إلا بتحققه ، وعلى هذا لا يثبت إيلاده إذا وطئ أمته وأتت بولد ، وهو كذلك خلافا للبلقيني في ثبوت إيلاده والحكم ببلوغه ( ووقت إمكانه استكمال تسع سنين ) قمرية بالاستقراء ، وأفهم تعبيره بالاستكمال أنها تحديدية ، وهو كذلك كما مر وإن بحث بعض المتأخرين أنها تقريبية كالحيض ; لأن الحيض ضبط له أقل وأكثر فالزمن الذي لا يسع أقل الحيض والطهر وجوده كالعدم بخلاف المني ، وسواء في ذلك الذكر والأنثى ( ونبات ) شعر ( العانة ) الخشن الذي يحتاج في إزالته إلى نحو حلق ، وظاهر أنها اسم للمنبت لا للنابت وفيه خلاف لأهل اللغة ، والأشهر أنها النابت وأن المنبت شعرة بكسر أوله ( يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر ) ومن جهل إسلامه إذا كان على فرج واضح أو فرجي مشكل معا كما قاله جمع متقدمون ، وتوقف البلقيني فيه يجاب عنه بما يأتي من أنه دليل على البلوغ بالاحتلام فاشترط كونه على الفرجين كما يشترط خروج المني منهما وشمل كلامه الذكر والأنثى وهو كذلك ، خلافا للجوري لما صح عن [ ص: 359 ] عطية القرظي : كنت من سبي بني قريظة فكانوا ينظرون من أنبت الشعر قتل ، ومن لم ينبت لم يقتل ، فكشفوا عن عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني في السبي .
ووقت إمكانه وقت إمكان الاحتلام ، ولو لم يحتلم وشهد عدلان بأن سنه دون خمس عشرة سنة لم يحكم ببلوغه بالإنبات ، قاله الماوردي .
وقضيته أنه دليل البلوغ بالسن ، وقال الإسنوي كالسبكي يتجه أنه دليل للبلوغ بأحدهما ا هـ .
وهذا هو الأصح .
ويجوز النظر إلى عانة من احتجنا لمعرفة بلوغه للخبر المار وخرج بها شعر اللحية والإبط فليس دليلا للبلوغ لندورهما دون خمس عشرة سنة ، ولأن إنباتهما لو دل على البلوغ لما كشفوا العانة في وقعة بني قريظة لما فيه من كشف العورة مع الاستغناء عنه ، وفي معناهما الشارب وثقل الصوت ونهود الثدي ونتو طرف الحلقوم وانفراق الأرنبة ونحو ذلك ( لا المسلم في الأصح ) فلا يكون علامة على بلوغه لسهولة مراجعة آبائه وأقاربه المسلمين ، ولأنه متهم في الإنبات فربما تعجله بدواء دفعا للحجر وتشوفا للولايات ، بخلاف غيره فإنه يفضي به إلى القتل أو ضرب الجزية ، وهذا جرى على الأصل والغالب ; إذ الأنثى والخنثى ومن تعذرت مراجعة أقاربه المسلمين كذلك ، ويصدق ولد كافر سبي فادعى الاستعجال بالدواء بيمينه لدفع القتل لا لإسقاط جزية لو كان من أولاد أهل الذمة وطولب بها ، والفرق الاحتياط لحق المسلمين في الحالين ويجب تحليفه في الأولى إذا أراده ولا يشكل تحليفه بأنه يثبت صباه ، والصبي لا يحلف لمنع كونه يثبته بل هو ثابت بالأصل ، وإنما العلامة وهي الإنبات عارضها دعواه الاستعجال فضعفت دلالتها على البلوغ فاحتيج لمعين لما عارضها ، وأيضا فالاحتياط لحقن الدم قد يوجب مخالفة القياس ، ولذا قبلت جزية المجوس مع حرمة [ ص: 360 ] مناكحتهم علينا .
وهذا التفصيل هو المعتمد وتزيد المرأة عليه ( حيضا ) لوقت إمكانه السابق بالإجماع ( وحبلا ) وعبر غيره بالولادة وكل منهما ليس بلوغا ، وإنما البلوغ بالإنزال ، والولادة المسبوقة بالحبل دليل عليه ، ومن ثم يحكم بالبلوغ قبلها بستة أشهر ولحظة ، فلو أتت المطلقة بولد يلحق الزوج حكمنا بالبلوغ لها قبل الطلاق بما مر وسكت المصنف عن الخنثى المشكل وحكمه أنه إن أمنى بذكره وحاض من فرجه حكم ببلوغه ، لا إن وجدا أو أحدهما من أحد الفرجين لجواز أن يظهر من الآخر ما يعارضه ، كذا قاله الجمهور ، وهو المعتمد ، وإن قال الإمام : ينبغي الحكم ببلوغه بأحدهما كما يحكم بالإيضاح به ثم يغير إن ظهر خلافه ، وقال الرافعي : إنه الحق وسكت عليه المصنف ، وأما قول الإمام كالحكم بالإيضاح به ففرق ابن الرفعة بين الحكم بالبلوغ بذلك وبين الحكم بالذكورة والأنوثة بأن احتمال ذكورته مساو لاحتمال أنوثته ، فإذا ظهرت صورة مني به أو حيض في وقت إمكانه غلب على الظن الذكورة أو الأنوثة فتعين العمل به مع أنه لا غاية بعده محققة تنتظر ، ولا يحكم بالبلوغ ; لأن الأصل الصبا فلا نبطله عما يجوز أن يظهر بعده ما يقدح في ترتب الحكم عليه مع أن لنا غاية تنتظر ، وهي استكمال خمس عشرة سنة .
وأما قوله : ثم يغير فقال الأذرعي : تغير الحكم فيما يمكن من الأقوال والأفعال التي تبقى معها الحياة ظاهر ، لكن إذا حكمنا ببلوغه رتبنا عليه أثره من القتل بقود وردة وغيرهما مع بقاء الشك في البلوغ وفيه بعد ا هـ .
وقال المتولي : إن وقع ذلك مرة لم يحكم ببلوغه وإن تكرر حكمنا به .
قال المصنف : وهو حسن غريب .
قال الإسنوي : والاستدلال بالحيض على الأنوثة وبالمني عليها أو على الذكورة شرطه التكرار ، والإمام والرافعي استندا في تصويب الأخذ بأحد الأمرين إلى القياس على الأخذ بالذكورة أو الأنوثة فعلم أن صورة ذلك في التكرار ا هـ . [ ص: 361 ] فعلم من ذلك أن كلام الإمام موافق لكلام المتولي ، ومر وجوب الغسل بخروج المني من غير طريقه المعتاد ، فعليه لا منافاة بين الحيض وخروج المني من الذكر لكن ذاك محله مع انسداد الأصلي وهو منتف هنا
حاشية الشبراملسي
( قوله : ولم يرني ) أي لم يعلمني
( قوله : ورآني ) عطف علة [ ص: 358 ] على معلول : أي أجازني لرؤيته بلوغي
( قوله : سنة خمس ) الصحيح أنها سنة أربع كما في الروضة ، وعلى هذا فلا إشكال في جواب الشارح .
أما على ما ذكره من أنها سنة خمس فلا يتم الجواب بما ذكر ; لأن بينهما أكثر من سنتين كذا بهامش ، وفيه أن الإشكال مندفع بما ذكره ; لأنه صدق عليه بتقدير كونها في سنة خمس أنه استكمل الخمسة عشر وأخذ جزءا مما بعدها ( قوله : أو خروج المني ) ضابطه ما يوجب الغسل ، ولو أحس بالمني في قصبة الذكر فقبضه فلم يخرج حكم ببلوغه ، وإن لم يجب الغسل لاختلاف مدرك البابين ; لأن المدار في الغسل على الخروج إلى الظاهر وفي البلوغ على الإنزال قاله م ر .
ولا يرد هذا على قوله السابق : إن ضابطه ما يوجب الغسل ; لأن المراد ما يكون شأنه إيجاب الغسل لو خرج فليتأمل ا هـ سم على منهج
( قوله : بولد يلحقه ) بأن بلغ تسع سنين وستة أشهر مدة الحمل
( قوله : لا يكون إلا بتحققه ) أي لا يحكم به إلا إلخ
( قوله : لا يثبت إيلاده ) أي ويثبت نسبه لإمكانه
( قوله : إذا وطئ ) أي وثبت وطؤه بغير إقراره ; لأن لحوق الولد من الأمة لا يكفي فيه مجرد الإمكان من غير ثبوت الوطء ، بخلاف لحوق الولد من الزوجة فإنه يكفي فيها مجرد الإمكان بعد العقد ، وإن لم يعلم وطء
( قوله : أنها تحديدية ) أي في الذكر والأنثى كما يأتي ( قوله : بعض المتأخرين ) مراده حج
( قوله : والأشهر ) أي عند أهل اللغة ( قوله : كما يشترط خروج المني منهما ) وعليه لو خرج من أحدهما واستدخلته امرأة ثم أتت بولد لحقه احتياطا للنسب ولا يحكم ببلوغه كما مر [ ص: 359 ] في زوجة الصبي ( قوله : وقت إمكان الاحتلام ) أي فلو أنبت قبل إمكان خروج المني لم يحكم ببلوغه
( قوله : وهذا هو الأصح ) أي فيحكم ببلوغ الصبي وإن شهدت بينة بعدم بلوغه خمس عشرة سنة ، وفي حاشية شيخنا الزيادي أن المعتمد خلاف ما قاله الماوردي وعبارته قوله قاله الماوردي إلخ ، بل يحكم ببلوغه بالإنبات فلا تعتبر البينة ا هـ .
وهي صريحة فيما قلناه ( قوله : ويجوز النظر إلى عانة ) أي أما المس فلا ، ولعله ; لأن معرفة كونه يحتاج إلى حلق تكفي فيه الرؤية ومحل جواز النظر حيث لم يرتكب الحرمة ويمس ، فإن خالف وفعل فينبغي حرمة النظر لحصول المقصود بالمس ( قوله : فليس دليلا للبلوغ ) أي فلا يتوقف الحكم بالبلوغ حيث لم يعلم استكمال الخمس عشرة سنة على نباتهما بل يكتفى بنبات العانة ، وليس معناه أنه إذا نبتت لحيته بالفعل لا يحكم ببلوغه بل ذلك علامة بالأولى من نبات العانة ويدل عليه قوله لندورهما دون خمسة عشر ، وفي حج ما يصرح بخلاف ذلك وعبارته : وخرج بها نبات نحو اللحية فليس بلوغا كما صرح به الشرح الصغير في الإبط وألحق به اللحية والشارب بالأولى فإن البغوي ألحق الإبط بالعانة دونهما وفي كل ذلك نظر ، بل الشعر الخشن من ذلك كالعانة في ذلك وأولى إلا أن يقال إن الاقتصار عليها : أي العانة أمر تعبدي وهو صريح منه في أن اللحية إذا نبتت لا يستدل بنباتها على البلوغ حيث لم تنبت عانته ولكنه نظر فيه كما ترى ، فلعل ما ذكرناه أولا أوجه
( قوله : ونهود الثدي ) أي ارتفاعه .
قال في المصباح : نهد الثدي نهودا من باب قعد ومن باب نفع كعب وأشرف ، وجارية ناهد وناهدة أيضا والجمع نواهد ( قوله : وانفراق الأرنبة ) أي طرف الأنف
( قوله : كذلك ) أي في إنبات عانتهما علامة ولد الكافر دون المسلم
( قوله : وطولب بها ) قضيته أن الجزية تؤخذ من أولاد الذميين تبعا لآبائهم ، والمعتمد أنها لا تجب إلا بالتزامهم الجزية ومن ثم قال سم على منهج : لا لعدم ضرب الجزية
( قوله : إذا أراده ) أي الحلف فلو امتنع منه قتل للحكم [ ص: 360 ] ببلوغه بنبات العانة المقتضي لبلوغه ولم يأت بدافع ( قوله : وكل منهما ) أي الحبل والولادة ( قوله : قبل الطلاق بما مر ) أي بلحظة ، وإن زادت المدة على ستة أشهر كسنة ، ومحل ما ذكر من اعتبار اللحظة قبل الطلاق حيث أمكن اجتماعه بها في ذلك الوقت ، وإلا فالمدة إنما تعتبر من آخر أوقات إمكان الاجتماع ( قوله : حكم ببلوغه ) أي أو أمنى بهما
( قوله : بذلك ) أي بالأحد حيث لم نقل به
( قوله : وبين الحكم بالذكورة ) أي حيث قلنا بهما ، والمعنى فرق بين عدم البلوغ بالأحد وحصول الإيضاح به ( قوله : والأنوثة ) أي فيحكم بذكورته بخروج المني من آلة الرجال ولا يحكم ببلوغه وهو مشكل ، فإن سبب الحكم بذكورته كونه منيا من طريقه المعتاد ومن لازمه البلوغ فالحكم بإيضاحه بالذكورة بالمني المذكور وعدم بلوغه لا يظهر له معنى ( قوله : مع أن لنا غاية تنتظر ) قضيته أنه لو أمنى أو حاضت أو وجدا من أحدهما وقلنا بعدم البلوغ بذلك ثم بلغ خمس عشرة سنة ، ولم يعرض ما يخالف ما ظهر منه أنا إنما نحكم ببلوغه بعد بلوغ الخمس عشرة ولا نقول تبين بذلك الحكم ببلوغه بخروج المني مثلا ، وعليه فتصرفاته الواقعة بعد خروج المني أو الحيض وقبل بلوغ السن المذكور باطلة للحكم بصباه ، واحتمال جواز عروض خلافه ممكن ولو بعد
( قوله : وأما قوله ) أي الإمام ( قوله : التي تبقى معها الحياة ) أي تمتد
( قوله : إن وقع ذلك ) أي الحيض أو المني من الخنثى
( قوله : وهو ) أي ما قاله المتولي
( قوله : حسن ) من حيث المعنى غريب من حيث النقل
( قوله : فعلم ) [ ص: 361 ] قوله : فعلم ) أي من كلام الشارح ( قوله : فعليه ) أي على ما مر ( قوله : لكن ) اعتراض على قوله لا منافاة ( قوله وهو منتف ) قد يمنع بأن المراد بانسداده عدم خروج شيء منه لا انسداده بلحمة ونحوها
حاشية المغربي
. [ ص: 358 ] قوله : فلو أتت زوجة الصبي بولد يلحقه ) أي : بأن أمكن كونه منه بأن أتت به بعد ستة أشهر من الوطء ، وعبارة التحفة : فلو أتت زوجة صبي بلغ تسع سنين بولد للإمكان لحقه . ( قوله : وهو كذلك كما مر ) لعل مراده في الحيض ( قوله : وظاهر ) أي ظاهر ما حل به المتن من زيادة لفظ شعر . ( قوله : وتوقف البلقيني فيه ) أي في اشتراط كونه على الفرجين أخذا من الجواب . ( قوله : يجاب عنه مما يأتي من أنه دليل على البلوغ بالاحتلام ) الذي سيأتي للشارح تصحيح أنه دليل على البلوغ بأحدهما ( قوله : لما صح إلخ ) تعليل للمتن [ ص: 359 ] قوله : لندورهما ) أي فلم يجعلا مناطا للحكم على القاعدة ( قوله : ولأن إنباتهما لو دل على البلوغ لما كشفوا إلخ ) [ ص: 360 ] هذا إنما يتضح لو كان لمن كشفوه شعر لحية أو إبط . ( قوله : حكمنا بالبلوغ لها قبل الطلاق بلحظة ) أي وإن زادت المدة على ستة أشهر فهو كالمستثنى مما قبله ، ومن ثم عبر الشهاب حج بعد قوله يحكم ببلوغها قبله بستة أشهر ولحظة بقوله ما لم تكن مطلقة وتأتي بولد يلحق المطلق فيحكم ببلوغها قبل الطلاق بلحظة . ( قوله : وحاض من فرجه ) أي : أو أمنى منه كما هو ظاهر . ( قوله : وأما قول الإمام كالحكم بالإيضاح ) أي الذي عبر عنه الشارح بقوله فيما مر بقوله كما يحكم بالاتضاح به وكان الأولى خلاف هذا السياق [ ص: 361 ] قوله : وأما قوله : ) أي الإمام ( قوله : فعلم من ذلك أن كلام الإمام موافق لكلام المتولي ) أي ومع ذلك فكل منهما ضعيف كما علم مما مر . ( قوله : ومر وجوب الغسل إلخ ) حاصل المقصود من هذا أنهم عللوا الحكم بالبلوغ بالحيض من الفرج والإمناء من الذكر بأنه إما ذكر أمنى أو أنثى حاضت فأبدى فيه في شرح الروض سؤالا ، حاصله أنهم أوجبوا الغسل بخروج المني من غير طريقه المعتاد ، فحينئذ لا منافاة بين خروج المني من الذكر والحيض من الفرج ; لاحتمال أنه أنثى حاضت من فرجها وأمنت من غير طريق منيها المعتاد : أي فلا يتم الترديد في تعليلهم ، ثم أجاب عنه بأن محل وجوب الغسل بخروج المني من غير طريقه إذا انسد الأصلي وهو منتف هنا ، والشارح رحمه الله أسقط التعليل المذكور ثم ذكر ما ذكره فلم يظهر معناه