قال البغوي في فتاويه : لم يصح لأن أداء الظهر خمس ركعات [ ص: 299 ] غير مباح ، وكذلك لو نوى أن يصلي عريانا مع وجود الثياب ( أو ) نوى ( فرضا ) ( فله النفل على المذهب ) لأن النوافل تابعة ، فإذا استباح المتبوع استباح التابع كما إذا أعتق الأم يعتق الحمل .
والثاني لا لأنه لم ينوها .
والثالث له ذلك بعد الفرض لا قبله لأن التابع لا يقدم والتيمم للجنازة كنية النفل لأنه يسقط بفعل الغير ( أو نفلا أو الصلاة تنفل ) أي فعل النفل ( لا الفرض على المذهب ) فيهما .
أما الأولى فلكون الفرض أصلا والنفل تابعا فلا [ ص: 300 ] يكون المتبوع تابعا .
والثاني يستبيح الفرض قياسا على الوضوء ، وأما الثانية فبالقياس على ما لو تحرم بالصلاة فإن صلاته تنعقد نفلا ، وكون المنفرد المحلى بأل للعموم إنما يفيد فيما مداره على الألفاظ ، والنيات ليست كذلك ، على أن بناءها على الاحتياط يمنع العمل فيها بمثل ذلك لو فرض أن للألفاظ فيها دخلا فاندفع ما للأسنوي وغيره هنا ، والثاني يستبيح الفرض أيضا لأن الصلاة اسم جنس يتناول النوعين فيستبيحهما كما لو نواهما ، ومتى استباح النفل استباح ما في معناه من نحو مس مصحف وسجدة تلاوة أو شكر وقراءة نحو جنب ومكثه في المسجد وحل وطء وصلاة جنازة وإن تعينت ، فإن تيمم لمس مصحف ولو عند خوف عليه من كافر أو غرق أو حرق أو نجاسة أو لسجدة تلاوة أو شكر أو من انقطع حيضها لحل وطء ولو لحليل أو تيمم جنب لاعتكاف أو قراءة قرآن ولو كانت فرضا عينيا كتعلم الفاتحة لم يستبح به فرضا ولا نفلا .
نعم يظهر أن الجميع في مرتبة واحدة كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى حتى لو تيمم لواحد منها جاز له فعل البقية ، وقول الشارح : وسجود التلاوة والشكر ومس المصحف وحمله لأن النفل آكد منها لا يقتضي شموله للجنازة ، وأن النفل حينئذ آكد منها لفصله بين هذا وبين ما قبله بقوله كما سيأتي .
حاشية الشبراملسي
( قوله : استباحة فرضين ) أي كأن قال : نويت استباحة الظهر أو العصر .
وينبغي الصحة أيضا فيما لو نوى أحد فرضين لا بعينه كأن قال : نويت استباحة الظهر أو العصر ( قوله : لم يصح ) معتمد [ ص: 299 ] قوله أو نوى فرضا فله النفل ) أي مع الفرض تقدم عليه أو تأخر .
وقضية إطلاقه أنه يستبيح بنية الفرض الصلوات الخمس وغيرها من الفرائض وإن لم يقيد الفرض في نيته بالعيني ، وأورد عليه أنه لو نوى استباحة الصلاة وأطلق نزلت على النفل ، لأن المطلق ينزل على أقل الدرجات ، وقياسه أنه إذا أطلق الفرض حمل على فرض الكفاية لصدق الفرض به ، ويمكن الجواب بأن الصلاة تصدق على كل من الفرض والنفل صدقا واحدا بأن يقال لكل منهما صلاة ، بخلاف الفرض فإنه اشتهر في الفرض العيني بحيث إذا أريد غيره لا يذكر إلا مقيدا ، فوجب حمل اللفظ عليه عند الإطلاق لأنه لشهرته فيه صار كالموضوع له ، بخلاف الصلاة كما تقرر هذا ، وفي كلام سم على منهج أن المرتبة الأولى مما ينويه الفرض العيني فيستبيح بها كل ما يتوقف على تيمم ا هـ .
وقضية تقييده بالعيني أنه لا يستبيح ذلك عند إطلاق الفرض وهو غير مراد لأنه إنما قابله بما لو نوى صلاة الجنازة ، وهو يدل على أنه أراد بالعيني ما يشمل ما لو ذكره في نيته وما لو أطلق فيكون هو مرادا منها ، وبقي ما لو قال نويت استباحة فرض وأطلق ، فهل يحمل على الفرض العيني فيصلي به ما شاء أو على فرض الكفاية فيصلي به صلاة الجنازة وما في معناها ؟ فيه نظر ، وببعض الهوامش من غير عزو أنه يحمل على الجنازة تنزيلا على أقل الدرجات .
وأقول : حيث جعلت العلة التنزيل على أقل الدرجات فالأقرب حمله على مس المصحف وما في معناه ، لأن مما يصدق به الفرض مس المصحف وحمله إذا وجب كأن خيف عليه تنجس أو كافر ومما يصدق عليه ذلك المكث في المسجد إذا نذر الاعتكاف فيه فلا يصلي به لا فرضا من الصلوات ولا نفلا ، هذا وصريح قول المنهج ولا يؤدي به : أي بتيممه لفريضة عينية من فروض عينية غير واحد أنه لو نوى الفرض وأطلق لا يصلي به فرضا عينيا .
أقول : يظهر أن يقال : إن كان قصد إباحة تثبت للفرض دون النوافل فالقياس البطلان : أي للتيمم على ما تقدم عن البغوي في هامش باب الوضوء ، وإن أراد أنه يستبيح الفرض ولا يفعل النفل فالقياس أنه لا يضر ا هـ سم على منهج .
وقوله لا يضر : أي فله فعل النفل .
وبقي ما لو قال : نويت استباحة مفتقر إلى تيمم ، فينبغي أن يقال فيه : إن كان محدثا حدثا أصغر لم يصح لشمول نيته للمكث في المسجد وقراءة القرآن وكلاهما مباح له فلا تصح نيته كما لو قال في وضوئه نويت استباحة مفتقر إلى طهر ، وإن كان محدثا حدثا أكبر صحت نيته ونزلت على أقل الدرجات فيستبيح مس المصحف ونحوه ( قوله : لأنه يسقط ) أي ما ذكر وهو فرض الجنازة ( قوله : أي فعل النفل ) أشار به إلى صحة العطف وحاصله أنه نظر في العطف إلى صحة المعنى فإن قوله تنفل معناه فعل النفل ( قوله : أما الأولى ) هي قوله أو نفلا ( قوله : الفرض أصلا ) لعل المراد أن النفل تابع في المشروعية للفرض ، فإن من لم يخاطب بالفرض لم يخاطب بالنفل .
وعبارة المحلي في شرح قول جمع الجوامع : والحكم خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث إنه مكلف توجيها لشمول الحكم للمندوب والمكروه والمباح المعبر فيه عن الأولين بالاقتضاء الغير الجازم وعن الثالث بالتخيير نصها لتناول حيثية التكليف للأخيرين منها : أي الاقتضاء الغير الجازم ، والتخيير كالأول الظاهر : أي وهو الاقتضاء الجازم فإنه لولا وجود التكليف لم يوجدا .
ألا ترى إلى انتفائهما قبل البعثة كانتفاء التكليف انتهى رحمه الله ، أو أن المراد بالتبعية أنها شرعت جابرة للفرائض [ ص: 300 ] فكأنها مكملة لها فعدت تابعة بهذا الاعتبار ( قوله : قياسا على الوضوء ) أي في أنه إذا نوى فيه استباحة النفل استباحه والفرض ( قوله : وأما الثانية ) هي قوله أو الصلاة ( قوله : تحرم بالصلاة ) أي وأطلق ( قوله : مس المصحف ) أي وإن تعين عليه حمله للخوف عليه من كافر أو تنجس ، ولا يقال إنه في هذه الحالة صار فرضا عليه فلا يستبيحه بنية النفل ولا أنه عند تعينه يصير فرضا عليه فإذا نواه استباح غيره من الفرائض ( قوله : ولو لحليل ) أخذه غاية لدفع ما قد يتوهم أنها الآن تتيمم لواجب ( قوله جاز له فعل البقية ) أي مما ذكر من قوله فإن تيمم لمس مصحف إلخ ، ومنه سجدة التلاوة ، وعليه فلو نوى استباحة مس المصحف جاز له فعل سجدة التلاوة والشكر بذلك التيمم ( قوله حينئذ ) أي حين علل الجملة بما ذكر .
حاشية المغربي
( قوله : إذ نية الاستباحة إلخ ) عبارة التحفة : والتيمم مبيح وبالخطأ صادفت نيته استباحة ما لا يستباح