ويشترط ذلك في المستعير أيضا فلا تصح استعارة محجور ولو سفيها ولا استعارة وليه له إلا إن انتفى الضمان كأن استعار من نحو مستأجر ، ويشترط أن يكون مختارا ، وتعيينه ، فلو فرش بساطه لمن لم يجلس عليه لم يكن عارية بل مجرد إباحة ( وملكه للمنفعة ) ولو لم [ ص: 119 ] يملك الرقبة ، إذ الإعارة إنما ترد على المنفعة ، وأخذ منه الأذرعي امتناع إعارة فقيه أو صوفي سكنهما في مدرسة ورباط لأنهما يملكان الانتفاع لا المنفعة .
ولعل مراده أن ذلك لا يسمى عارية حقيقة ، فإن أراد حرمته فممنوع حيث لم ينص الواقف على شيء ولم تكن في زمنه عادة مطردة بمنع ذلك ، ويلحق بملك المنفعة اختصاصه بها لما سيذكره في الأضحية من جواز إعارة أضحية أو هدي نذره مع خروجه عن ملكه ، ومثله إعارة كلب لصيد وأب لابنه الصغير ومجنون وسفيه كما ذكره الزركشي بحثا إذا كان الزمن غير مقابل بأجرة ولا يضر به لجواز استخدامه في ذلك حينئذ ، وأطلق الروياني حل إعارته لخدمة من يتعلم منه لقصة nindex.php?page=showalam&ids=9أنس في الصحيح .
وظاهر أن تسمية مثل هذه المذكورات عارية فيه نوع تجوز ، وقول الإسنوي بإعارة الإمام مال بيت المال لأنه إذا جاز له التمليك [ ص: 120 ] فالإعارة أولى مردود بأنه إن كان ذلك لمن له حق في بيت المال فهو إيصال حق لمستحقه فلا يسمى عارية ، أو لمن لا حق له فيه لم يجز لأن الإمام فيه كالولي في مال موليه ، وهو لا يجوز له إعارة شيء منه مطلقا .
ومن ثم كان الصواب كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى عدم صحة بيعه لقن بيت المال من نفسه لأنه عقد عتاقة ، وهو ليس من أهل العتق ولو بعوض كالكتابة لأنه بيع لبعض مال بيت المال ببعض آخر لملكه أكسابه لولا البيع ، ولأنه يمتنع عليه تسليم ما باعه قبل قبض ثمنه ، وهذا مثله لأن القن قبل العتق لا ملك له وبعده قد يحصل وقد لا ، فالمصلحة منتفية في ذلك لبيت المال رأسا ، وأخذ من ذلك جمع متأخرون عدم وجوب مراعاة شروط أوقاف الأتراك لبقائها على ملك بيت المال لأنهم أرقاء له ، فمن له فيه حق حلت له على أي وجه وصلت إليه ، ومن لا حق له لا يحل له مطلقا ا هـ .
والأوجه اتباع شروطهم حيث لم يعلم رقهم ، وفعلوا ذلك على وجه اقتضته المصلحة في نظرهم ولم يتبين خطؤهم في ذلك لإخراجهم ذلك على وجه مخصوص .
ولا يلزم من تشبيه الإمام بالولي إعطاؤه أحكامه من سائر أوجهه ، وقياس ذلك على إعتاق العبد من نفسه ممنوع ( فيعير مستأجر ) إجارة صحيحة لملكه المنفعة وموصى له بالمنفعة على ما سيأتي تحريره في بابه وموقوف عليه لم يشرط الواقف استيفاءه بنفسه لكن بإذن الناظر كما أفاده ابن الرفعة وهو ظاهر ( لا مستعير ) بغير إذن المالك ( على الصحيح ) لأنه لا يملكها وإنما أبيح له الانتفاع ، ومن ثم لم يؤجر ولم تبطل عاريته بإذن المالك له فيها ولم يبرأ من ضمانها إن لم يعين له الثاني كما أفاده الماوردي .
والثاني : يعير كما أن للمستأجر أن يؤجر ( وله أن يستنيب من يستوفي المنفعة له ) كأن يركب مثله [ ص: 121 ] أو دونه لحاجته دابة استعارها للركوب .
قال في المطلب : وكذا زوجته وخادمه لرجوع الانتفاع إليه أيضا .
( قوله : فلا تصح إعارة مكره ) أي بغير حق ، أما به كما لو أكره على إعارة واجبة فتصح ا هـ حج ( قوله : لأن بدنه في يده فلا عارية ) قد يشكل بما يأتي فيما لو ركب منقطعا من أنه لا يشترط في العارية كون المعار في يد المستعير ، بل حكم العارية ثابت له وإن كان في يد المعير ، ومن ثم لو سأل شخص صاحب الدابة في حمل متاع له على دابته فحمله عليها كان إعارة لها ، وإن تلفت ضمنها السائل ، اللهم إلا أن يقال : السفيه لا يمكن جعله تحت يد غيره لكونه حرا بخلاف الدابة فكأنه في يد نفسه ( قوله : وكذا للمفلس إعارة عين إلخ ) هلا قيل بالامتناع مطلقا فيه وفي المكاتب لأنها قد تتلف فتفوت على الغرماء وعلى السيد ولو قيل بذلك لكان وجيها ( قوله : إلا في نظير ما مر ) أي في قوله زمنا لا يقابل بأجرة ( قوله : ولو سفيها ) أي بأن كان صبيا أو مجنونا أو محجورا عليه بسفه ، أما المفلس فتصح استعارته لأنه لا ضرورة لها على الغرماء لأنها لو تلفت تلفا مضمنا لا يزاحم المعير الغرماء ببدلها ( قوله : إلا إن انتفى الضمان ) أي أو لضرورة كبرد مهلك فيما يظهر ا هـ حج ( قوله : ويشترط أن يكون ) أي المستعير ( قوله : وتعيينه ) أي المستعير ، وقوله بل مجرد إباحة ، ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا لم يصح ، فلو تلف في يده أو أتلفه لم يضمنه هو ولا مرسله : أي لأنه لم يدخل في يده كذا في الجواهر ، ونظر غيره في قوله أو أتلفه ، والنظر واضح إذ الإعارة ممن علم أنه رسول لا تقتضي تسليطه على الإتلاف فليحمل ذلك : أي عدم الضمان على ما إذا لم يعلم أنه رسول ا هـ حج .
وكتب عليه سم قوله فليحمل ذلك إلخ ، أقول : فيه نظر أيضا لأن الإعارة لا تقتضي تسليط المستعير على الإتلاف : أي فيضمن فيه إلا في التلف غاية الأمر أنها تقتضي المسامحة بالتلف بواسطة الاستعمال [ ص: 119 ] المأذون فيه فليتأمل ا هـ . ويمكن الجواب بأنها وإن لم تقتض التسليط بالإتلاف لكنها اقتضته بالتسليط على العين المعارة بوجوه الانتفاع المعتاد فأشبهت المبيع ، وقد صرحوا فيه بأن المقبوض بالشراء الفاسد من السفيه لا يضمنه إذا أتلفه ( قوله : من جواز إعارة أضحية أو هدي ) لو تلف ضمنه المعير والمستعير وليس لنا معير يضمن إلا في هذه الصورة ا هـ سم على حج .
وسيأتي في كلام الشارح ، ومراده إن كان طريق في الضمان وأن القرار على من تلفت تحت يده ( قوله : لجواز استخدامه في ذلك ) قضيته أنه ليس للأب استخدام ولده فيما يقابل بأجرة أو كان يضره وهو ظاهر في الثاني ، وينبغي خلافه في الأول بل هو أولى من المعلم الآتي ، وبتسليم الأول فينبغي للأب إذا استخدم من ذكر أن يحسب أجرة مثله مدة استخدامه ثم يملكها له عما وجب عليه ثم يصرفها عليه فيما يحتاجه من نفقة وكسوة .
ومما عمت به البلوى أن يموت إنسان ويترك أولادا صغارا فتتولى أمهم أمرهم بلا وصاية ، أو كبير الإخوة أو عم لهم مثلا ويستخدمونه م في رعي دواب إما لهم أو لغيرهم .
والقياس وجوب الأجرة على من استخدمهم سواء كان أجنبيا أو قريبا ، ولا يسقط الضمان بقبض الأم أو كبير الإخوة أو نحوهما حيث لا وصاية ولا ولاية من القاضي ( قوله : وأطلق الروياني حل إعارته ) أي ولده الصغير ، وقوله لخدمته ظاهره سواء كان ذلك يقابل بأجرة أم لا وهو ظاهر لأن فيه مصلحة له .
ومن ذلك بالأولى الفقيه ، ومعلوم أن محل ذلك كله إذا أذن له وليه أما إذا لم يأذن له أو قامت قرينة على عدم رضاه بذلك أو كان استخدامه يعد إزراء به فلا يجوز له ، وبقي ما يقع كثيرا من أن المعلم يأمر بعض من يتعلم منه بتعليم بعض آخر هل يجوز له ذلك لأن فيه مصلحة للولد بإتقانه للصنعة بتكرارها أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول .
وينبغي أن يأتي مثل ذلك فيما لو كان الأب هو المعلم ( قوله : وقول الإسنوي بإعارة ) [ ص: 120 ] أي بجواز إعارة إلخ ( قوله : وهو لا يجوز له إعارة شيء منه مطلقا ) أي سواء كان ما أعاره يقابل بأجرة أم لا ( قوله : من نفسه ) أي القن ( قوله : ولأنه يمتنع عليه ) أي الإمام ( قوله : جمع متأخرون ) منهم حج في شرحه ( قوله : من سائر أوجهه ) يظهر من هذا اعتراض ما رد به على الإسنوي مع أن ظاهر كلامه فيما سبق اعتماد الرد ، اللهم إلا أن يقال : الرد إنما هو من جهة تسمية الإسنوي دفع الإمام شيئا لمستحقه عارية ( قوله : وقياس ذلك على إعتاق العبد ) الأولى بيع العبد كما قدمه ، ولكنه عبر بذلك تنبيها على أن بيع العبد من نفسه في الحقيقة إعتاق ( قوله : وموصى له بالمنفعة ) إلا مدة حياته على تناقض فيه ا هـ حج .
وكتب عليه سم : هذا مسلم إن دلت قرينة على مباشرة الانتفاع بنفسه كأن أوصى أن ينتفع به مدة حياته وإلا فله الإعارة وإن قيد بمدة حياته ا هـ .
وقول سم : وإلا أي كأن أوصى له بالمنفعة مدة حياته .
وينبغي أن مثل الإعارة الإجارة حيث قيدت بمدة أو بمحل عمل ثم إن مات المؤجر قبل استيفاء المنفعة المعقود عليها انفسخت فيما بقي ( قوله : لكن بإذن الناظر ) مفهومه أن الناظر لا يعير وهو ظاهر حيث لم يكن موقوفا عليه ، وإلا بأن شرط النظر للموقوف عليه وانحصر فيه فيجوز له الإعارة ، لكن لا من حيث كونه ناظرا بل من حيث كونه مستحقا للمنفعة ( قوله : إن لم يعين ) أي المالك له : أي المستعير ، وقوله الثاني مفهومه أنه إذا عينه له وأعاره انتهت عاريته وانتفى الضمان عنه ( قوله : كأن يركب مثله ) أشار به لتقييد [ ص: 121 ] المتن بأن له الاستنابة إذا لم يكن فيها ضرر زائد على استعمال المستعير ( قوله : أو دونه ) أي ما لم يكن عدوا للمعير فيما يظهر م ر ا هـ سم على حج ، وقول سم : ما لم يكن عدوا : أي فيهما ( قوله : لرجوع الانتفاع إليه ) يؤخذ منه أن محل جواز ذلك فيما لو أركب زوجته أو خادمه لقضاء مصالحه .
أما لو أركبهما لما لا تعود منفعته إليه كأن أركب زوجته لسفرها لحاجتها لم يجز .
حاشية المغربي
( قوله : فلا عارية ) فيه أنهم صرحوا بأنه إذا قال لغيره اغسل ثوبي كان استعارة لبدنه [ ص: 119 ] قوله : وأخذ منه الأذرعي امتناع إعارة فقيه إلخ ) إن كانت الصورة أنه أعار لمستحق السكنى في المدرسة ، أو الرباط فلا يتجه إلا الجواز ، لكن هذا ليس عارية وإنما هو إسقاط حق ، ولعل هذا هو الذي فهمه الشارح عن الأذرعي ، وإن كانت الصورة أنه أعار لغير مستحق فلا يتجه إلا المنع ، ولعله مراد الأذرعي فلم يتوارد معه الشارح على محل واحد ، ثم لا يخفى أن الصورة على كل منهما أن الفقيه أو الصوفي يخرج من السكن المذكور ويعيره لغيره .
أما كونه يدخل عنده نحو ضيف فالظاهر أن هذا لا نزاع في جوازه ، ثم رأيت عبارة الأذرعي ونصها : قوله : أي المصنف وملكه المنفعة يقتضي أنه لا تصح إعارة الصوفي ، والفقيه سكنهما بالرباط والمدرسة ، وكذا كل من في معناهما ; لأنهم يملكون الانتفاع لا المنفعة انتهت .
وهو كما ترى لم يثبت حكما من عند نفسه حتى يتوجه عليه قول الشارح ولعل مراده إلخ ، وأيضا إذا كانت عبارته لا تصح إعارة الصوفي إلخ فكيف يتأتى ما ذكره الشارح فتأمل . ( قوله : وأب لابنه ) أي وأن يعير الأب ابنه للغير [ ص: 120 ] قوله : وفعلوا ذلك على وجه اقتضته المصلحة إلخ ) هذا يعرفك أن وجوب اتباع شروطهم حينئذ ليس من حيثية الوقف ; إذ الواقف لا يشترط في صحة وقفه مراعاة مصلحة ولا غيرها وإنما ذاك من حيث إن لهم الولاية على بيت المال وقد أخرجوا منه ذلك على وجه مخصوص فلا تجوز مخالفته ; وبهذا يعلم أن الصورة أن يعلم أن فاعل ذلك ممن له دخل في أمور بيت المال ، فمراده بالأتراك الفاعلين لذلك السلاطين وأتباعهم فتنبه