( ولو ) ( قارض العامل ) شخصا ( آخر بإذن المالك ليشاركه ) ذلك الآخر ( في العمل والربح ) ( لم يجز في الأصح ) لأن القراض على خلاف القياس ، وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكا لا عمل له والآخر عاملا ولو متعددا لا ملك له فلا يعدل إلى أن يعقد عاملان ، ومحل المنع بالنسبة للثاني . أما الأول فالقراض باق في حقه ، فإن تصرف الثاني فله أجرة المثل والربح كله للمالك ، ولا شيء للعامل الأول حيث لم يعمل شيئا . والثاني يجوز ، كما يجوز للمالك أن يقارض شخصين في الابتداء ، ورد بما مر . وخرج بيشاركه ما إذا أذن له في ذلك لينسلخ من القراض ويكون وكيلا فيه فيصح ، ومحله كما قاله ابن الرفعة إذا كان المال مما يجوز عليه القراض لأنه ابتداء قراض ، فلو وقع بعد تصرفه وصيرورة المال عرضا لم يجز قال الماوردي ولا يجوز عند عدم التعيين أن يقارض إلا أمينا ، والأشبه في المطلب انعزاله بمجرد الإذن له في ذلك إن ابتدأه المالك به لا إن أجاب به سؤاله فيه . قال الأذرعي : وهذا فيما إذا أمره أمرا جازما ، لا كما صوره الدارمي إن رأيت أن تقارض غيرك فافعل ( وبغير إذنه فاسد ) مطلقا سواء أقصد المشاركة في عمل وربح أم ربح فقط أم قصد الانسلاخ لانتفاء إذن المالك فيه وائتمانه على المال غيره ، كما لو أراد الوصي أن ينزل وصيا منزلته في حياته [ ص: 230 ] يقيمه في كل ما هو منوط به فإنه لا يجوز كما قاله الإمام . قال السبكي : ولو أراد ناظر وقف شرط له الناظر إقامة غيره مقامه وإخراج نفسه من ذلك كما مر في الوصي . قال : ولقد وقعت لي هذه المسألة في الفتاوى ولم أتردد في أن ذلك ممنوع ( فإن تصرف ) العامل ( الثاني ) بغير إذن المالك ( فتصرف غاصب ) فيضمن ما تصرف فيه لأن الإذن صدر ممن ليس بمالك ولا وكيل ( فإن ) ( اشترى ) للأول ( في الذمة ) ونقد الثمن من مال القراض وربح ( وقلنا بالجديد ) المقرر في المذهب المعلوم لمن له أدنى إلمام به وهو أن الربح للغاصب إذا اشترى في الذمة ونقد من المغصوب لصحة شرائه وإنما الفاسد تسليمه فيضمن ما سلمه ، وبما تقرر اندفع ما قيل لم يتقدم لهذا الجديد ذكر فلا تحسن الإحالة عليه ( فالربح ) هنا كله ( للعامل الأول في الأصح ) لأن الثاني تصرف بإذنه فأشبه الوكيل ( وعليه للثاني أجرته ) هو من زيادته من غير تمييز لأنه لم يعمل مجانا ( وقيل هو للثاني ) جميعه لأنه لم يتصرف بإذن المالك فأشبه الغاصب ، واختاره السبكي . أما لو اشترى في الذمة لنفسه فيقع لنفسه ( وإن ) ( اشترى بغير مال القراض ) ( فباطل ) شراؤه لأنه شراء فضولي .
حاشية الشبراملسي
( قوله : فالقراض باق في حقه ) أي ولا يكون إذن المالك له عزلا ( قوله : فله أجرة المثل ) أي على المالك ( قوله : حيث لم يعمل شيئا ) أي أما لو عمل فهل يكون الربح كله للمالك أو لهما بحسب ما شرطاه أو للعامل من الربح بقدر عمله ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني ( قوله : لينسلخ ) أي ليخرج منه ( قوله : ويكون وكيلا ) فيه أي في إقراضه للثاني ( قوله : والأشبه إلخ ) معتمد ( قوله : بمجرد الإذن له في ذلك ) ولا يخالف هذا ما مر في قوله أما الأول فلأن ما تقدم لما كان المأذون فيه غير صحيح جعل كالعدم ( قوله : إلا إن أجاب ) أي المالك ، فإن أجاب سؤاله لم ينعزل [ ص: 230 ] إلا بمقارضة غيره .
وقوله سؤاله : أي العامل . وقوله وهذا : أي انعزاله بمجرد الإذن ( قوله : ولو أراد ناظر وقف شرط له ) ومنه الأرشد في الوقف الأهلي المشروط فيه النظر لأرشد كل طبقة عليها ، فلا يجوز له إخراج نفسه وإقامة غيره مقامه . ولو فعل ذلك لا ينفذ وحقه باق ( قوله : وإخراج نفسه ) أي أما لو أقامه مقامه في أمور خاصة كالتصرف في عمارة أو نحوها مع بقاء المقيم على استحقاقه لم يمتنع ، لكن مر في الوكالة أن الوصي والقيم لا يوكل كل منهما إلا فيما يعجز عنه أو لم تلق به مباشرته ، وعليه فلا يجوز للوصي إقامة غيره في الأمور الخاصة إلا عند العجز وعدم اللياقة ، ويأتي مثله في الناظر ، ثم قضية ما ذكر أن الناظر لا يجوز له عزل نفسه وفي باب الوقف ما يخالفه .
والجواب أن الكلام هنا فيما لو أراد عزل نفسه وإقامة غيره مقامه وما هناك في مجرد العزل فلا تخالف ، وخرج بمن شرط له النظر غيره فله إخراج نفسه من النظر متى شاء ، ويصير الحق في ذلك للقاضي يقرر فيه من شاء كبقية الوظائف ، وإذا أسقط حقه لغيره جاز له الأخذ في مقابلة الإسقاط كما ذكره في القسم والنشوز والجعالة ( قوله : كان كما مر ) أي فإنه لا يجوز ( قوله : ولقد وقعت لي ) أي عندي ( قوله : وبما تقرر ) هو قول المقرر في المذهب ( قوله : اندفع ما قيل ) فيه نظر ظاهر ا هـ سم على حج .
ولعل وجهه منع أن ذلك معلوم لمن ذكر بل لا يهتدي إليه إلا من له كثرة إحاطة فلا تنبغي الإحالة عليه ( قوله : من غير تمييز ) أي فهو مخالف لاصطلاحه من أن ما زاده يميزه بقوله في أوله قلت وفي آخره والله أعلم .
والجواب أنه علم من تتبع كلامه أن هذا في غير الكلمة أو الكلمتين ( قوله : أما لو اشترى في الذمة لنفسه ) أي أو أطلق . بقي ما لو نوى نفسه والعامل الأول هل يقع لهما أو للعامل الثاني ؟ فيه نظر . ونقل عن شيخنا الزيادي بالدرس أنه يقع للعامل الثاني قياسا على ما في الوكالة من أن الوكيل لو اشترى في ذمته ونوى نفسه وموكله وقع للوكيل .
أقول : هذا قريب فيما لو أذن له في شراء شيء بعينه ، فإنه حيث نوى نفسه ، والمالك لم يأذن بما أذن له في شرائه ، أما لو أذن له في التجارة من غير تعرض لشيء بخصوصه فينبغي الصحة ويكون ما اشتراه مشتركا بينهما ( قوله فيقع لنفسه ) أي لا القراض فيكون الربح كله له والمال مضمون عليه ضمان الغصوب .
حاشية المغربي
( قوله : حيث لم يعمل شيئا ) قيد في قوله والربح كله للمالك وفي قوله ولا شيء للعامل ، أما لو عمل فظاهر أنه يستحق المشروط إذ الصورة أن القراض باق في حقه ، واستقرب الشيخ هذا في حاشيته من ثلاث احتمالات له ( قوله : لا إن أجاب به سؤاله ) أي : فلا ينعزل بمجرد الإذن ، وفي بعض الهوامش أن ينعزل بالعقد [ ص: 230 ] انتهى ولعل المراد انعزاله بالشروع في العقد وإلا لزم عليه المحظور المتقدم