والثاني المنع للإضرار ، ورد بأن الضرر لا يزال بالضرر ، واختار جمع المنع من كل مؤذ لم يعتد ، والروياني أنه لا يمنع إلا إن ظهر منه قصد التعنت والفساد [ ص: 338 ] وأجرى ذلك في نحو إطالة البناء ، وأفهم كلام المصنف أنه يمنع بما الغالب فيه الإخلال بنحو حائط الجار كدق عنيف يزعجها وحبس ماء يملكه تسري ندواته إليها .
قال الزركشي : والحاصل منعه مما يضر الملك لا المالك انتهى .
ولا ينافيه ما مر من عدم المنع من حفر بئر بملكه لأن ذلك في حفر معتاد وما هنا في تصرفه غير معتاد .
فقد نقل رحمه الله تعالى عن الأصحاب أنه يتصرف كل شخص في ملكه على العادة ولا ضمان إذا أفضى إلى تلفه ، ومن قال يمنع مما يضر الملك دون المالك محله في تصرف يخالف فيه العادة لقولهم لو حفر بملكه بالوعة أفسدت ماء بئر جاره أو بئرا نقصت ماءها لم يضمن ما لم يخالف العادة في توسيع البئر أو تقريبها من الجدار أو لكون الأرض خوارة تنهار إذا لم تطو فلو لم يطوها فيضمن في هذه كلها ويمنع منها لتقصيره ، وشمل كلام المصنف ما لو كان له دار في سكة غير نافذة فله جعلها مسجدا أو حانوتا أو سبيلا وإن لم يأذن الشركاء خلافا لبعضهم كما علم ذلك مما مر في الصلح ، ولو حفر بئرا بموات فحفر آخر بئرا بقربها فنقص ماء البئر الأولى منع الثاني منه ، ووجهه أن الأول استحق حريما لبئره قبل حفر الثاني فمنع لوقوع حفره في حريم ملك غيره ولا كذلك فيما مر ، ولو اهتز الجدار بدقه وانكسر ما علق فيه لم يضمن كما قاله القاضي سواء أسقط في حال الدق أم لا خلافا للعراقيين .
حاشية الشبراملسي
( قوله : وإن تضرر به ) ولا ينافيه أن من فتح سردابا بدون إعلام الجيران ضمن ما تلف برائحته من نفس أو مال لجريان العادة بالإعلام قبل الفتح ، فمن فتح بدون إعلام لم يتصرف في ملكه على العادة بالإعلام فلذا ضمن ، ومن قلى أو شوى في ملكه ما يؤثر إجهاض الحامل إن لم تأكل منه وجب عليه دفع ما يدفع الإجهاض عنها ، فإن قصر ضمن ، لكن لا يجب دفعه بغير عوض كما في المضطر ، ولا يجب عليه الإعلام بأنه يريد أن يقلي أو يشوي لأنه غير معتاد فلا يضمن م ر ا هـ سم على حج : أي فيجب عليه الدفع متى علمها وإن لم يطلب ، لكن يقول لها لا أدفع لك إلا بالثمن ، فإن امتنعت من بذله لم يلزمه الدفع ولا ضمان عليه وتضمن هي جنينها على عاقلتها كما أفتى به ابن حجر .
ويؤخذ من قوله فإن امتنعت من بذل الثمن أنها لو لم تقدر عليه حالا وطلبت منه نسيئة ، فإن كانت فقيرة وجب عليه الدفع بلا عوض لاضطرارها ، وإن لم يكن كذلك ولم يرض بذمتها وامتنع من الدفع ضمن .
وقضيته أنه لو أسرج في ملكه على المعتاد جاز وإن أدى إلى تلويث جدار الغير بالدخان وتسويده به أو تلويث جدار مسجد بجواره ولو مسجده عليه الصلاة والسلام ، كذا قال م ر إنه قضية كلامهم ، ولا شك أن قضية كلامهم بل وقضية جواز الإسراج بما هو نجس وإن أدى إلى ما ذكر ، وقد التزمه م ر تارة وتوقف أخرى فيما يلزم منه تلويث المسجد فليحرر ا هـ سم على منهج .
أقول : وحيث استند إلى مقتضى إطلاقهم فالظاهر ما التزمه بدون التوقف ( قوله ولهذا أفتى الوالد ) وقد يشكل على قولهم والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن إلخ ، لا أن يجاب بالفرق بين ما اعتيد فعله بين الناس كالمذكورات في قولهم المذكور وإن لم يعتد فعلها في ذلك المحل بخصوصه ، وبين ما لم يعتد بين الناس مطلقا كما في هذه الفتوى ا هـ سم على حج ( قوله : بضمان من جعل ) أي خطأ لأنه لم يقصد به شخصا ما ( قوله : من كل مؤذ لم يعتد ) يؤخذ منه حرمة [ ص: 338 ] الوقود بنحو العظم والجلود مما يؤذي ، فيمنع من ذلك حيث كان ثم من يتأذى به ( قوله : تسري نداوته ) ظاهره أنه لا فرق في ذلك بين كون السريان حالا أو مآلا ، لكنه قال في الشارح في آخر باب الصلح ما نصه : ولا منع من غرس أو حفر يؤذي في المآل يؤدي إلى انتشار العروق أو الأغصان وسريان النداوة إلى ملك غيره ، والمراد أنه لا يمنع في الحال ، ثم إن أدى بعد ذلك إلى انتشار العروق أو النداوة كلف إزالة ما يضر إذا لم تطو أي تبن ( قوله : ولا كذلك فيما مر ) أي فيما لو حفرها بملكه ( قوله : لم يضمن ) أي حيث كان دقه معتادا ، ولو اختلف صدق الداق لأن الأصل عدم الضمان .
حاشية المغربي
[ ص: 337 ] قوله : ولهذا أفتى الوالد رحمه الله إلخ ) قال الشهاب سم : وقد يشكل عليه قولهم والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن إلخ ، إلا أن يجاب بالفرق بين ما اعتيد فعله بين الناس في الجملة كالمذكورات في قولهم المذكور وإن لم يعتد فعلها في ذلك المحل بخصوصه وبين ما لم يعتد فعله بين الناس مطلقا كما في هذه الفتوى ا هـ .