فصل ( منفعة الشارع ) الأصلية ( المرور ) فيه لأنه وضع لذلك ، وهذا علم مما مر في الصلح وذكره توطئة لما بعده . أما غير الأصلية فأشار له بقوله ( ويجوز الجلوس به ) ولو بوسطه ( لاستراحة ومعاملة ونحوهما ) كانتظار [ ص: 343 ] رفيق وسؤال ، وله الوقوف فيه أيضا .
نعم في الشامل أن للإمام مطالبة الواقف بقضاء حاجته والانصراف وهو متجه إن تولد من قوله ضرر ولو على ندور ، هذا كله ( إذا لم يضيق على المارة ) فيه لخبر { nindex.php?page=hadith&LINKID=86819لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وإن تقادم العهد } ( ولا يشترط إذن الإمام ) وشمل كلامه الذمي فيثبت له ذلك كما قاله ابن الرفعة ، وتبعه السبكي ، وليس للإمام ولا لغيره من الولاة أخذ عوض ممن يرتفق بالجلوس فيه سواء أكان ببيع أم لا ، وإن فعله وكلاء بيت المال زاعمين أنه فاضل عن حاجة المسلمين لاستدعاء البيع تقدم الملك وهو منتف ، ولو جاز ذلك لجاز بيع الموات ولا قائل به ، قاله السبكي كابن الرفعة . قال : ولا أدرى بأي وجه يلقى الله من يفعل ذلك . قال الأذرعي : وفي معناه الرحاب الواسعة بين الدور ( وله ) أي الجالس في الشارع [ ص: 344 ] ( تظليل مقعده ) أي موضع قعوده في الشارع ( ببارية ) بتشديد التحتية كما في الدقائق ، وحكي تخفيفها : نوع ينسج من قصب كالحصير ( وغيرها ) مما لا يضر المارة عرفا فيما يظهر كثوب وعباءة لجريان العادة به ، فلو كان مثبتا ببناء كالدكة امتنع ، وله وضع سرير اعتيد وضعه فيه فيما يظهر من تردد فيه ، ويختص الجالس بمحله ومحل أمتعته ومعامليه ، وليس لغيره أن يضيق عليه فيه بحيث يضر به في الكيل أو الوزن والعطاء ، وله منع واقف بقربه إن منع رؤية أو وصول معامليه إليه لا من قعد لبيع مثل متاعه ولم يزاحمه فيما يختص به من المرافق المذكورة ، وللإمام أو نائبه أن يقطع بقعة من الشارع لمن يرتفق فيها بالمعاملة لأن له نظرا واجتهاده في أن الجلوس فيها مضر أو لا وهذا يزعج من يرى جلوسه مضرا .
حاشية الشبراملسي
( فصل ) في حكم المنافع المشتركة .
( قوله : منفعة الشارع الأصلية ) فيه دفع إشكال الحصر المتبادر من العبارة وقرينة التقييد ا هـ سم على حج [ ص: 343 ] قوله : أن للإمام مطالبة الواقف ) قضيته عدم جوازه للآحاد ، وينبغي أن محله إذا ترتب عليه فتنة وإلا جاز ، ثم قوله للإمام يشعر بالجواز فقط ، ولعله غير مراد ، فإن ما اقتضته المصلحة يكون واجبا على الإمام .
ويمكن الجواب بأن ما أشعر به من الجواز جواز بعد منع وهو لا ينافى الوجوب ، وينبغي أنه إذا توقف ذلك على نصب جماعة يطلبون ذلك وجب لأنه من المصالح العامة ، وينبغي أيضا أن مثله الجالس بالأولى .
وأما ما يقع الآن من إكراه كل شخص من سكان الدكاكين على فعل ذلك فهو ظلم محض ، ومع ذلك لا رجوع له على مالك الدكان بما غرمه إذا كان مستأجرا لها ، لأن الظالم له الأخذ منه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه ، وإذا ترتب على فعله ضرر بعثور المارة بما يفعله من حفر الأرض لا ضمان عليه ولا على من أمره بمعاونته بأجرة أو بدونها لأن هذا الفعل جائز ، بل قد يجب حيث ترتب عليه مصلحة عامة وإن حصل الظلم بإكراه أرباب الدكاكين على دفع الدراهم ، ثم إن المأمورين إذا بادر بعضهم للفعل بحيث صار المحل الذي حفره حفرة تضر بالمارة بالنزول فيها ثم الصعود منها لا يمتنع ذلك عليه وإن كان لو صبر شاركه جيرانه في الحفر دفعة بحيث تصير الأرض مستوية لا يتولد منها ضرر ( قوله : لخبر لا ضرر ) أي جائز ( قوله : وإن تقادم العهد ) أي وإن تقادم عهد الإسلام لا يتغير الحكم بحيث يحتمل الضرر ، وظاهره أن هذا من تمام الحديث فليراجع ، وفي ابن حجر إسقاط قوله وإن تقادم إلخ ( قوله ولا يشترط ) أي في جواز الانتفاع به .
قال ابن حجر : ولو لذمي أذن الإمام لإطباق الناس عليه بدون إذنه من غير نكير ، وسيأتي في المسجد أنه إذا اعتيد إذنه تعين فيحتمل أن هذا كذلك ، ويحتمل الفرق بأن من شأن الإمام النظر في أحوال العلماء ونحوهم دون الجالسين في الطرق ا هـ .
أقول : وما ذكره من الفرق ظاهر فلا يتوقف جلوس الذمي في الشوارع على إذن بل حكمه في ذلك حكم المسلمين ( قوله : زاعمين أنه ) أي ما أخذ وعوضه ( قوله : تقدم الملك ) أي واستدعاء أخذ الأجرة ملك المنفعة ( قوله قال ولا أدرى ) أي قال ابن الرفعة ا هـ حج ( قوله : الرحاب الواسعة بين الدور ) وحكى الأذرعي قولين في حل الجلوس في أفنية المنازل وحريمها بغير إذن ملاكها ، [ ص: 344 ] ثم قال : وهذا إنما يأتي إن علم الحريم .
أما في وقتنا هذا في الأمصار ونحوها التي لا يدري كيف صار الشارع فيها شارعا فيجب الجزم بجواز القعود في أفنيتها ، وأنه لا اعتراض لأربابها إذا لم يضر بهم وعليه الإجماع الفعلي انتهى واعتمدوه .
بل قال شيخنا : إنه في الحقيقة كلام أئمتنا ، ولا إشكال في أن خرق الإجماع الفعلي كالقولي ، وهو الوجه انتهى .
وإنما يتجه ذلك في إجماع فعلي علم صدوره من مجتهدي عصر فلا عبرة بإجماع غيرهم ، وإنما ذكرت هذا لأن الأذرعي وغيره كثيرا ما يعترضون الشيخين والأصحاب بأن الإجماع الفعلي على خلاف ما ذكروه ، فإذا علمت ضابطه الذي ذكرته لم يرد عليهم الاعتراض بذلك لأنه لا يعلم أن ذلك إجماع مجتهدي عصر أم لا .
نعم ما ثبت فيه أن العامة تفعله وجرت أعصار المجتهدين عليه مع علمهم به وعدم إنكارهم له يعطي حكم فعلهم كما هو ظاهر فتأمله ا هـ جج ( قوله : تظليل مقعده ) قد يشمل إطلاقه الذمي ، ولا يبعد أن يفصل بين التظليل بمثبت فيمتنع كالجناح وغيره كثوب مع إزالتها عند انتهاء الحاجة بلا تضييق فلا يمتنع م ر ا هـ سم على حج .
أقول : قد يفرق بين الجناح وما هنا بأن في الجناح استعلاء على من يمر تحته من المسلمين فمنع منه ، وما يظلل به لا يتم انتفاعه إلا به ، فحيث جاز له الانتفاع به فالقياس جواز التظليل مطلقا بالمثبت وغيره .
وأما محل الجناح فملك فيدوم حتى بعد موت المخرج له لانتقال الحق في الملك لورثته ولا كذلك ما هنا ( قوله : فلو كان مثبتا ببناء ) مفهومه أنه إذا كان بغير بناء جاز لكل من المسلم والذمي فعله وفيه ما ذكرناه ، ثم ما ذكر من امتناع الإثبات ببناء صريح في أنه لا فرق بين إثباته للتملك أو الارتفاق ، وفي كلام سم على حج استنباط من كلام الروض أن بناء البيوت في حريم الأنهار ، وفي منى إذا كان للارتفاق لا يمتنع ، وهو مخالف لما اقتضاه هذا الكلام ، بل يقتضي جواز بناء المساجد في حريم الأنهار لأنها لم تفعل للتملك ، وقد تقدم التصريح بامتناعه فليراجع ( قوله : اعتيد وضعه فيه ) أي الشارع ( قوله : والعطاء ) أي الأخذ .
حاشية المغربي
[ ص: 342 ] فصل ) في حكم المنافع المشتركة [ ص: 343 ] قوله : وإن تقادم العهد ) أي : وإن طال زمن الجلوس مثلا كما يعلم من كلام غيره خلافا لما وقع في حاشية الشيخ ( قوله : وإن فعله ) يعني البيع بدليل التعليل .