واعترضه الزركشي بأنه لا يحتاج إلى هذا التكلف وإنما هو مفعول به ، والمعنى تهريق الدم ، قاله السهيلي وغيره ، قالوا : غير أن العرب تعدل بالكلمة إلى وزن ما هو في معناها وهي في معنى تستحاض وتستحاض على وزن ما لم يسم فاعله .
واعلم أن المعتادة إذا جاوز دمها عادتها أمسكت عما تمسك عنه الحائض قطعا لاحتمال انقطاعه على خمسة عشر فإذا انقطع على خمسة عشر فأقل فالكل حيض وإن عبرها قضت ما وراء قدر عادتها وفي الدور الثاني وما بعده [ ص: 345 ] إذا عبر أيام عادتها اغتسلت وصامت وصلت لظهور الاستحاضة لأنها تثبت بمرة جزما ، ولا فرق بين أن تكون عادتها أن تحيض أياما من كل شهر أو من كل سنة أو أكثر ، وشمل كلامهم هنا الآيسة إذا حاضت وجاوز دمها خمسة عشر فترد لعادتها قبل اليأس لما يأتي في العدد أنها تحيض برؤية الدم ويتبين أنها غير آيسة فلزم كونها مستحاضة بمجاوزة دمها الأكثر ، وقول الفتى وكثيرين من معاصريه إنه دم فساد غفلة عما ذكروه في العدد أنهم أرادوا الحكم على جميعه بذلك وإلا فهو تحكم مخالف لتصريحهم هنا أن دم الحيض المجاوز استحاضة ، ويمكن الجواب عنهم بأنه يطلق على الاستحاضة أنها دم فساد فلم يخالفوا غيرهم ( وتثبت ) العادة إن لم تختلف ( بمرة في الأصح ) لأنها في مقابلة الابتداء فمن حاضت في شهر خمسة ثم استحيضت ردت إلى الخمسة كما ترد إليها لو تكررت .
ومقابل الأصح لا تثبت إلا بمرتين لأن العادة مشتقة من العود .
وأجاب الأول بأن لفظ العادة لم يرد به نص فيتعلق به ، أما إذا اختلفت عادتها وانتظمت بأن كانت تحيض في شهر ثلاثة مثلا ، وفي الثاني خمسة ، وفي الثالث سبعة ، وفي الرابع ثلاثة ، وفي الخامس خمسة ، وفي السادس سبعة ثبت هذا الدوران بمرة نشأ من عادة ثبتت بمرتين والعادة المختلفة إنما تثبت بمرتين ، وأقل ما يحصل ما مثلنا في ستة أشهر .
وإن استحيضت في شهر بنت عليه فإن لم يدر الدور الثاني على النظم السابق كأن استحيضت في الشهر الرابع ردت إلى السبعة دون العادات السابقة ، فإن لم تنتظم بأن كانت تتقدم هذه مرة وهذه أخرى ردت إلى ما قبل شهر الاستحاضة إن ذكرته لثبوت العادة بمرة .
ويلزمها الاحتياط إلى آخر أكثر عادتها إن لم يكن هو الذي قبل شهر استحاضتها ، فإن نسيت ما قبل شهر الاستحاضة أو نسيت كيفية الدوران دون العادة حيضت في كل شهر ثلاثة لكونها المتيقن وتحتاط إلى آخر أكثر العادات وتغتسل آخر كل نوبة لاحتمال انقطاع دمها عنده .
حاشية الشبراملسي
( قوله : فإذا خلفت ) أي تركته خلفها بأن جاوزته ( قوله : لتستثفر بثوب ) أي تتلجم به ( قوله : أي تصب ) هذا التفسير موافق لما يأتي عن الزركشي ( قوله واعترضه ) أي اعترض قوله والدم منصوب إلخ ( قوله : إلى هذا التكلف ) والذي أحوج القائل به إلى ذلك التكلف أنه جعل تهراق مبنيا للمفعول ونائب فاعله ضمير يعود إلى المرأة فلا يكون الدم على هذا مفعولا به .
وحاصل ما أجاب به الزركشي أنه مبني للفاعل ، وإن عدل به إلى صيغة المبني للمفعول فكأنه قال المرأة التي تريق الدم من أراق أي تصبه ( قوله : على خمسة عشر ) [ ص: 345 ] أي على رأس الخمسة عشر .
والمراد أن لا يجاوزها ( قوله : إذا عبر ) أي جاوز ( قوله : أنه ) أي ما تراه الآيسة ( قوله : غفلة إلخ ) قد يمنع بمنع أن ما قالوه غفلة وأن ما يأتي في العدد يرد ما قالوه لجواز أن يكون ما في العدد فيما إذا علم وجود دم الحيض بشروطه بعد سن اليأس والدم فيما نحن فيه مشكوك فيه ا هـ سم على حج .
أقول : وقد يتوقف في قوله مشكوك فيه مع قولهم إن الآيسة إذا رأت دما لم ينقص عن يوم وليلة حكم بأنه حيض فما معنى كونه مشكوكا فيه مع أن هذا لو وجد مثله لغير الآيسة لم يجعل مشكوكا فيه بل يحكم بأنه حيض بالنسبة لقدر عادتها ولما زاد بأنه استحاضة ، إلا أن يقال : لما خالفت من ثبت لهن بالاستقراء اليأس في هذه المرة أورثنا الشك فيما رأته من الدم حيث جاوز أكثر الحيض ( قوله : ثبتت بمرتين ) أي فترد إليها على هذا الوجه الذي ثبت لها قبل الاستحاضة ( قوله : ردت إلى السبعة ) السبعة في هذا المثال هي أكثر النوب ، فلو كان الشهر الثالث ثلاثة أو خمسة ردت إليه واحتاطت في الزائد على ما يفيده كلام المنهج ، لكن قال سم عليه : الذي في العباب وغيره أنه حيث لم يتكرر الدور ترد للنوبة الأخيرة ولا احتياط عليها مطلقا وهو مقتضى إطلاق المنهاج .
حاشية المغربي
[ ص: 344 ] قوله : وتستحاض على وزن ما لم يسم فاعله ) أي وهم عدلوا إلى وزنه فقط في تهراق ولم ينظروا إلى عمله الخاص بل أبقوه على عمله الأول من نصب المفعول به فتأمل