صفحة جزء
باب الاستبراء

هو بالمد لغة طلب البراءة .

وشرعا تربص بمن فيها رق مدة عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو للتعبد ، سمي بذلك لتقديره بأقل ما يدل على البراءة ، كما سمي ما مر بالعدة لاشتمالها على العدد ولتشاركهما في أصل البراءة ذيلت به .

والأصل فيه ما يأتي من الأخبار وغيره ( يجب ) الاستبراء لحل التمتع أو التزويج كما يعلم مما [ ص: 164 ] سيذكره ( بسببين ) باعتبار الأصل فيه ، فلا يرد عليه وجوبه بغيرهما كمن وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته فإنه يلزمها قرء واحد لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين ( أحدهما ملك أمة ) أي حدوثه وهو باعتبار الأصل أيضا وإلا فالمدار على حدوث حل التمتع مما يحل بالملك فلا يرد ما يأتي في شراء زوجته ، كما أن التعبير في الثاني بزوال الفراش كذلك ، وإلا فالمدار على طلب التزويج ، ودل على ذلك ما سيأتي في نحو المكاتبة والمرتدة وتزويج موطوءته ( بشراء أو إرث أو هبة ) مع قبض ( أو سبي ) بشرطه من القسمة أو اختيار التملك كما يعلم مما سيذكره في السير فلا اعتراض عليه ( أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة ) ولو قبل قبض أو غير ذلك من كل مملك كقبول وصية ورجوع مقرض وبائع مفلس ووالد في هبته لفرعه وكذا أمة قراض انفسخ واستقل المالك بها وأمة تجارة أخرج المالك زكاتها ، وقلنا بالأصح إن المستحق شريك بالواجب بقدر قيمته في غير الجنس لتجدد الملك والحل فيهما قاله البلقيني ، وهو ظاهر في جارية القراض وكلامهم يقتضيه .

وأما في زكاة التجارة فلا وجه له عند التأمل كما أفاده الشيخ ( وسواء ) في وجوب الاستبراء فيما ذكر من حل التمتع ( بكر ) وآيسة ( ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرها ) لعموم خبر سبايا أوطاس { ألا لا توطأ حامل حتى تضع ، [ ص: 165 ] ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة } وقيس بالمسبية غيرها الشامل للبكر والمستبرأة وغيرهما بجامع حدوث الملك ، إذ ترك الاستفصال في وقائع الأحوال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال ، وبمن تحيض من لا تحيض في اعتبار قدر الحيض والطهر وهو شهر ( ويجب ) الاستبراء ( في ) أمته إذا زوجها فطلقت قبل الوطء وفي ( مكاتبته ) كتابة صحيحة وأمتها إذا انفسخت كتابتها بسبب مما يأتي في بابها كأن ( عجزت ) وأمة مكاتب كذلك عجز لعود حل الاستمتاع فيها كالمزوجة وحدوثه في الأمة بقسميها ومن ثم لم تؤثر الفاسدة ( وكذا مرتدة ) أسلمت أو سيد مرتد فيجب الاستبراء عليها وعلى أمته ( في الأصح ) لعود حل الاستمتاع أيضا .

والثاني لا يجب لأن الردة لا تنافي الملك بخلاف الكتابة .

ولو أسلم في جارية وقبضها فوجدها بغير الصفة المشروط وجودها لم يلزم المسلم إليه الاستبراء بالرد لعدم زوال ملكه وما وقع في الروضة من لزومه مبني على زواله وهو ضعيف ( لا ) في ( من ) أي أمة له حدث لها ما حرمها عليه من صوم ونحوه لإذنه فيه ثم ( حلت من صوم واعتكاف وإحرام ) ونحو حيض ورهن لأن حرمتها بذلك لا تخل بالملك بخلاف نحو الكتابة ( وفي الإحرام وجه ) أنه كالردة لتأكد التحريم فيه ، ويرد بوضوح الفرق .

أما لو اشترى نحو محرمة أو صائمة أو معتكفة واجبا بإذن سيدها فلا بد من استبرائها ، وهل يكفي ما وقع في زمن العبادات أم يجب استبراؤها بعد زوال مانعها ؟ قضية كلام العراقيين الأول وهو المعتمد ، ويتصور الاستبراء في الصوم والاعتكاف بالحامل وذات الأشهر


حاشية الشبراملسي

باب الاستبراء

( قوله : بمن فيها رق ) أي ولو فيما مضى ليشمل من وجب عليها الاستبراء بسبب العتق ( قوله أو للتعبد ) لا يبعد أن يعد منه ما لو أخبر الصادق بخلوها من الحمل ( قوله : ذيلت ) أي أتبعت ( قوله : لحل التمتع ) أشار به إلى أنه لا يتوقف وجوب الاستبراء على زوال الملك ولا حدوثه بل قد يجب لغيرهما كما لو ارتدت ثم أسلمت [ ص: 164 ] قوله : ظانا أنها أمته ) وخرج ما لو ظنها زوجته الحرة فإنها تعتد بثلاثة أقراء أو زوجته الأمة فتعتد بقرأين كما تقدم له ( قوله : كذلك ) أي باعتبار الأصل ( قوله : ودل على ذلك ) وجه الدلالة أنه حكم بوجوب الاستبراء في مكاتبة عجزت ومرتدة أسلمت مع أنه لم يحدث فيهما الملك بل حل الاستمتاع وبوجوب الاستبراء في موطوءته التي أريد تزويجها مع أنها عند إرادة التزويج لم يزل فراشه عنها ا هـ سم على حج ( قوله : بشرطه من القسمة ) وهو الراجح ( قوله : أو اختيار التملك ) على المرجوح ( قوله : ورجوع مقرض ) أي وصورة إقراضها أن يكون حراما على المقرض ا هـ سم على حج ( قوله : وأمة تجارة ) عطف على قوله وكذا أمة قراض ( قوله : والحل فيهما ) أي أمة التجارة وأمة القراض هو ظاهر في أمة القراض إذا ظهر ربح على القول بأنه يملك بالظهور .

أما إذا لم يظهر ربح فالعامل لا شيء له والمال على ملك المالك فلم ينتقل عن ملكه حتى يقال تجدد له ملك ، اللهم إلا أن يقال : تجدد الملك والحل في مجموعهما في الجملة وإن لم يحصل كل منهما في كل فرد ( قوله : فلا وجه له ) أي لما قاله فيها من وجوب الاستبراء وهو المعتمد ( قوله : عند التأمل ) أي لأن الشركة فيها ليست حقيقة بدليل جواز الإخراج من غيرها ا هـ شيخنا زيادي : أي وبدليل أنه لا يجوز إعطاء جزء منها للمستحقين بل الواجب إخراج قدر الزكاة من قيمتها ( قوله كما أفاده الشيخ ) أي في غير شرح منهجه ( قوله وغيرها ) أي كصغيرة وآيسة ا هـ منهج .

وظاهره كالشارح وحج وإن لم تطق الوطء ويوجه بأنه تعبدي ( قوله : لعموم خبر سبايا أوطاس ) بفتح الهمزة موضع ا هـ مختار .

ومثله في المصباح [ ص: 165 ] والتهذيب : أي فهو مصروف خلافا لمن توهم خلافه لأن الأصل الصرف ما لم يرد منهم سماع بخلافه ( قوله : مع قيام ) أي وجود ( قوله : وأمة مكاتب ) أي مكاتب كتابة صحيحة ( قوله : ومن ثم لم تؤثر الفاسدة ) هو ظاهر في المكاتبة نفسها .

أما أمتها وأمة المكاتب كتابة فاسدة فالقياس وجوب الاستبراء لحدوث ملك السيد لها ( قوله ولو أسلم في جارية وقبضها ) ومثل السلم ما لو قبضها المشتري في الذمة فوجدها بغير الصفة وردها ( قوله : ويرد بوضوح الفرق ) أي وهو اختلال الملك بالردة دون الإحرام ( قوله : أما لو اشترى ) محترز قوله السابق : أي أمة له حدث لها إلخ ( قوله : فلا بد من استبرائها ) بعد زوال مانعها ا هـ حج وعليه فذكرها محتاج إليه لأن سبب الاستبراء حينئذ زوال المانع لا مجرد حدوث الملك ، وهو مخالف لقوله وهل يكفي ما وقع في زمن إلخ ( قوله : الأول ) هو قوله وهل يكفي ما وقع إلخ ( قوله : وهو المعتمد ) وعليه فالاستبراء إنما هو لحصول الملك لا لزوال الصوم ونحوه

حاشية المغربي

[ ص: 164 ] قوله : مما يخل بالملك ) لعل من فيه تعليلية : أي حدوث حل التمتع بعد حرمته لأجل حصول ما يخل بالملك ، على أنه قد يقال إنه ليس بقيد بدليل ما سيأتي فيما لو زوج أمته فطلقت قبل الوطء وفي نحو المرتدة ، وسيأتي في كلامه أن العلة الصحيحة حدوث حل التمتع فليراجع ( قوله : فلا يرد ما يأتي في شراء زوجته ) أي إذ هو خارج بهذا التأويل لعدم حدوث حل التمتع كما دخل به ما يأتي في المكاتبة ونحوها ( قوله : ودل على ذلك ) أي على ما ذكر في الشقين كما يعلم من الأمثلة ( قوله : من القسمة أو اختيار التملك ) أي على القولين في ذلك ( قوله : فلا وجه له عند التأمل ) أي لأن تعلق حق الأصناف في زكاة التجارة لا يمنع التصرف في المال بخلاف غيرها ( قوله : فيما ذكر حل التمتع ) عبارة التحفة فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع ( قوله : لعموم خبر { سبايا أوطاس : ألا لا توطأ حامل } إلخ . ) [ ص: 165 ] أي إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وحينئذ فلا حاجة لقوله وقيس بالمسبية غيرها إذ لا حاجة لقياس مع النص الذي منه العموم كما لا يخفى فالصواب حذفه ( قوله : إذ ترك الاستفصال إلخ . ) هو علة للعموم لا للقياس كما لا يخفى ، وكان الأصوب تعليله بما عللته به فيما مر من قولي إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، إذ هذه القاعدة التي علل بها معناها أن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم ، لكن في هذه الواقعة وفي غيرها كما يعلم من محله ، فمعنى العموم عليها فيما نحن فيه أن عدم استفصاله صلى الله عليه وسلم في المسبيات من كونهن أبكارا أو ثيبات مثلا يقتضي عدم التقييد بشيء من ذلك ، لكن في خصوص المسبيات فلا يكون فيه دليل لغير المسبيات . [ ص: 166 ] فالحاصل أنه كان ينبغي للشارح أن يقتصر على الاستدلال بعموم الخبر ويعلله بما ذكرته فتأمل

التالي السابق


الخدمات العلمية