فلو قدم التغريب اعتد به ويجلد بعده وإن نازع في ذلك الأذرعي .
وعبر بالتغريب ليفيد به اعتبار فعل الحاكم فلو غرب نفسه لم يعتد به لانتفاء التنكيل ، وابتداء العام من أول السفر ، ويصدق بيمينه في مضي عام عليه حيث لا بينة ، ويحلف ندبا إن اتهم لبناء حقه تعالى على المسامحة وتغرب المعتدة وأخذ منه تغريب المدين ، أما مستأجر العين فالأوجه عدم تغريبه إن تعذر عمله في الغربة ، كما لا يحبس إن تعذر ذلك في الحبس ، ويوجه تغريب المدين وإن كان الدين حالا بأنه إن كان له مال قضى منه وإلا لم تفد إقامته عند الدائن فلم يمنع حقه توجه التغريب إليه وإنما يجوز التغريب ( إلى مسافة قصر ) من محل زناه ( فما فوقها ) على ما يراه الإمام بشرط كون الطريق والمقصد آمنا كما اقتضاه كلامهم في نظائره ، وأن لا يكون بالبلد طاعون لحرمة دخوله كما هو ظاهر ، ولأن ما دونها في حكم الحضر ( وإذا عين الإمام جهة فليس له طلب غيرها في الأصح ) فلو طلب لم يعتد به ; لأنه قد يكون له غرض فيه ، فينتفي الزجر المقصود ويلزمه الإقامة فيما غرب إليه ليكون له كالحبس ، وله استصحاب أمة يتسرى بها دون أهله وعشيرته .
وقضية كلامهما عدم تمكينه من حمل مال زائد على نفقته وهو متجه خلافا للماوردي والروياني ، ولا يقيد إلا إن خيف من رجوعه ، ولم تفد فيه المراقبة أو من تعرضه لإفساد النساء مثلا ، وأخذ منه بعض المتأخرين أن كل من تعرض لإفساد النساء أو الغلمان : أي ولم ينزجر إلا بحبسه حبس ، قال : وهي مسألة نفيسة ، وإذا رجع قبل انقضاء المدة رد لما يراه الإمام واستأنفها ; لأن التنكيل لا يتم إلا بموالاة مدة التغريب ، والثاني له ذلك فيجاب إليه ( ويغرب [ ص: 429 ] غريب ) له وطن ( من بلد الزنى إلى غير بلده ) هو أي وطنه ولو حلة بدوي ; إذ الإيحاش لا يتم بدون ذلك ( فإن عاد ) المغرب ( إلى بلده ) الأصلي أو الذي غرب منه أو إلى دون مسافة القصر ( منع في الأصح ) معاملة له بنقيض قصده ، وقياس ما مر استئناف العام كما هو ظاهر ، أما غريب لا وطن له كأن زنى من هاجر لدارنا عقب وصولها فيمهل حتى يتوطن محلا ثم يغرب منه وفارق تغريب مسافر زنى بغير مقصده .
وإن فاته الحج مثلا ; لأن القصد تنكيله وإيحاشه ولا يتم بدون ذلك بأن هذا له وطن فالإيحاش حاصل ببعده عنه وذاك لا وطن له فاستوت الأماكن جميعها بالنسبة إليه فتعين إمهاله ليألف ثم يغرب ليتم الإيحاش ، واحتمال عدم توطنه بلدا فيؤدي إلى سقوط الحد بعيد جدا فلا يلتفت إليه كاحتمال الموت ونحوه ، وما وقع لابن الرفعة والبلقيني هنا مما يخالف ذلك غير سديد ولو زنى فيما غرب إليه غرب لغيره بعيدا عن وطنه ومحل زناه ودخل فيه بقية الأول ومقابل الأصح لا يتعرض له ( ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح بل مع زوج أو محرم ) أو نسوة ثقات مع أمن المقصد والطريق ، ويجوز مع واحد ثقة أو ممسوح كذلك أو عبدها الأمين إن كانت هي ثقة أيضا بأن حسن حالها لما مر في الحج من الاكتفاء في السفر الواجب بذلك ، ووجوب المسافرة عليها لا يلحقها بالمسافرة للهجرة حتى يلزمها السفر ولو وحدها ; إذ الفرق أن تلك تخشى على نفسها أو بضعها لو أقامت ، وهذه ليست كذلك فانتظرت من يجوز لها السفر معه ( ولو بأجرة ) طلبها منها فيلزمها كأجرة الجلاد ، فإن كانت معسرة ففي بيت المال ، فإن تعذر أخر التغريب إلى أن توسر كأمن الطريق ، ومثلها في جميع ذلك أمرد جميل فلا يغرب إلا مع محرم أو سيد ( فإن امتنع ) ولو بأجرة ( لم يجبر في الأصح ) إذ في إجباره تعذيب من لم يذنب بجريمة غيره .
والثاني يجبر لإقامة الواجب وبهذا وجه تغريبها وحدها .
حاشية الشبراملسي
( قوله : وتغريب عام ) ظاهره وإن كان له أبوان ينفق عليهما أو زوجة أو أولاد صغار أو كبار محتاجون وهو ظاهر .
ويوجه بأن النفقة المستقبلة غير واجبة ففي ابتداء التغريب لا نفقة عليه وبعده عاجز ( قوله : وآثر التعبير به ) أي بالعام
( قوله : أما مستأجر العين ) ظاهره وإن وقعت الإجارة بعد ثبوت الزنى ، وقد يقال بعدم صحتها حينئذ لوجوب تغريبه قبل عقد الإجارة
( قوله : فالأوجه عدم تغريبه ) أي إلى انتهاء مدة الإجارة
( قوله : على ما يراه الإمام ) أي وإن طال بحيث لا يزيد الذهاب والإياب على سنة
( قوله : لحرمة دخوله ) ومثله الخروج أي حيث كان واقعا في نوعه
( قوله : وإذا عين الإمام جهة ) أي ويجب ذهابه إليها فورا امتثالا لأمر الإمام ويغتفر له التأخير لتهيئة ما يحتاج إليه ومنه الأمة التي يستصحبها للتسري
( قوله : فيما غرب إليه ) أي كإقامة أهلها
( قوله : يتسرى بها ) أي وإن لم يخف الزنى
( قوله : دون أهله ) أي زوجته ، ومحله ما لم يخف الزنى فيما غرب إليه أيضا ، ولكن في الزيادي التسوية بين الأمة والزوجة .
وعبارته : وله أن يستصحب سرية ومثلها الزوجة فهي مستثناة من الأهل ، وظاهره أن له ذلك وإن لم يخف الزنى
( قوله : ولم يزجر إلا بحبسه حبس ) أي وجوبا ورزق من بيت المال إن لم يكن له مال وإلا فمن مياسير المسلمين
( قوله : وإذا رجع ) أي إلى المحل الذي غرب [ ص: 429 ] منه بالفعل
( قوله : وقياس ما مر ) القياس إنما يحتاج إليه إذا عاد إلى بلده ( قوله : فيمهل ) أي وجوبا ( قوله فتعين إمهاله ليألف ) أي مدة جرت العادة بحصول الإلف فيها ( قوله : غرب لغيره ) ظاهره وإن لم يتوطن ما غرب إليه فيستثنى هذا مما قدم آنفا ا هـ سم على منهج
( قوله : ومثلها في جميع ذلك أمرد ) ومنه ما مر في نفقة من تخرج معه
( قوله : لم يجبر في الأصح ) أي ثم لو أراد السفر معها أو خلفها ليتمتع بها لم يمنع من ذلك وعليه النفقة حينئذ ، بخلاف ما لو لم يسافر معها أو سافر لغرض آخر واتفق مصاحبته لها من غير قصد ولا تمتع ، ولا منافاة بين هذه وبين ما بالهامش أيضا ; لأن تلك فيما لو قصد صحبتها بخلاف هذه ، وكتب أيضا حفظه الله قوله لم يجبر في الأصح : أي ثم إن سافرت لا معه لم تستحق نفقة ولا كسوة ولا غيرها مدة غيبتها ، وإن سافر معها ولو بأجرة استمرت النفقة وغيرها ولو لم يتمتع بها في المدة المذكورة .
حاشية المغربي
[ ص: 428 ] ( قوله : ويصدق بيمينه ) ينبغي حذف بيمينه ( قوله : ; ولأن ما دونها في حكم الحضر ) لم يتقدم قبله ما يصح عطفه عليه . وعبارة التحفة : اقتداء بالخلفاء الراشدين ولأن إلخ . فلعل قوله اقتداء إلخ . سقط من نسخ الشارح من الكتبة ( قوله : لم يعتد به ) لعل المراد لم يعتد بطلبه فلا يجب على الإمام إجابته في ذلك الطلب [ ص: 429 ] قوله : أو إلى دون مسافة القصر ) أي من أحدهما ( قول المتن بل مع زوج ) أي كأن كانت أمة أو حرة قبل الدخول أو طرأ التزويج بعد الزنى فلا يقال إن من لها زوج محصنة ( قوله : إلا مع محرم أو سيد ) أي أو نحوهما