لا يقال : لو حذف قطع كما حذف حد من كتاب الزنى لكان أعم ليتناول أحكام نفس السرقة ; لأنا نقول : لما كان القطع هو المقصود بالذات وما عداه هنا بطريق التبع له فذكره لذلك ، ولا يعارضه صنيعه في كتاب الزنى ; لأنهما صيغتان لكل ملحظ وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة كذا وقع في عبارتهم وهو صحيح ، إذ المراد بالسرقة الثانية مطلق الأخذ خفية وبالأولى الأخذ خفية من حرز ، وسارق ومسروق ، ولطول الكلام فيه بدأ به فقال ( يشترط لوجوبه في المسروق ) أمور ( كونه ربع دينار ) أي مثقال ذهب مضروبا كما في الخبر المتفق عليه ، وشذ من قطع بأقل منه ، وأما خبر { nindex.php?page=hadith&LINKID=32398لعن الله السارق يسرق البيضة أو الحبل فتقطع يده } [ ص: 440 ] فمحمول على بيضة الحديد ، وحبل يساوي نصابا أو الجنس ، أو أن من شأن السرقة تدرج صاحبها من القليل إلى الكثير حتى تقطع يده ( خالصا ) وإن تحصل من مغشوش ، بخلاف الربع المغشوش ; لأنه ليس ربع دينار حقيقة ( أو قيمته ) أي مقوما به ، فإن لم يعرف قيمته بالدنانير قوم بالدراهم ثم هي بالدنانير ، فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لأقرب محل إليها فيه ذلك كما هو قياس نظائره ، ويقطع بربع دينار قراضة ( ولو ) ( سرق ربعا ) ذهبا ( سبيكة ) فاندفع القول بأن سبيكة مؤنث فلا يصح كونه نعتا لربع أو حليا ( لا يساوي ربعا مضروبا فلا قطع ) به ( في الأصح ) نظرا إلى القيمة فيما هو كالسلعة ، والثاني ينظر إلى الوزن ، ولو سرق خاتما وزنه دون ربع وقيمته بالصنعة ربع فلا قطع نظرا إلى الوزن .
نعم قوله من غير المضروب متعلق بيساوي ، ولو اختلفت قيمة نقدين خالصين اعتبر أدناهما لوجود الاسم على أحد وجهين ، ويفرق بينه وبين ما مر فيما لو نقص النصاب في ميزان وتم في آخر بأن الوزن أمر حسي والتقويم أمر اجتهادي واختلاف الحسي أقوى فأثر دون اختلاف الاجتهادي ، لكن الأوجه تقويمه بالأعلى درءا للقطع وعليه فلا قطع ، ولا بد من قطع المقوم وإن كان مستند شهادته الظن ، وبه فارق شاهدي القتل فإن مستند شهادتهما المعاينة فلم يحتج للقطع منهما وإن استوى البابان في أن الشهادة في كل إنما تفيد الظن لا القطع ، فاندفع ما للبلقيني هنا ، وأن لا يتعارض بينتان وإلا أخذ بالأقل ( ولو سرق دنانير ظنها فلوسا ) مثلا ( لا تساوي ربعا قطع ) لوجود سرقة الربع [ ص: 441 ] مع قصد السرقة ولا أثر للظن ، ولهذا لو سرق فلوسا لا تساوي ربعا لم يقطع وإن ظنها دنانير ، وكذا ما ظنه له ; لأنه لم يقصد أصل السرقة ( وكذا ثوب رث ) بالمثلثة ( في جيبه تمام ربع جهله في الأصح ) لما مر ، وكونه هنا جهل جنس المسروق لا يؤثر لما تقرر أنه قصد أصل السرقة فلم يفترق الحال بين الجهل بالجنس هنا وبالصفة ، والثاني ينظر إلى جهله المذكور .
حاشية الشبراملسي
[ ص: 439 ] كتاب قطع السرقة ( قوله : ; لأنا نقول : لما كان القطع إلخ ) يرد على هذا الرد أن المقصود في الأبواب بيان الأحكام ، ولا نسلم أن بيان أحكام القطع مقصودة بالذات ، وبيان أحكام نفس السرقة مقصودة بالتبع ، وما أشار إلى الاستدلال به من عدم اختلاف القطع ممنوع ، إذ عدم هذا الاختلاف لا يقتضي اختصاص القطع بالمقصود بالذات ا هـ سم على حج
( قوله : هو المقصود بالذات ) لعل وجهه أن السرقة تشاركها في الأحكام المترتبة عليها غير القطع أبواب كثيرة كالاختلاس والانتهاب والجحد فإنها كلها مشتركة في الحرمة وضمان المال إن تلف وأرش نقصه إن نقص وأجرة مثله لمدة الاستيلاء عليه ، وإنما اختصت السرقة عنها بالقطع فكان هو المقصود بالذات في هذا الباب ، بخلاف الزنى فإنه يشاركه في الأحكام المترتبة عليه غيره كعدم ثبوت النسب به وعدم المصاهرة واسترقاق الولد الحاصل به لعدم نسبته للواطئ ، وترتب الحد عليه كترتب هذه الأحكام فلم يكن مقصودا بل الأحكام كلها مشتركة .
( وقوله ولا يعارضه ) قضيته أنه دفع لما يرد على الجواب وليس مرادا بل هو إشارة إلى جواب آخر ، وهو أنه لما كان القطع مشتركا بين السارقين لا يتفاوتون فيه ، بخلاف الحد فإنه يختلف باعتبار كون الزاني بكرا أو محصنا وبين كونه حرا أو رقيقا لاحظ ذلك فلم يذكر الحد في الزنى لاختلافه باختلاف الزناة ، وذكر القطع في السرقة لعدم اختلافه ، والنكات لا تتعارض
( قوله : كونه ربع دينار ) وتعتبر قيمة ما يساويه حال السرقة ا هـ شرح منهج . [ ص: 440 ] وربع الدينار يبلغ الآن نحو ثمانية وعشرين نصف فضة
( قوله : وحبل يساوي نصابا ) أي كحبل السفينة الذي يساوي ذلك ( قوله : بخلاف الربع المغشوش ) ينبغي في مغشوش لا يبلغ خالصه نصابا أن يقطع به ا هـ سم على حج
( قوله : ويقطع بربع دينار قراضة ) أي يساوي ربع دينار مضروب بدليل قول المصنف ولو سرق إلخ
( قوله : فاندفع القول ) .
أقول : يجوز أن يكون مفعول سرق سبيكة وربعا حالا مقدمة أي حال كونها مقدرة بالربع ا هـ سم على حج
( قوله : فلا يصح كونه نعتا ) أي وصح كونه نعتا لذهبا ; لأن الذهب ربما أنث كما في المختار
( قوله : ولو اختلفت قيمة نقدين ) أي من النقود التي يقتضي الحال التقويم بها
( قوله : اعتبر أدناهما ) أي فيقطع
( قوله : لوجود الاسم ) أي اسم الربع ( قوله وتم في آخر ) أي حيث لا تجب فيه الزكاة ( قوله ولا بد من قطع المتقوم ) أي بأن يقول تبلغ قيمته كذا قطعا أو يقينا مثلا
( قوله : وبه فارق شاهدي القتل ) الأولى حذف به ; لأن الضمير فيها راجع لقطع المتقوم وهذا هو نفس الحكم المحوج للفرق ، والفرق إنما حصل بقوله فإن مستند شهادتهما المعاينة إلخ ، وكتب أيضا حفظه الله : وبه فارق شاهدي القتل : أي حيث اكتفى منهما بقولهما قتله ولم يكتف هنا بقولهما سرق ما قيمته كذا بل لا بد من قولهما قيمته كذا قطعا ( قوله : وإلا أخذ ) أي وإلا بأن تعارضتا أخذ بالأقل [ ص: 441 ] أي فلا قطع وإن كانت بينة الآخر أكثر عددا ; لأن الحد يدرأ بالشبهات
[ ص: 439 ] كتاب قطع السرقة ( قوله : وشرعا أخذ مال إلخ . ) هذا تعريف للسرقة الموجبة للقطع خاصة كما لا يخفى ( قوله : وما عداه هنا بطريق التبع ) أي لأن الكلام هنا أصالة في الحدود ، ومن ثم عبر بعضهم بعد باب الردة بكتاب الحدود وجعله أبوابا منها باب السرقة .
فاندفع قول سم : لا نسلم أن بيان أحكام القطع مقصود بالذات وبيان أحكام نفس السرقة مقصود بالتبع ا هـ .
ومما يدفعه أن الشارح كحج لم يجعلا أحكام السرقة تابعة في حد ذاتها ، وإنما جعلاها تابعة هنا في هذا الموضع المقصود منه بيان الحدود كما تقرر ( قوله : لكل ملحظ ) أي وهو أن الحدود في الزنى متعددة بتعدد الفاعل ومختلف في بعض أجزائها وهو التغريب فحذف لفظ الحد لئلا يتوهم التخصيص ببعضها قاله حج ، وإن [ ص: 440 ] نازعه سم ( قوله : فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير ) يعني : بأن كانوا لا يتعارفون التعامل بها كما هو ظاهر ( قوله : متعلق بيساوي ) ينبغي أن يكون وصفا لربع بقرينة مقابلته بقوله ولا يبلغ ربعا مضروبا وهذا هو الأقعد ، وهو لا يخالف ما قاله الشارح من جهة المعنى .
واعلم أن الشارح إنما نبه على هذا التعليق الذي ذكره احترازا عن جعله وصفا لقوله شيئا إذ تلزم عليه المخالفة ( قوله : ولا بد من قطع المقوم ) بأن يقول قيمته كذا قطعا كما صوره حج