تطلق على كل من العقد والمال الملتزم به وعقبها للقتال ; لأنه مغيا بها في الآية التي هي كأخذه صلى الله عليه وسلم إياها من أهل نجران وغيرهم .
الأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } إذ هي مأخوذة من المجازاة ; لأنها جزاء عصمتهم منا وسكناهم في دارنا فهي إذلال لهم لتحملهم على الإسلام لا سيما إن خالطوا أهله وعرفوا محاسنه لا في مقابلة تقريرهم على كفرهم ; لأن الله تعالى أعز الإسلام وأهله عن ذلك ، ومشروعيتها مغياة بنزول عيسى صلى الله عليه وسلم فلا تقبل بعد ذلك ; لأنه لا يبقى لأحد منهم شبهة بحال فلم يقبل منهم إلا الإسلام وهذا من شرعنا ; لأنه إنما ينزل حاكما به متلقيا له عنه صلى الله عليه وسلم من القرآن والسنة والإجماع أو عن اجتهاد مستمد من هذه الثلاثة ، والظاهر أن المذاهب في زمنه لا يعمل منها إلا بما يوافق ما يراه ، إذ لا مجال للاجتهاد مع وجود النص واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئ .
ولها أركان عاقد ومعقود له وعليه ومكان وصيغة وبدأ بها اهتماما بها فقال ( صورة عقدها ) مع الذكور أن يقول لهم الإمام أو نائبه ( أقركم ) أو أقررتكم كما في المحرر ، واستحسن على الأول لاحتماله الوعد غير أنه يكتفي به ، وإن لم يقصد به الحال مع الاستقبال ; لأن المضارع عند التجرد عن القرائن يكون للحال ، وبأنه يأتي للإنشاء كأشهد ، ولا ينافيه ما مر في الضمان أن أؤدي المال أو أحضر الشخص لا يكون ضمانا ولا كفالة ، وفي الإقرار أن أقر بكذا لغو ; لأنه وعد ; لأن شدة نظرهم في هذا الباب لحقن الدم اقتضى عدم النظر لاحتماله للوعد ( بدار الإسلام ) غير الحجاز لكنه لا يشترط التنصيص على إخراجه حال العقد اكتفاء باستثنائه شرعا وإن جهله العاقدان فيما يظهر على أن هذا من أصله قد لا يشترط فقد نقرهم بها في دار الحرب ( أو أذنت في إقامتكم بها ) أو نحو ذلك ( على أن تبذلوا ) أي تعطوا ( جزية ) في كل حول ، نعم يتجه [ ص: 86 ] عدم اعتبار ذكر كونها أول الحول أو آخره ، فيحمل قول الجرجاني بذكر ذلك على الأكمل ( وتنقادوا لحكم الإسلام ) أي لكل حكم من أحكامه غير نحو العبادات مما لا يرونه كالزنا والسرقة لا كشرب المسكر ونكاح المجوس للمحارم ، ومن عدم تظاهرهم مما يعتقدون إباحته ، وفسر الصغار في الآية بالتزام ذلك ، وإنما وجب التعرض لهذا مع أنه من مقتضيات عقدها ; لأنه مع الجزية عوض عن تقريرهم فأشبه الثمن في البيع والأجرة في الإجارة ، ولا يشترط التعرض لنفي اجتماعهم على قتالنا كما أمنوا منا خلافا للماوردي وغيره لدخوله في الانقياد ، ولا يرد على المصنف صحة قول الكافر ، أقروني بكذا إلى آخره فيقول له الإمام أقررتك ; لأنه إنما أراد صورة عقدها الأصلي من الموجب ، أما النساء فيكفي فيهن الانقياد لحكم الإسلام لانتفاء الجزية عنهن ، وظاهر كلامهم صراحة هذه الأشياء ، وأنه لا كناية هنا لفظا ، ولو قيل إن كنايات الأمان لو ذكر معها على أن تبذلوا إلى آخره تكون كناية هنا لم يبعد ( والأصح اشتراط ذكر قدرها ) أي الجزية كالثمن والأجرة وسيأتي أقلها .
والثاني لا يشترط ذكره وينزل المطلق على الأقل ( لا كف اللسان ) منهم ( عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه ) بسوء فلا يشترط ذكره لدخوله في الانقياد
حاشية الشبراملسي
[ ص: 85 ] كتاب الجزية ( قوله : تطلق ) أي شرعا ( قوله : الأصل ) خبر هي ( قوله : قوله تعالى ) بدل من قوله في الآية أو خبر لمبتدإ محذوف : أي وهي قوله إلخ أو بدل من قوله الأصل الواقع خبرا عن قوله هي ، وقوله كأخذه في موضع الحال من هي ( قوله : وهذا من شرعنا إلخ ) أي كونها مغياة بنزول عيسى ( قوله مع الذكور ) وسيأتي مع غيرهم ا هـ سم على حج ( قوله : واستحسن على الأول ) قد يرجح صنيع المصنف باشتماله على إفادة صحة العقد بهذه الصيغة التي يتوهم عدم صحة العقد بها مع فهم ما بالمحرر بالأولى ، بخلاف ما فيه فإنه لا يفهم منه هذا مطلقا فليتأمل ا هـ سم حج .
( قوله : وبأنه ) أي المضارع ( قوله : وفي الإقرار ) أي ولا ما في الإقرار ( قوله : على إخراجه ) أي الحجاز ( قوله : على أن هذا ) أي قوله بدار الإسلام ( قوله : على أن تبذلوا ) بابه نصر ( قوله : في كل حول ) ظاهره أنه شرط ، [ ص: 86 ] وأن الأكمل أن يقول أول الحول أو آخره ( قوله لا كشرب المسكر ) أي بالفعل ( قوله : ومن عدم تظاهرهم ) لعله عطف على من أحكام بجعل من فيه بيانية لا تبعيضية لتعذرها هنا أو تبعيضية بجعل المبعض منه مجموع أحكامه وعدم التظاهر ا هـ سم على حج ( قوله : لأنه ) أي المصنف ( قوله : إنما أراد صورة عقدها ) قد يجاب أيضا بأن من صور الأصلي على الإطلاق تقدم الإيجاب ا هـ سم على حج .
يتأمل فإنه لم يظهر من هذا جواب عن الإيراد بل هذا اعتراض على الجواب ، نعم يمكن دفع الاعتراض على الشارح بأنه إن جعله صورة عقده الأصلي من الموجب وهذا ليس هذا أصليا بالنسبة له ( قوله : لفظا ) أي بخلافه فعلا فإنها موجودة كالكتابة وإشارة الأخرس إذا فهمها الفطن دون غيره ( قوله : على الأقل ) وهو دينار
( قوله : واجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئ ) أي فهو كالنص لا يجوز الاجتهاد معه ( قوله : اهتماما بها ) قد يقال ولم اهتم بها . وعبارة التحفة ولأهميتها بدأ بها ( قوله : غير أنه يكتفي به إلخ ) أي فالمصنف أراد إفادة ذلك ، ويعلم منه ما في المحرر بالأولى ( قوله : للحال ) أي كالاستقبال ( قوله : وبأنه ) الباء فيه سببية فهو عطف [ ص: 86 ] على لأن إلخ وكان المناسب اللام ( قوله كالزنا والسرقة ) أي تركهما ( قوله : ومن عدم تظاهرهم ) الظاهر أنه معطوف على مما يرونه إذ هو من جملة الأحكام كما لا يخفى فهو أولى من جعل الشهاب ابن قاسم له معطوفا على من أحكامه ( قوله : أما النساء ) أي المستقلات ( قوله : هنا ) أي في الإيجاب بدليل ما سيأتي في القبول ( قوله : بسوء ) [ ص: 87 ] لا بد له من متعلق إذ لا يصح تعلقه بكف كأن يقدر لفظ ذكر بعد قول المصنف عن