[ ص: 279 ] ( فصل ) في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه ( الغائب الذي تسمع ) الدعوى و ( البينة ) عليه ( ويحكم عليه من بمسافة بعيدة ) لسهولة إحضار القريب ، وقضية كلامه أنه لو حكم على غائب فبان كونه حينئذ بمسافة قريبة تبين فساد الحكم وهو كذلك ، ودعوى أن المتبادر من كلامهم الصحة ممنوعة ، ويجري ذلك في صبي أو مجنون أو سفيه بان كماله ، ولو قدم الغائب وقال ولو بلا بينة كنت بعت أو أعتقت قبل بيع الحاكم تبين بطلان تصرف الحاكم كما مر ، ولو بان المدعى موته حيا بعد بيع الحاكم ما له في دينه ، قال أبو شكيل اليمني : بان بطلانه إن كان الدين مؤجلا لتبين بقائه لا حالا لأن الدين يلزمه وفاؤه حالا انتهى . وإنما يسلم له ذلك في الحال إذا بان معسرا لا يملك غير المبيع أو يملك غيره وظهر أن المصلحة في بيع المبيع لو ظهر له الحال قبل التصرف أخذا مما مر في الرهن ، ولو بان أن لا دين بان أن لا بيع كما لا يخفى ( وهي ) أي البعيدة ( التي لا يرجع منها ) متعلق بقوله ( مبكر إلى موضعه ليلا ) أي أوائله وهو ما ينتهي فيه سفر الناس غالبا ، قاله البلقيني ، وذلك لأن في إيجاب الحضور منها مشقة بمفارقة الأهل والوطن ليلا ، وإنما علقنا منها بمبكر لتوقف صحة المراد عليه مع جعل إلى موضعه من إظهار المضمر : أي لا يرجع مبكر منها لبلد الحاكم إليها أول الليل بل بعده ، فاندفع قول البلقيني تعبيره غير مستقيم لأن منها يعود للبعيدة وهي ليست التي لا يرجع منها بل التي لا يصل إليها من يخرج بكرة من موضعه إلى بلد الحاكم ، فلو قال التي لو خرج منها بكرة لبلد الحاكم لا يرجع إليها ليلا لو عاد في يومه بعد فراغ المحاكمة لوفى بالمقصود انتهى . وظاهر أن العبرة في ذلك باليوم المعتدل ، ويتجه أن المراد زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة أو حلف وتعديلها وأن العبرة بسير الأثقال لأنه المنضبط ( وقيل ) هي ( مسافة القصر ) لاعتبارها في الشرع في أماكن . ورد بوضوح الفرق هذا كله حيث كان في ولاية الحاكم وإلا سمع الدعوى عليه والبينة وحكم وكاتب ، قاله الماوردي وغيره ، وأفتى به الوالد رحمه الله ، ومقتضاه أنه لو تعددت النواب أو المستقلون في بلدة واحدة وحد لكل واحد حد فطلب من قاض منهم الحكم على من ليس في حده قبل حضوره حكم وكاتب لأنه غائب بالنسبة إليه ، والأوجه أنه غير مراد للماوردي ومن تبعه خصوصا إن لم تفحش سعة البلدة ( ومن بقريبة ) أي بمسافة قريبة ولو [ ص: 280 ] بعد الدعوى عليه في حضوره وهو ممن يتأتى حضوره ( كحاضر فلا تسمع ) دعوى ولا ( بينة ) عليه ( ولا يحكم بغير حضوره ) بل يجب إحضاره لسهولة ذلك ليدفع إن شاء أو يقر فيغني عن البينة والنظر فيها ( إلا لتواريه ) أو حبسه بمحل لا يمكن الوصول إليه أو هربه من مجلس الحكم ( أو تعزره ) أي تغلبه ، وقد ثبت ذلك عليه فتسمع البينة ويحكم بغير حضوره ، لكن بعد يمين الاستظهار على أرجح الوجهين كما أفتى به الوالد رحمه الله تبعا لجمع متأخرين احتياطا للحكم فلا يقدح في ذلك تقصيره وقدرته على الحضور ، فإن لم يكن للمدعي بينة جعل الآخر في حكم الناكل ، فيحلف المدعي يمين الرد على ما ادعاه بعضهم ثم يحكم له ، لكن صرح الماوردي بخلافه وتبعه جمع ، وعلى الأول فلا بد من تقديم النداء بأنه إن لم يحضر جعل ناكلا قاله الماوردي والروياني ( والأظهر جواز القضاء على غائب في قصاص وحد قذف ) لأنه حق آدمي فأشبه المال ( ومنعه في حدود الله تعالى ) وتعازيره لبنائها على المسامحة والدرء ما أمكن ، وما فيه الحقان كالسرقة يقضى فيه بالمال لا القطع . والثاني الجواز مطلقا كالأموال فيكتب إلى قاضي بلد المشهود عليه ليأخذ بالعقوبة . والثالث المنع مطلقا لخطر الدماء والحد يسعى في دفعه ولا يوسع بابه وحقوقه تعالى المالية كحقوق الآدميين على المذهب ، ولا تسمع الدعوى والبينة على غائب بإسقاط حق له كأن قال كان له علي ألف قضيتها أو أبرأني منها ولي بينة بذلك ولا آمن إن خرجت إليه يطالبني ويجحد القبض والإبراء ولا أجد حينئذ البينة فاسمع بينتي واكتب بذلك إلى حاكم بلده لم يجبه لأن الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق . قال nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح : وطريقه في ذلك أن يدعي إنسان أن رب الدين أحاله فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة ، ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه فتسمع الدعوى بذلك والبينة وإن كان رب الدين حاضرا بالبلد
حاشية الشبراملسي
[ ص: 279 ] فصل ) في بيان من يحكم عليه في غيبته
( قوله : ويجري ذلك ) أي فساد الحكم ( قوله : بان كماله ) أي بعد الدعوى على وليه ( قوله : وقال ولو بلا بينة ) أي ولو فاسقا وكافرا وهل يتوقف ذلك على يمين أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب تحليفه ( قوله : وهو ما ينتهي فيه سفر الناس غالبا ) أي وإن كان أهل ذلك المحل لا يرجعون إلا في نحو ثلث الليل ( قوله : ورد بوضوح الفرق ) [ ص: 280 ] وهو المشقة في الحضور هنا ( قوله : وحقوقه تعالى المالية ) أي كالزكاة والكفارة ( قوله : كان له علي ألف ) الألف مذكر وحيث أنث فيؤول بالدراهم أو نحوها ، وعبارة المختار : الألف عدد وهو مذكر ( قوله : لم يجبه ) هذا يغني عنه قوله أولا ولا تسمع الدعوى بل ليس في الكلام ما يصلح هذا جوابا له ، فلو قال فإن كان قاله إلخ كان أولى
( قوله : لسهولة إحضار القريب ) أي الذي في ولايته كما يعلم مما يأتي ( قوله : كما مر ) الذي مر إنما هو إذا بطل الدين بعد حضوره خلافا للروياني ( قوله : ولو بان أن لا دين إلخ ) قد قدم هذا ونبه على مخالفة الروياني فيه ( قوله : هذا كله حيث كان في ولاية الحاكم إلخ ) الظاهر أن هذا لا محل له هنا ، وأن محله إنما هو بعد قول المصنف الآتي ومن بقريبة كحاضر إلخ ، أنه لا حاجة إلى ذكر هذا أصلا ولا إلى نسبته إلى الماوردي لأنه عين قول [ ص: 280 ] المصنف الآتي أو غائب في غير محل ولايته فليس له إحضاره فتأمل ( قوله : جعل الآخر في حكم الناكل إلخ ) هذا خاص بالمتواري والمتعزز بخلاف المحبوس الذي زاده الشارح ( قوله : لم يجبه ) الأصوب حذفه ( قوله : فيعترف المدعى عليه ) لعل المراد باعترافه ما علم مما مر أن يقول كان له علي ألف مثلا أو نحو ذلك